“في كل موسم أجد صعوبة في تسويق منتجاتي الزراعية، نتيجة غياب الدعم الحكومي من جهة، وارتفاع أجور النقل خاصة بين المحافظات من جهة أخرى. وعلى إثر ضعف الخطط التسويقية الحكومية، نحن المزارعون معرضون لاستغلال واحتكار التجار في شراء بضائعنا بأسعار منخفضة ولا تتناسب مع كلفة الإنتاج، وهذا بالتأكيد يكبدنا لخسائر عدة”، يوضح المزارع هاني الأيوبي، حالته مع ضعف الخطط التسويقية الحكومية، وتعرضه ومعظم المزارعين لاستغلال التجار.

بالرغم من أن إنتاج بعض المحافظات السورية خلال هذا الموسم من الخضروات الصيفية “بندورة – كوسا – بطيخ – خيار.. إلخ” وصل إلى أكثر من 100 ألف طن، إلى جانب وفرة موسم الزيتون، إلا أن المزارعين لم يجدوا مَنفذ تسويقي لمنتوجاتهم، التي تذهب معظم عائداته إلى جيب التجار والسماسرة وبأسعار منخفضة لا تساوي تكاليف الإنتاج، بحسب ما أوردته تقارير صحفية محلية.

“لا تفاؤل”

رئيس لجنة التصدير في غرفة زراعة اللاذقية بسام علي، قال أثناء اجتماع ترأسه رئيس مجلس الوزراء في اللاذقية يوم الخميس الماضي، بحضور الوزراء المعنيين بإنتاج وتسويق موسمي الزيتون والحمضيات، أنه “ليس هناك من جديد يدعو للتفاؤل ما دام هناك تهميش للمصدّر، فالتركيز على الأسواق الداخلية خطأ كبير ترتكبه الحكومة لأن القوة الشرائية في الأسواق الداخلية ضعيفة جدا، والمواطن لا يستطيع تأمين ثمن رغيف الخبز وبعض حاجاته اليومية ليشتري حمضيات وفواكه وما شابه”.

علي، أضاف أنه ليس هناك سبيل غير التركيز على التصدير ودعم المصدّر لما له من أهمية في رفد الحكومة بالقطع الأجنبي، لكونه يتم إيداعه بمصرف سورية المركزي ويتم تسليم المصدر قيمته بالليرة السورية حسب قرار المصرف، وأشار في الوقت نفسه إلى أن دعم صالات “السورية للتجارة”، هو تجربة فاشلة وغير مجدية، معزيا ذلك بالقول: “لأنها عبارة عن ناقل وليس مسوّقا ونحن نعرف عن كثب تجربة القطاع العام ومسألة اللجان وما ينتج عنها”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء.

المزارع هاني الأيوبي، المنحدر من محافظة اللاذقية، في الساحل السوري، يضيف أثناء حديثه لـ”الحل نت”: “الحكومة لا تقوم بدعم المنتوجات الزراعية في الواقع، ومنها غياب الخطط التسويقية، فمثلا في كل موسم نقوم بشحن بضائعنا إلى سوق الهال، ونعرضها للبيع هناك، ولأن الخضروات والفواكه معرضين للتلف بسرعة في حال لم يكونوا محفوظين في البرادات، فإننا نخضع للأسعار التي يضعها التجار والسماسرة الكبار، وبالتالي نبيع بهامش ربح ضئيل جدا، وأحيانا نبيع بخسارة”.

الأيوبي، أشار إلى أن العديد من المزارعين يضعون منتجاتهم في بعض المؤسسات أو المستودعات الفارغة، مما يفرض عليهم أعباء مالية إضافية هم بغنى عنها، نظرا لأن أجور الشحن مكلفة جدا بين الريف والمدينة.

