رأيناه يوم الجمعة الماضي في الكرملين، وعيناه مغرورقة بالدموع، خلال احتفال ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا. كذلك رأيناه هذا الأسبوع في غروزني عاصمته وهو يتلقى بفخر دبلوم “أكثر شخصية معاقبة في العالم” صادر عن “كتاب الأرقام القياسية الروسية” وهو نوع من كتاب “غينيس” بنكهة روسية، وقد سمعناه بشكل خاص السبت الفائت وهو يهاجم الفساد والمحسوبية الموجودة في القوات المسلحة الروسية، والمسؤولة عن الصعوبات التي يواجهونها على الأرض، ثم يدعو إلى استخدام أسلحة نووية منخفضة القوة في أوكرانيا.

بعد هذه التصريحات، فتحت أفواه أخرى، مثل الجنرال أندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، الذي أعلن أنه “يجب أن نتوقف عن الكذب” بشأن الوضع العسكري، مدوي ومثير للقلق وحتى مرعب، بالنظر إلى الاتهامات المستمرة بانتهاكات حقوق الإنسان ضد نظامه، فرمضان قاديروف، 46 عاما، منذ الأربعاء الماضي، حاضر في كل مكان على الساحة السياسية والإعلامية.

اقرأ أيضا: ورقة قوية لتغلب أوكرانيا على الغزو الروسي

 منذ 24 شباط/فبراير الماضي، مع ثلاثة ملايين مشترك في حسابه على تيليغرام، ظهر الرئيس الشيشاني في مقاطع فيديو متعددة للإشادة بـ “شجاعة” رجاله “القاديروفت” ذوي السمعة الشريرة والذين تم إرسالهم إلى أوكرانيا ضد ما يسميه “نازي كييف”.

 في منتصف مارس/آذار، زعم قاديروف أنه موجود في ماريوبول، حيث ظهر وسط حوالي ثلاثين رجلا مسلحا، مدعيا أيضا أنه عثر على أوكراني وعاقبه بيديه لأنه عذب جنديا روسيا، ولكن منذ الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ الشهر الماضي، قام قاديروف، الذي يقدم نفسه على أنه أفضل جندي مشاة لدى بوتين، بتشديد نبرته وأطلق النار على كل شيء، بما في ذلك حاشية رئيس الكرملين. 

فلماذا مثل هذه التصريحات ولأي غرض؟ وما هي طموحات رجل تتنبأ له الشائعات بشكل دوري بمستقبل سياسي في موسكو؟

في نهاية الأسبوع الماضي، وبعد مهاجمته للقيادة العسكرية الروسية، أعاد الكرملين “تأطير” رمضان قاديروف. حيث جاءت تصريحاته تحت تأثير العاطفة، أوضح المتحدث، دميتري بيسكوف، مشيدا أيضا بالمساهمة الاستثنائية للزعيم الشيشاني في المجهود الحربي.

 رسميا، يحتفظ فلاديمير بوتين بثقته فيه، فقد اتصل به الرئيس الروسي هاتفيا، الأربعاء الماضي، لتهنئته وإعلان تعيينه في رتبة جنرال ثالث أعلى رتبة في التسلسل الهرمي العسكري، بعد مشير ولواء في الجيش الروسي. وأعلن الرئيس الشيشاني، في المقابل، إقامة فعاليات متعددة في غروزني، يوم الجمعة، بمناسبة الذكرى السبعين لميلاد رئيس الكرملين، وافتتاح مركز “الاستعداد الأولمبي” للجودو وسباق الخيل والدراجات النارية.

 وقبل كل شيء، أعلن قاديروف، وهذا بيان الولاء الأعلى، إرسال ثلاثة من أبنائه تتراوح أعمارهم بين 14 و15 و16 عاما، إلى الجبهة، وهو أمر اعترض عليه نائب في لجنة الدفاع بمجلس الدوما، يوم الخميس الماضي، لأنهم صغار جدا على التجنيد، بحسب تقرير لموقع “لوفيغارو” ترجمه “الحل نت”.

قاديروف يشارك في العملية العسكرية في أوكرانيا لإظهار أنه مخلص تماما لبوتين وللمحافظة على نفوذه، فبالنسبة له المشاركة في العملية هي دعاية شخصية. يلاحظ عالم السياسة الروسي كونستانتين كالاتشيف، في مقابلة مع وكالة “فرانس برس” علاوة على ذلك، هناك دائما هذه اللعبة إظهار ولائه وإظهار القوة التي يمكن أن يمثلها إذا لم تعد السلطة المركزية في موسكو تهتم لأمره.

