قُبيل شهر واحد، وعلى اعتاب المرة الخامسة خلال أربع سنوات، من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، تتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى القضايا الخلافية بين القوى السياسية والمجتمع الإسرائيلي، التي ترجح استطلاعات وأراء بأنها هي التي ستحسم المشهد السياسي المستقبلي.

وفي ظل مساعي رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، للعودة إلى سدة الحكم، وما تمر به إسرائيل من تحديات أمنية نتيجة تصاعد التوترات في الضفة الغربية، ومع استمرار التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وجماعة “حزب الله” اللبنانية، ورفض شعبي وسياسي لنتنياهو، يرى محللون أن ثمة 4 قضايا ستحدد اتجاه تصويت الناخبين الإسرائيليين.

القضايا الأربعة هي ارتفاع الأسعار، وشخص بنيامين نتنياهو، وعدم تكرار الانتخابات، والوضع الأمني، حيث يأمل الناخبون الإسرائيليون الذين يعودون لصناديق الاقتراع في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، يأمل السواد الأعظم منهم ألا تنتهي هذه الانتخابات إلى جولة انتخابات سادسة، في مشهد يعبّر عن عمق الأزمة السياسية التي وصلت إليها دولة الاحتلال.

ففي الانتخابات الأخيرة، كان شخص رئيس وزراء الأسبق نتنياهو يحتل مركزا مهما في الدعاية الانتخابية، مع سعيه للعودة إلى الحكم، لا سيما وأن تشكيل حكومة جديدة يتطلب الحصول على 61 مقعدا على الأقل من مقاعد الكنيست الـ 120، وهو رقم لا يبدو أن أيّا من الأحزاب الإسرائيلية البارزة يضمن تحقيقه.

إضافة إلى أن الانتخابات تأتي في وقت يستمر فيه التصعيد الأمني في الضفة الغربية، مع استمرار التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وجماعة “حزب الله” اللبنانية، ومن جانب آخر، تصدّر الملف النووي الإيراني تصريحات المتنافسين الإسرائيليين قبل أن يتراجع مع تأجيل الولايات المتحدة الأمريكية، التوقيع على الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس، منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

اقرأ/ي أيضا: ظهور منافس لبوتين على الرئاسة في روسيا؟

مخاوف الإسرائيليين

بالتالي، أن “الموضوع الأساسي الذي يتم الحديث عنه هو ألا تكون هناك انتخابات أخرى بعد الانتخابات القادمة؛ لذلك نرى أن المرشحينَ يكررون في كلماتهم: “إذا ما صوّتم لي فإنني سأشكل حكومة أكثر استقرارا ولن تكون هناك انتخابات إضافية“، كما يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية يوناثان فريمان، لوكالة “الأناضول”.

ويضيف، “لذا أعتقد أن نقطة أساسية في الانتخابات هي من سيتمكن من تشكيل حكومة مستقرة ويمنع العودة إلى الانتخابات مجددا في المستقبل القريب“، في الوقت نفسه، أشار فريمان، إلى أن الناخبين يولون أهمية لبرامج الأحزاب الهادفة للحد من ارتفاع الأسعار.

وقال، إن “تكاليف الحياة وارتفاع الأسعار تحظى بمكانة مهمة في الانتخابات، وهو ارتفاع نتج عن تأثيرات جائحة كورونا على الصناعات والحرب في أوكرانيا؛ لذا فإن السؤال هو: ما الذي ستقوم به الحكومة حيال هذا الأمر من أجل خفض الأسعار؟“، بالتالي، فإن السؤال بالنسبة للناخبين هو: “من هو المرشح الذي لديه أجندة اقتصادية أفضل تحقق خفض التكاليف؟“.

كما أشار فريمان، إلى أن شخص نتنياهو، يحتل مكانة مهمة في تحديد الناخبين تجاه تصويتهم، إذ أن هناك تركيز على شخص نتنياهو، ويتردد السؤال دائما: هل ستجلس أم سترفض الجلوس مع نتنياهو في حكومة؟ وتحت أي شروط؟ وتقريبا فإن كل حزب أعلن موقفه بشأن نتنياهو كشخص“.

