“في كل فترة تصدر الحكومة قرارا بشأن المواصلات، وللأسف مع كل قرار جديد يرافقه ارتفاع في أسعار المواصلات، وكل طرف يلوم الآخر. فيقول سائقو السرافيس وسيارات الأجرة إنهم لا يحصلون على مخصصاتهم ولا تكفيهم لمدة يومين، والحكومة من جانبها تنفي ذلك وتقول إنها ملزمة بدفع جميع الحصص من البنزين، وتدعي أن السائقين يبيعون حصصهم، وبالطبع نحن ضحية هذه الاتهامات المتبادلة بينهم، وكل ذلك على حساب جيوبنا “، يشرح سامر الحسن، معاناته من فوضى تسعيرة المواصلات والقرارات الحكومية التي تساهم في تفاقم الوضع بدلا من حلحلته.

لا تزال أزمة المواصلات أحد أبرز الأزمات في سوريا، حيث فرض المكتب التنفيذي لقطاع النقل والاتصالات في دمشق، تركيب جهاز تحديد الموقع “جي بي إس”، لمراقبة وضبط حركة السرافيس وعدم خروجهم عن خط العمل، لكن خلال الأسبوع الماضي، اعترض عدد من أصحاب السرافيس على الأخطاء في تطبيق نظام الـ”جي بي إس”، وعدم حصولهم على مخصصاتهم من المازوت على الرغم من التزامهم. الأمر الذي أدى إلى خلق فوضى في تسعيرة المواصلات ونقص في عدد السرافيس على خطوط النقل.

قد يهمك: الإنترنت في سوريا.. “أسعار فضائية وغياب للتغطية”

الحكومة تتسبب في خلق الأزمات

بينما تجمع عدد من أصحاب السرافيس، خلال الأسبوع الماضي في مديرية هندسة المرور للاعتراض على الأخطاء في تطبيق نظام الـ”جي بي إس” وعدم حصولهم على مخصصاتهم من المازوت على الرغم من التزامهم، قالت محافظة دمشق، أن ما يدعونه غير مطابق للحقيقة وأن تقليل كميات المازوت يعود لعدم عملهم على مسار الخط كاملا، مع التأكيد على أن المنظومة تعمل بشكل دقيق ووفق الضوابط الموضوعة دون أي تدخل بشري فيها وفي حال توقف شبكة الإنترنيت عن الجهاز لسبب ما يتم تخزين المسافات المقطوعة بكرت الذاكرة بالجهاز واحتساب هذه المسافات بمجرد عودة الشبكة.

ردا على حديث السائقين بالتزامهم بخطوطهم وعدد السفرات وفق نظام “جي بي إس” وأنهم فوجئوا بعدم حصولهم على مخصصاتهم من المازوت على الرغم من التزامهم بحيث توقفت بطاقاتهم الذكية، أفاد عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق مازن دباس، أنه لا يوجد أي أخطاء في الجهاز على الإطلاق، وإن وجدت فهي حالة فردية، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس.

دباس، أضاف “من الصعب أن يفشل الجهاز في تطبيقه، وأن الانتقادات ظهرت من أصحاب سرافيس لا تتعدى نسبتهم الـ 10 بالمئة، من العدد الإجمالي من العاملين على خطوط دمشق، لذا لا تراجع عن تطبيق الجهاز الذي يعطي كل سائق حقه من المحروقات”.

سامر الحسن (24 عاما)، طالب جامعي في جامعة دمشق، يعاني دوما من أزمة المواصلات، وينتظر لساعات طويلة حتى يحصل على مقعد في السرافيس، ويضيف لموقع “الحل نت”: “منذ حوالي عامين، وأزمة المواصلات هي نفسها، بل وتزداد سوءا، وكل يوم أجد نفس المعاناة، أنتظر ساعتين في الصباح حتى أجد سرفيس يقلني من المزة 86 إلى جامعتي الكائن في منطقة البرامكة، وعند العودة نفس المعاناة، أحيانا أنتظر ثلاث ساعات ولا أجد سرفيس واحدة، لذلك علي أن أستقل تاكسي ركاب إن وجد أو أركب تاكسي، وهذا مكلف جدا في الحقيقة، ولا يمكنني دفع 10 آلاف ليرة سورية أجرة للمواصلات يوميا”.