“طباخ بوتين” 

تصريحات قاديروف لها دائما متلقيين، السلطة العليا الروسية التي بدونها لا يوجد الكثير، والشعب الشيشاني. يلاحظ من جانبه ألكسندر تشيركاسوف، الرئيس السابق لمجلس إدارة مركز “ميموريال” لحقوق الإنسان، الذي تم حله من قبل القضاء الروسي في كانون الأول/ديسمبر الماضي ومتخصص في الشيشان، ويضيف قائلا، إنه لا يتخذ موقفا ضد الحرب، ولكنه يتظاهر بأنه الخادم الأول للملك، ويؤكد أن تعليمات هذا الأخير تنفذ بشكل سيء، ففي أوكرانيا كما في سوريا وليبيا، يستخدم قاديروف الحرب لتقوية سلطته.

 من الواضح أن الصعوبات العسكرية الروسية تشغل بال رمضان أخماتوفيتش، لقبه المتحدر من والده أحمد الذي اغتيل عام 2004 ونجح في خلافته رمضان في العام 2007، وكأنه يخشى بأن يؤثر فشل الكرملين في أوكرانيا على قوته المطلقة.

منذ شباط/فبراير، أرسل قاديروف إلى أوكرانيا ثلاث كتائب قوام كل منها خمسمائة وستين مقاتلا وفوجا قوامه ألف وخمسمائة جندي، أي أنه أرسل رسميا 3180 جندي، وفي تموز/ يوليو، بلغت خسائرهم 150 قتيلا، وفقا لـ تشيركاسوف. هذه حصيلة يجب أن يتحمل مسؤوليتها الزعيم الشيشاني، الذي رفض أيضا حشد المزيد من القوات. 

وفي مشروعه “الكبريتي” هذا، كان ولا يزال قاديروف مدعوما بشخصية أخرى، يفغيني بريغوجين، التي بقيت لفترة طويلة في الظل والتي نسمع عنها كثيرا هذه الأيام.

بعد سنوات من الإنكار، اعترف الرجل الملقب بـ “طباخ بوتين” بسر مكشوف، وهو دوره على رأس مرتزقة شركة فاغنر. كما أيد بريغوجين انتقادات قاديروف للجيش الروسي، برسالة هزت مواقع التواصل الاجتماعي، جاء فيها “رمضان، أيها الفتى الوسيم، انطلق وتقدم”، مع إضافة توضيح “أنيق” لاحقا، إن تصريحات قاديروف وبريغوجين تهدف إلى رفع الروح الوطنية للمقاتلين الذين يمرون حاليا بأوقات عصيبة.

مثل قاديروف، لدى بريغوجين سبب للخوف من تحول الأحداث في أوكرانيا، ويذكر الخبراء بالتالي أن الشركات العسكرية الخاصة “Tché-Vé-K، باللغة الروسية” ليس لها وجود قانوني في روسيا، وبالتالي فإنه بضم مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون، يمكن نظريا إعلانها غير مرغوب فيها. كما أن  قاديروف وبريغوجين، لديهما أيضا عدو مشترك، وزير الدفاع سيرجي شويغو، الذي يعتبر أنه مسؤولا عن الانتكاسات الحالية، فالعداوات القديمة التي تفاقمت فيما يتعلق بالسيد بريغوجين، كانت ستحرم هذا الأخير من عقود مهمة مع وزارة الدفاع، بحسب موقع “ميدوزا” المستقل والذي يشير إلى مشادة كلامية عامة بلغة بذيئة” بين الأب الروحي لـ “فاغنر” وسيرجي شويغو. 

قد يهمك: نجاحات أوكرانية متجددة.. هل ينتهي الغزو الروسي قريباً؟

إذا تم إضعاف شويغو، يذهب البعض إلى حد تخيل استبداله بـ قاديروف، وهذه فرضية بالكاد تم اعتمادها في هذه المرحلة، والتي من شأنها أن تتعارض مع الاختيارات التي يتخذها دائما سيد غروزني، الذي يفضل أن يكون سيدا في الشيشان بدلا من أن يصبح كومبارس في موسكو. علاوة على ذلك، ليس لدى قاديروف سوى أصدقاء في العاصمة، حيث تحتفظ المؤسسات الأخرى بالاستياء الشديد من الانفصاليين الشيشان، الذين صدوا الجيش الروسي حتى فرض نفسه من خلال هدم غروزني في مطلع الألفية الجديدة. قاديروف بالكاد يمكن أن يكون لديه طموحات خارج الشيشان، فهو لا يشعر بالأمان بعيدا عن غروزني، يختتم تشركاسوف حديثه لصحيفة “لوفيغارو”. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.