بالإضافة إلى ما ذُكر، فإن بعض التجار في أسواق اللاذقية غير قادرين على شراء جميع البضائع من المزارعين، نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، مما يدفع المزارعين إلى نقل خضرواتهم إلى أسواق العاصمة دمشق، مما يؤدي إلى الوقوع في فخ الاستغلال المادي، وتكاليف الشحن الإضافية وهذا حتما يزيد من سعر الخضار والفواكه.

بحسب تقارير محلية، فإن أجرة السيارة الناقلة للخضار تجاوز سقفها لـ 400 ألف ليرة سورية، كما ورفع أجور النقل من قبل السائقين نتيجة شراء أصحابها المازوت من السوق السوداء وبسعر 5000 ليرة لليتر الواحد، هذا فضلا عن الكمسيون الذي يتقاضاه سماسرة “سوق هال” مدينة دمشق والذي يصل إلى 7 بالمئة من قيمة كل حمولة.

في وقت سابق، قال مدير زراعة محافظة السويداء، أيهم حامد، إن إنتاج المحافظة من الخضروات الصيفية لهذا الموسم يُقدر بنحو 85 ألف طن، مشيرا إلى أن إنتاج الموسم الماضي بلغ نحو 95 ألف طن، حيث انخفض الإنتاج هذا الموسم بسبب تعرض المحاصيل الصيفية وخاصة المزروعة مبكرا لموجة الصقيع ما ألحق ضررا بالمزروعات.

حامد، أضاف أن الإنتاج يغطي احتياجات السوق المحلي من الخضار، وهناك العديد من المزارعين الذين يأخذون منتجاتهم إلى “سوق هال” في دمشق لتصريفه، وفق قوله. هذا ويُشار إلى أن المساحات المزروعة بالخضار الصيفية لهذا الموسم بلغت نحو 12 ألف دونم معظمها مروي.

قد يهمك: راتب الموظفين في سوريا ضائع في متاهة.. “إذا كفى لأسبوع بيكون منيح“!

ضعف الشراء

مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة نشوان بركات، أفاد للصحيفة المحلية، بأن نجاح العملية التسويقية مرتبط بمدى تنفيذ خطة الفريق الحكومة، وقال، “متفائلون بنجاح عملية تسويق الحمضيات في حال التطبيق الكامل للخطة المقترحة من الفريق الحكومي وخصوصا التدخل خلال فترة ذروة الإنتاج بالنسبة للتسويق الداخلي، وذلك باستجرار أكبر كمية ممكنة من الحمضيات عن طريق السورية للتجارة، وكذلك استجرار معامل العصائر أكبر كمية ممكنة من الإنتاج والتزام كل الجهات المعنية بالأدوار المنوطة بها”.

وبالنسبة للتسويق الخارجي تم التواصل مع الجهات المعنية التي تواصلت مع دول الجوار بخصوص مرور برادات الشحن، وتم منح وعود شفوية بالسماح بمرور البرادات إضافة إلى منح تسهيلات وتخفيضات جمركية ولكن لم يتم تنفيذها حتى تاريخه، على حدّ زعمه.

في سياق آخر، أبو أحمد، من سكان مدينة اللاذقية، يقول إن أسعار الخضار والفواكه هذا العام كان مرتفعا جدا مقارنة بالأعوام السابقة، ويضيف لـ”الحل نت”، “في الساحل السوري، المنطقة الغنية والخصبة بزراعة الفواكه والخضار، لا يجب أن تكون الأسعار مرتفعة بهذا الحجم، وخاصة أن معظم البضاعة إنتاج محلي”.

أبو أحمد يشير إلى أنه نظرا لارتفاع الأسعار لأرقام خيالية، ونتيجة لتجاوزه قدرة معظم السوريين، فإن الطلب على الشراء ضعيف، وأضاف ذلك بقوله، “هذا العام نادرا ما كنُّا نجد أشخاصا يشترن الخضار والفاكهة بالكيلوغرام على العكس صار الناس يشترون بالحبة، مثلا ثلاث حباب بطاطا وحبتين بندورة وموزتين.. الوضع المعيشي سيء جدا، إذا بقيت الرواتب كما هي والأسعار ترتفع باستمرار، فإن العديد من الناس سيُصيبهم الجفاف ونقص تغذية”.