أبو محمد (56 عاما)، أحد سائقي السرافيس، على خط (قدسيا-جسر الرئيس)، يقول إن جهاز الـ”جي بي إس”، فيه خلل، خاصة وأن خدمة الإنترنت أساسا ضعيفة في سوريا، فكيف على الطرقات.

يضيف: “الجهاز لم يقدم بشيء إيجابي علينا، إلا أنه خفض من مخصصاتنا من البنزين، وأحيانا لا نحصل على مخصصاتنا لعدم توفره في العديد من محطات الوقود، لذا أضطر إلى الشراء من السوق السوداء، وأعمل إما على سفرات خاصة، أو ارفع التسعيرة في المساء، وهذا من حق كل سائق”.

السائق، أبو محمد، يردف لـ”الحل نت”، “يعني ما منطقي يشتغل السائق بخسارة، والمخصصات ما بتكفي ليومين، كيف الواحد بده يدبر حاله، ونحن بدنا نشتغل لأنه عنا عيلة وولاد ومصاريف، يعني معظم وسائل النقل اليوم بسوريا بيشترو من السوق السودا، وهالشي بتعرفه الحكومة ولكن بتغض النظر، وطبيعي نرفع السعر وإلا كيف بدنا نعيش حالنا بهالوضع”.

بحسب العديد من آراء السائقين، فإنهم يعبّرون عن استيائهم من الإجراءات الحكومية، مؤكدين أن مخصصاتهم أساسا غير كافية لمدة يومين، في حين يضطرون في باقي الأيام إلى شراء البنزين من السوق السوداء، وهذا ما يخلق فوضى في تسعيرة السرافيس والنقل عموما.

قد يهمك: “تبييض الأواني ورتي السجاد“.. بزنس قديم أحيته الأزمة الاقتصادية في سوريا

رفعة تسعيرة المواصلات؟

في سياق متّصل، طالب محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي، المديرين المعنيين بالعمل على إعادة وسائط النقل للعمل يومي الجمعة والسبت في أقرب وقتٍ ممكن، وتزويد الآليات التي تعمل ضمن المدينة حصرا كمرحلة أولى بكمية المحروقات حسب المسافة التي تقطعها ضمن المسار المحدد لها على خط عملها.

دمشق

بحسب تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية، دعا كريشاتي إلى تشكيل لجنة بالتنسيق بين المحافظة ووزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والنفط والثروة المعدنية، لدراسة تعديل التعرفة التي يطالب بها أصحاب وسائل النقل نظرا لارتفاع أسعار قطع الغيار وتكاليف الإصلاح على أن تكون منّصفة لأصحاب هذه الوسائل والمواطنين ومعالجة الشكاوى الواردة بالسرعة القصوى في حال التأكد من أنها محقة.

من جانبه، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في دمشق مازن دباس، قال للصحيفة المحلية، “من المقرر عودة توزيع مادة المازوت يومي الجمعة والسبت، وبالتالي عودة عمل السرافيس بالشكل المطلوب بعد توقف دام شهرين، على أن يتم العمل بالآلية نفسها، المحددة لتزود السرافيس التي تلتزم بتخديم الخطوط بالشكل المطلوب”.

هذا وزعم عضو المكتب التنفيذي في تصريح صحفي سابق، أن تركيب أجهزة التتبع الـ”جي بي إس” من شأنه توفير كميات كبيرة من المازوت تصل إلى نحو 40 بالمئة، واعدا بانتهاء أزمة النقل في العاصمة دمشق. لكن حتى اليوم الأزمة هي نفسها ولا يوجد أي تغير إيجابي ملموس على أرض الواقع.

بالعودة إلى الطالب الجامعي، سامر، فقد نوّه إلى أنه مع ارتفاع تسعيرة السرافيس، فإن الوضع سيزداد سوءا، من فوضى أخرى في عمل السرافيس والأجور أيضا، فضلا عن تأثير هكذا قرارات على عمل وتسعيرة سيارات الأجرة الخاصة “التكاسي”.

سامر، أضاف في حديثه: ” يعني كلنا يلي ضلينا بالبلد عم ندفع التمن من جيوبنا ومن راحتنا النفسية، كل يوم قرار جديد من الحكومة، شي رفع سعر المواصلات والمواد الغذائية، يعين كأنه الحكومة بتعوض الخسائر من جيوب المواطنين، راتب الموظف الحكومي ماعاد يشتري 50 ليتر بنزين، الوضع عم يزداد للأسوأ، أنا وكتير من زملائي بالجامعة، ما مصدقين امتى نتخرج لحتى نسافر من هالبلد”.