بالمقابل، كانت أحزاب “شاس” و“يهودوت عتوراه” و“الصهيونية الدينية“، أعلنت عزمها التوصية بزعيم حزب “الليكود” نتنياهو، لتشكيل الحكومة، فيما أعلنت الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة الحالية، أنها لن تقبل الانضمام إلى أي حكومة برئاسة نتنياهو، فيما أشارت “القائمة العربية المشتركة” إلى أنها لن توصي بنتنياهو، ولفتت إلى أن توصيتها بـ يائير لابيد أو بيني غانتس، ليست مضمونة.

وحول ذلك يقول فريمان، إنه “كما يتم النظر إلى الحزب الأكثر قدرة على منع نتنياهو من العودة إلى رئاسة الحكومة، ولذا فهناك أحزاب تقوم دعايتها الانتخابية على أن فوزها سيحول دون وجود نتنياهو بالحكومة بعد الانتخابات“.

اقرأ/ي أيضا: هل انتهت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؟

توقعات حول نتائج الانتخابات

في حين تشير استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى توقعات بحصول كتلة نتنياهو على ما بين 59-61 مقعدا في الانتخابات القادمة، مقابل حصول كتلة الحكومة الحالية على 55-57 مقعدا، لتبقى 4 مقاعد لـ “القائمة المشتركة“، مؤكدة أنه لا يمكن التغاضي عن واقع أن هذه الانتخابات تأتي في ظل تصعيد أمني بالضفة الغربية قد يتفاقم ويصل غزة، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات على توجهات الناخبين.

إضافة إلى أن محللين إسرائيليين يعتبرون أن الوضع الأمني إشكالي جدا الآن، سواء ما يتعلق بالأراضي الفلسطينية، أو لبنان وتصاعد التهديدات، وهو وضع سيكون له تأثيره على الانتخابات.

في الوقت نفسه، فإن الانقسام السياسي بات مهددا لاستقرار الدولة، هكذا وصفته كبرى مراكز البحث والاستشراف الإسرائيلي، خصوصا بعد أن دخل الجيش الإسرائيلي في عمق هذه الخلافات، وبات ورقة مساومة وابتزاز بيد قادة الكتل والأحزاب السياسية لتحقيق مصالح حزبية.

فمنذ انهيار الائتلاف الحكومي، في أيار/مايو الماضي 2022، وسقوط حكومة بينيت، دخلت إسرائيل في ذروة أزمة سياسية لم تشهدها منذ سنوات، إذ باتت هذه الحكومة التي يرأسها وزير الخارجية يائير لابيد مسيّرة للأعمال لحين إجراء الانتخابات القادمة، وبالتالي لا تستطيع هذه الحكومة اتخاذ قرارات استراتيجية، أهمها اختيار القائد الجديد للجيش، في ظل اقتراب نهاية ولاية رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي مطلع العام 2023.

شهدت الأسابيع الأخيرة حربا إعلامية وقانونية بين وزير الدفاع بيني غانتس وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، بسبب الخلاف حول هوية القائد الجديد للجيش، إذ يصر غانتس على ضرورة أن يبقى الجيش بعيدا عن الاستقطاب الحالي، وبالتالي يجب معرفة خليفة كوخافي خلال المرحلة الانتقالية، في حين يرفض نتنياهو هذا الإجراء، ويُصر بدوره على تأجيل هذا التعيين لحين إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة التي يراهن على رئاستها، بعد أن منحت استطلاعات الرأي الأخيرة كتلة اليمين برئاسته 61 مقعدا.

انتقل الصراع بين الرجلَين إلى أروقة القضاء، حيث تقدم غانتس، بطلب استثنائي إلى المستشارة القضائية للحكومة غالي بيهار ميارا، للسماح له باختيار القائد الجديد للجيش، من منطلق وصفه غانتس، باعتبارات أمنية حساسة لا تحتمل التأجيل.

سباق رئاسة الأركان

ينافس ثلاثة جنرالات على منصب رئيس الأركان القادم، وهم الجنرال هرتسي هليفي، نائب رئيس الأركان الحالي، وهو المرشح المفضل لغانتس، والجنرال أيال زمير، النائب السابق لرئيس الأركان، وهو المرشح المفضل لنتنياهو، أما الجنرال الثالث فهو يوئيل ستريك، القائد السابق للقوات البرية، ولكن حظوظه في المنافسة تراجعت، لتبقى المنافسة محصورة بين هليفي، وزمير.