قد يهمك: رفع الأسعار في سوريا.. “لا حسيب ولا رقيب”!

قرارات حكومية “خاطئة”

بما أنها تُباع لغالبية المحافظات السورية، تُعتبر البندورة إحدى المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية في سوريا، وتوفر الغذاء لكامل المناطق الداخلية السورية، فبعد السماح بتصديرها هذا العام، توقع المزارعون زيادة كبيرة في الأسعار، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل نتيجة مشاكل جديدة ظهرت في زراعة البيوت البلاستيكية.

محصول البندورة في محافظة طرطوس تعرض لضربة جديدة، بداية من عاصفة التنين والغمر والصقيع إلى انخفاض حاد في الأسعار، الذي لا يتناسب مع تكاليف الإنتاج، كلها كوارث حلّت على مزارعي البيوت المحمية في طرطوس، ما أدى إلى تراجع الاستثمار فيها.

في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، قال رئيس دائرة التخطيط بمديرة الزراعة بطرطوس، أسعد سليمان، إن عدد البيوت المحمية المستثمرة في المحافظة للموسم الزراعي 2021-2022 بلغ نحو 141735 بيت بلاستيكي، تنتج 410 آلاف طن.

إلا أن الاستثمار في الزراعة المحمية التي تشكل المصدر الوحيد لدخل آلاف الناس، تراجع مقارنة بالسنوات السابقة، خصوصا في طرطوس التي تُعد أعلى منطقة تحتضن الزراعة المحمية، ثم تليها منطقة بانياس وصافيتا وبقية المناطق بكميات أقل.

سليمان، بيّن في حديثه السابق، أن المنتجات الزراعية الأولية وخصوصا البندورة المحمية، تُزرع في 83988 بيتا، وتنتج 300 ألف طن، و50 ألف طن من الباذنجان، و30 ألف طن من الفليفلة، و20 ألف طن من الخيار، و 6 آلاف طن من الفراولة، بالإضافة إلى 4آلاف طن من الفاصوليا.

يهيمن اليأس والقلق من المجهول على الزراعة المحمية في طرطوس، فبحسب مزارعي المنطقة وفي ذروة موسم إنتاج البندورة، انخفضت الأسعار بشدة إلى مستويات قياسية، فالبندورة الحمراء باتت بـ 250-300 ليرة للكيلو، و400-500 ليرة لكيلو البندورة الخضراء، وهذا التسعير تسبب بخسائر فادحة لهم.

في ظل غياب الرقابة الحكومية، تسيطر الفوضى على أسواق بيع الخضار والفاكهة في سوريا، فالمواد تُباع في أسواق الجملة بدون فواتير نظامية، ما يفتح الباب لمزيد من فوضى الأسعار خلال عمليات البيع إلى المستهلكين. كما أن بعض الأصناف تصل فروقاتها السعرية بين السوق وخارجه إلى عشرة أضعاف، حيث يحصل التاجر على الصنف بمبلغ 500 ليرة، للكيلو ليتم بيعه بسعر خمسة آلاف في الأسواق.

قد يهمك: المزارع والمواطن في كفة واحدة أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج.. الأسعار في تزايد؟

أسباب تهالك القطاع الزراعي

بعد كل الانتكاسات والخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والتي أثرت بدورها على الثروة الحيوانية في سوريا، على مدى السنوات الماضية، يبدو أن تغير المناخ والجفاف ليس السبب الوحيد لذلك، بل تقصير وتهميش المعنيين من السلطات في حكومة دمشق، وقراراتها غير المدروسة في إدارة الأزمات، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأولية والأمور التشغيلية، كلها أسباب مضاعفة أدت إلى تهالك القطاع الزراعي الذي يشكل حوالي 30-25 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى كونه من أهم ركائز الأمن الغذائي في سوريا.