قد يهمك: المواطن السوري بين سندان غلاء الأسعار ومطرقة الإيجارات العقارية

ارتفاع الأسعار بـ”دبل ونصف”

قبل نحو شهرين، رفعت الحكومة السورية سعر البنزين المدعوم بنسبة 130 بالمئة، وهذا ما خلق تخبطا وفوضى واضحة على تسعيرة التكاسي، إذ قال سائقو سيارات الأجرة في العاصمة دمشق، إن ارتفاع سعر البنزين المدعوم، مؤخرا قد بلغ “دبل ونصف” عن سعره السابق البالغ 1100 ليرة سورية، موضحين أن وصول سعر البنزين المدعوم إلى 2500 ليرة يعني زيادة في تسعيرته في السوق السوداء أيضا فحاليا يباع اللتر بسعر 7000 ليرة سورية، وهذا يعني أن سعره سيرتفع إلى 8500 ليرة وقد يصل إلى 10 آلاف ليرة، بحسب ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، آنذاك.

وإزاء هذا الارتفاع، فقد أصبح الشد والجذب بين السائقين والركاب واضحا في بازار للوصول إلى اتفاق على أجرة الانتقال من مكان إلى آخر، وأصبح الانتقال مثلا من ساحة الأمويين إلى مشفى الهلال الأحمر يصل لعشرة آلاف ليرة، ومن المرجة إلى ساحة السبع بحرات 5 آلاف ليرة ومنها إلى باب توما 12 ألفا وإلى جرمانا 20 ألفا، في حين طلب سائقو أجرة من أحد الركاب للوصول من العاصمة إلى صحنايا 50 ألفا وإلى جديدة عرطوز 40 ألفا، ومن كراجات العدوي إلى ساحة المرجة بـ 20 ألف وأحيانا 25 ألف.

وبالتوازي، رفعت سيارات التاكسي أسعارها لتبلغ 4 آلاف ليرة، للراكب من جرمانا إلى البرامكة وبعضهم يطلب 5 آلاف على حين يطالب بعض السائقين بسبعة آلاف ليرة إلى قدسيا، ويكتفي البعض بستة آلاف للراكب، وفق تقرير الصحيفة المحلية، مؤخرا.

قد يهمك: “غياب الخطط التسويقية”.. خسائر تضاعف أعباء المزارع السوري

إجراءات حكومية “خاطئة”

في وقت سابق، قال عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في ريف دمشق عامر خلف، إن محافظ ريف دمشق، عقد اجتماعا لدراسة واقع النقل في محافظة ريف دمشق بحضور مدير عام المحروقات أحمد الشماط، ومندوبين عن شركة “جي بي إس” وذلك لدراسة تطبيق نظام “جي بي إس” على جميع خطوط النقل في المحافظة، وضبط آلية عمل هذه الخطوط ومنع تسربها وتصرفها بمادة المحروقات.

خلف أشار إلى أن المحافظة طلبت من كافة اللجان الفرعية للنقل تزويدها بالمعلومات الكاملة لواقع خطوط النقل وعدد السرافيس العاملة، ليصار إلى معرفة الواقع الفعلي للقطاع الذي يحتوي على أكثر من 8 آلاف وسيلة نقل مسجلة في المحافظة.

خلف أردف في حديثه السابق، أن عدد السرافيس التي تم توطين مخصصاتها حتى الآن يناهز الـ 500 سرفيس إضافة إلى 3 آلاف يتم تزويدها بالمخصصات عن طريق مراكز في محافظة دمشق.

وبحسب خلف، فإن عملية تركيب تقنية “جي بي إس” ستكون إلزامية لكل السرافيس في البداية وأن السرفيس الذي لن يركب الجهاز لن يحصل على مخصصاته.

قد يهمك: “المواطن ما حدا مراعيه“.. أسعار جديدة تناسب الكلفة التشغيلية في سوريا

“مو عاجبك لا تطلع”

بعد أن استفاق السوريون على قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، برفع سعر البنزين بنحو 130 بالمئة، اصطدم الشارع السوري بقرار ذاتي من مالكي التكاسي، حيث بادروا برفع أجرة النقل الخاصة لتصل إلى أسعار خيالية.