ونشر الكاتب الإسرائيلي إيتمار إيخنر، مقالا بصحيفة “يدعوت أحرونوت“، اعتبر أن الأزمة الحالية حول تحديد هوية رئيس الأركان مقلقة للغاية، فلم تعتد إسرائيل تاريخياً على إدخال الجيش في معترك الخلافات السياسية، إذ كان الجيش تاريخياً محيداً عن أية صراعات داخلية، وهو مفرغ بشكل كامل لحماية الأمن القومي الإسرائيلي من التهديدات المحيطة به.

في السياق، يقول “المعهد الديمقراطي الإسرائيلي الخاص“، إن نصف الجمهور الإسرائيلي يعتزم التصويت للحزب نفسه الذي صوّتوا له في الانتخابات السابقة، بينما رُبعهم لم يقرروا بعد أي حزب سيصوّتون له، فيما أشار القسم المتبقي إلى أنهم سيختارون أحزاباً مختلفة عن الأحزاب التي صوّتوا لها.

وصنفت الأجندات الاقتصادية للأحزاب، على أنها العامل الأكثر تأثيرا في قرار الناخبين بشأن الحزب الذي سيصوّتون له. حيث جاءت هوية زعيم الحزب مرة أخرى في المرتبة الثانية فقط، باستثناء ناخبي الليكود، الذين اعتبروا هوية زعيم الحزب أهم عامل في التصويت للحزب.

وتخوض 40 قائمة الانتخابات القادمة، ولكن 11-12 منها فقط يتوقّع أن تنجح بتجاوز عتبة الانتخابات والوصول إلى مقاعد الكنيست. وما لم يتمكن مرشح الحكومة أو المعارضة من تشكيل حكومة، فإن الإسرائيليين سيضطرون إلى العودة إلى صناديق الاقتراع للمرة السادسة.

اقرأ/ي أيضا: أزمة جوع كارثية تهدد العالم.. ما مستقبلها؟

إسرائيل والانقسام الداخلي

تعليقا على ذلك، رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي السابق جادي ايزنكوت، كان قد قال في كلمة له عبر من خلالها عن انضمامه إلى السياسة الإسرائيلية في إطار قائمة جديدة باسم “المعسكر الرسمي“(همحني همملختي)، استعدادا للمشاركة بالانتخابات التي ستجري في 1 تشرين ثاني/نوفمبر القادم، إن “دولة إسرائيل وقّعت في الآونة الأخيرة بأزمة سياسية وعدم استقرار استمر على مدار سنوات وتسبب بشرخ عميق داخل المجتمع“.

ايزنكوت أضاف: “في رأيي يجب أن نسعى لإقامة حكومة تدمج كافة القوى الرسمية التي تنشط في إسرائيل، وتعيد استقرار الحكم وتعزز الحوار الذي يخدم المصالح الوطنية” مبيّنا: “نحن نقف أمام تحديات أمنية وطنية كبيرة، وليس لدينا الحق عدم إقامة حكومة فعالة من أجل مواطني إسرائيل“.

رئيس هيئة الأركان السابق تابع: “أنا أرى بزميلي بيني غانتس، الذي حظيت بإداء الخدمة الى جانبه وتحت قيادته لفترة طويلة، الشخص المناسب لقيادة (المعسكر الرسمي) والأفكار التي يعبر عنها، مع وزير القضاء غدعون ساعر، سنعمل وفق قاعدة (تحدث القليل وقم بالكثير) لتعزيز دولة إسرائيل كدولة ديموقراطية، متساوية ومزدهرة بروح وثيقة الاستقلال، التي تذكرنا جميعنا بالأمر المشترك بيننا ويوحدنا“.

وفي تعليقه حول امكانية ان يقوم رئيس المعارضة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، بإقامة الحكومة القادمة، قال: “خدمت كرئيس هيئة أركان في حكومته. أنا لا أريد التحدث عنه، لكنني أريد اتخاذ موقف أخلاقي حيث أنه بنظري الشخصيات العامة، لا يهم أين تكون أن كان في مجلس إقليمي أو حكومة إسرائيل لا يمكن له الترشح أو تولي منصب عام مع لائحة اتهام. ليس وفقا للمعايير التي نريدها كدولة ديموقراطية تحافظ على القانون“.

اقرأ/ي أيضا: الانتخابات الرئاسية في البرازيل.. جولة إعادة وتنافس محموم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.