من حيث الأرقام، يوجد في سوريا مليون هكتار، من الأراضي الزراعية تعتمد على مياه الأمطار و690 ألف هكتار، مروية بمياه المشاريع الزراعية. لكن مع ذلك، لم يعُد سرّا أن هذا القطاع المهم يشهد تراجعا، بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

من جهته، قال رئيس نقابة الفلاحين في محافظة حماة حافظ سالم، في رده على سؤال، أن التغيرات المناخية وحدها تسببت في تراجع الإنتاج الزراعي السوري، فأجاب، “لا، أبدا ليست التغيرات المناخية وحدها سببا في ذلك، لكن المناخ قد يكون أحد الأسباب المتعددة وساهم في تراجع الإنتاج إلى حد ما، لكن الحصة الأكبر في هذا التراجع، هو ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج دون أخذ ذلك في الاعتبار عند دراسة تكاليف الإنتاج”.

سالم أردف في تصريحات صحفية سابقة، إن “الأسمدة والمحروقات لم تعُد متاحة كما في السنين الماضية، فضلا عن أجور النقل واليد العاملة وفلاحة الأرض، فبعض هذه الأمور لا تُدرس عند تقدير التكلفة وهذا خطأ، ولابد من هامش ربح محفّز ومغري للمزارعين كي يزيدوا الإنتاج، إذ لا يجوز أن يُترك الفلاح من دون دعم إذا ما أردنا لإنتاجنا الازدهار والنمو”.

ضمن سياق ضعف الإنتاجية في القطاع الزراعي في سوريا، قال الخبير التنموي والزراعي، أكرم عفيف، إن سوريا تعاني من أسوأ إدارة موارد في تاريخ البشرية، إذ لا يوجد بلد مكتفٍ من كل شيء مثل سوريا لكن دون جدوى.

عفيف، تساءل خلال برنامج “مين المسؤول”، عبر إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، مؤخرا، “كيف يجوع السوريون في أغنى بلد في العالم من حيث الموارد الزراعية”، مشيرا أن كل المواسم الزراعية خاسرة فأقل دونم يكلف 700 ألف ليرة سورية، وبالتالي الفلاح يحتاج إلى 28 مليون ليرة، والعملية الإنتاجية تُدار بشكل فاشل، فمثلا ليتر المازوت يُباع للجميع بـ2500 ليرة، إلا للفلاح الذي يشتريه بـ 8000 ليرة من السوق السوداء بسبب عدم وجود مخصصات للزراعة.

عفيف، نوّه إلى أنه لم يعد هناك أراض زراعية في منطقة الغاب، لأن تكاليف العملية الإنتاجية فاقت قدرة الفلاح، والمصارف الزراعية لا تموّل، بالتالي كيف سيتدبر الفلاح أموره، خاصة وأن طن السماد قبل رفع سعره كان بـ 75 ألفا وبالواقع كان يُباع بـ 200 ألف، وبعد الرفع الأخير وصل سعره إلى 300 ألف.

منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق. ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

الأسواق السورية، تشهد ارتفاعا كبيرا في أسعار الخضار والفاكهة والسلع الغذائية، وغيرها من المواد الأساسية المعيشية، ورغم انخفاضها الطفيف مؤخرا مقارنة بالفترة الماضية، إلا أن هذا الانخفاض الذي حصل لم يصل بعد إلى مستوياته المعهودة، والتي يجب أن تتناسب مع مستوى رواتب المواطنين بطبيعة الحال، وسط فشل حكومة دمشق في تحقيق وعودها بضبط الأسعار، وتخفيف الحمل على عاتق المواطنين.

قد يهمك: المواطن السوري بين سندان غلاء الأسعار ومطرقة الإيجارات العقارية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.