أحد سكان محافظة حماة، قال إن سائقي التاكسي بدأوا بالتسعير على ليلاهم دون رقيب أو حسيب، حيث كانت أجرة السيارة من ساحة العاصي إلى منطقة الكراج قبل رفع سعر البنزين 4000 ليرة، بينما اليوم ارتفعت الأجرة إلى 6000 ليرة، علما أن المسافة تقدر بـ 3 كم، وعند السؤال عن هذا الارتفاع يقول أصحاب التكاسي: “هاد الموجود مو عاجبك لا تطلع”، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا.

كما وارتفعت أجور النقل بين الريف والمدينة بشكل جنوني وبحسب أحد سائقي التاكسي، فأصبحت الأجرة من مدينة سلمية إلى مدينة حماة (تُقدّر المسافة بين المدينتين بـ 32 كم). بـ 75 ألف ليرة سورية، علما أنها كانت قبل رفع سعر البنزين 50 ألف ليرة سورية.

بعض الناشطين داخل سوريا، بدأوا بتداول هاشتاغ “يلا_عالبسكليت” في إشارة منهم إلى أن الدراجة الهوائية باتت الوسيلة الأفضل، والأوفر في ظل هذه الظروف الراهنة، ليضيف آخر: “يا خوفي يصير في رسوم حتى عالبسكليت !”.

شكاوى عديدة نقلتها مواقع محلية من الموظفين والعمال، الذين تفاجأوا بقرار رفع سعر البنزين المدعوم، بما أسموه “عدم رحمة السائقين”، إذ قال البعض منهم؛ بأن أرخص تسعيرة لم تقل عن 10 آلاف ليرة سورية، في حين أوضح آخرون، أن تسعيرة طلب على سبيل المثال من المزة في دمشق إلى باب توما بلغت 20 ألفا.

من جهتهم، عبّر عدد من سائقي سيارات الأجرة في دمشق، عن إحباطهم إزاء صعوبة الحصول على حصص البنزين لسياراتهم في ظل تضاعف أسعار السوق السوداء، معتبرين أن لهم الحق في رفع أسعار الطلبات الداخلية.

هذا وتابع “الحل نت” ردود أفعال السوريين بعد رفع أسعار البنزين بنحو 130 بالمئة دفعة واحدة، حيث كتبت صفاء أحمد، على صفحتها في منصة “فيسبوك”، “تشجيعا من الحكومة لحملة “يلا عالبسكليت” وحفاظا على الطبيعة من التلوث بعوادم السيارات قامت برفع سعر البنزين”.

كما وعلّق أحدهم بقوله” تمام التمام صار الراتب بعبي السيارة مرة وحدي ما في داعي للأكل والشرب والبعزقا، ولا عاد بدنا نمرض ونروح لعند دكتور”، وأضاف متابع آخر:” كل دول العالم يمكن أن ترتفع أسعار بعض المواد بنسب مئوية مقبولة، أما على دور هالوزارة النسب بتكون 100 بالمئة وأكثر.. اللي استحوا ماتوا”.

على الرغم من إطلاق حكومة دمشق، العديد من الوعود لإنهاء أزمة المواد النفطية المستمرة منذ أشهر، وذلك من خلال التأكيد على وصول ناقلتي نفط إلى الموانئ السورية من إيران، إلا أن ذلك لم ينعكس على الأزمة، حيث ما تزال مستمرة، فضلا عن الطوابير الطويلة على محطات الوقود في البلد، وبدلا من ذلك، شكّل وصول تلك البواخر الإيرانية، رافدا جديدا للسوق السوداء.

وساهمت أزمة المحروقات مؤخرا في شلل شبه كامل لوسائل المواصلات، في ظل عزوف معظم السائقين عن العمل، بدعوى عدم تلقيهم لمخصصاتهم من المحروقات، فضلا عن ارتفاع كافة أسعار السلع، والمواد الأساسية التي يعتمد إنتاجها بشكل أساسي على المحروقات والكهرباء.

يبدو أن أزمة المواصلات وغلاء تسعيرتها لن تنتهي في سوريا، طالما أن الخبراء يرون أن أزمة الوقود الأخيرة في سوريا مرتبطة بانخفاض الإمداد الروسي بالنفط لسوريا، بعد غزو موسكو لأوكرانيا، فيما ترى إيران أنها فرصة للضغط على دمشق عبر المشتقات النفطية، للحصول على مكاسب متعلقة بالقطاعات الاقتصادية.

قد يهمك: “الليرة السورية تهوي”.. المواطنون متخوفون من ارتفاع الأسعار

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.