“الدولار ارتفع بنسبة خيالية، والأسعار أيضا في ارتفاع، يعني أحيانا في الصباح كنت أشتري فنجان قهوة على الطريق بألفي ليرة سورية، وقبل 3 أيام رفع سعره إلى ألفين وخمسمائة ليرة، واليوم بعدما تجاوز الدولار الواحد حاجز الـ 5 آلاف ليرة سورية، أصبحت القهوة بـ 3 آلاف. إذا سعر فنجان القهوة ارتفع بهذا الشكل الفوضوي، فماذا عن باقي الأشياء!، للأسف فقد ارتفع كلها من المواصلات وأجرة التاكسي إلى الخضار وغيرها من المواد الغذائية، وكأن راتب الموظف السوري بالدولار وليس بالليرة! “، يتساءل محمد العمري عن سبب ارتفاع الأسعار بالتزامن مع ارتفاع الدولار دون قيام الحكومة السورية بفعل أي شيء للحد من هذا الغلاء، وكيف يمكن للمواطن تدبير مصروف معيشته اليومية، طالما أن راتبه بالليرة السورية والذي يفقد قيمته كلما ارتفاع الدولار.

سجّلت الليرة السورية منذ يوم أمس الثلاثاء وحتى صباح اليوم الأربعاء، تدهورا قياسيا جديدا في السوق السوداء لتتخطى عتبة الـ 5 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد في بلد متهالك على جميع الأصعدة وغارق في نزاع دام منذ أكثر من 11 عاما، وفق تطبيقات إلكترونية غير رسمية تراقب حركة العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية.

تداعيات تدهور الليرة

سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، سجّل منذ مساء يوم أمس الثلاثاء، في أسواق دمشق وحلب (5080 للبيع – 5030 للشراء)، أما في أسواق إدلب، فسجل سعر الصرف الليرة السورية مقابل الدولار انخفاضا بمقدار 190 ليرة عن آخر إغلاق (أي بنسبة تقارب 3.67 في المئة) واستقر عند سعر شراء 5320، وسعر مبيع 5370 ليرة سورية للدولار الواحد، أما في مناطق شمال شرقي سوريا، فقد سجل (5400 للبيع – 5350 للشراء)، بحسب مواقع إلكترونية مختصة بأسعار العملات، ومصادر محلية من السوق السوداء.

في حين أن مصرف سوريا المركزي، قد حافظ في نشراته على سعر صرف ثابت بلغ 3015 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي، وهو السعر الذي حدّده، في 19 أيلول/سبتمبر الفائت.

محمد العمري (52 عاما)، يعمل موظفا حكوميا، ولا يتجاوز راتبه 150 ألف ليرة سورية، ويعمل في ساعات المساء في مكتبة لتعقيب المعاملات وما إلى ذلك، يضيف لـ”الحل نت”: “أعمل عملين، بالإضافة إلى أن زوجتي موظفة حكومية، وابني عمره 16 سنة، وهو أيضا يعمل في محل للألبسة، ومع ذلك بالكاد نستطيع إعالة أنفسنا، وسط هذا الغلاء الفاحش”.

العمري، يعاني كغيره من السوريين في الداخل، من تداعيات ارتفاع الدولار مقابل الليرة السورية، ذلك لأنه يؤثر على جميع مفاصل الحياة اليومية في سوريا، فعند تدهور الليرة أمام النقد الأجنبي، يرتفع تسعيرة كل شيء، بدءا من المياه المعدنية وليس انتهاء بالمواد الغذائية وغيرها من الأمور الضرورية لتمرير الحياة المعيشية.

قد يهمك: الألبان والأجبان في سوريا.. مواد غذائية سينساها السوريون؟

“نأكل وجبة واحدة يوميا”

بعدما رأت قيمة مدخولها ينخفض تدريجيا على وقع تدهور الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، بدأت السيدة أم شاكر، بتخفيض الاستهلاك اليومي للوجبات الغذائية اليومية.

أم شاكر (48 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، مقيمة في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة السورية، دمشق، تقول لموقع “الحل نت”، “كان راتبي العام الفائت يساوي ما يقارب الـ 45 دولارا، أما اليوم فبات يعادل نحو 25 دولارا تقريبا، وهو لا يكفي لإجار المنزل الذي يأوينا أنا وعائلتي”.

أم شاكر تضيف، “لقد أثّر انهيار الليرة السورية علينا بشكل كبير منذ العامين الفائتين، وجعلنا نلجأ إلى طرق لتمضية حياتنا اليومية، مثل تقليل الوجبات اليومية. على سبيل المثال، نحن نأكل وجبة واحدة في اليوم. ربما يجد العالم الخارجي هذا غريبا وغير منطقي، لكن للأسف هذا حالنا في سوريا، ومع تدني الرواتب والمداخيل، الذي لم يعد يكفينا لأيام معدودة. أنا وزوجي وابنتي الكبرى نكتفي بوجبة واحدة في اليوم، لكن أولادي الأخريين لايزالون أطفال، ولا يمكن أن يكتفوا بوجبة واحدة مثلنا “.

أحد الأسواق السورية “إنترنت”

رغم أن أم شاكر، تعمل في الخياطة إلى جانب وظيفتها الحكومية، وأيضا يعمل زوجها في أحد المطاعم الشعبية، إلا أنهم يقضون حياتهم اليومية بشق الأنفس، نظرا لغلاء المعيشة في سوريا بشكل مهول، من مستلزمات الحياة اليومية إلى تكاليف التعليم والمواصلات وغيرها من الأمور.

قد يهمك: راتب الموظفين في سوريا ضائع في متاهة.. “إذا كفى لأسبوع بيكون منيح“!

الليرة تسجل أدنى المستويات

في السياق ذاته، تشهد سوريا بعد سنوات من الحرب أزمة اقتصادية خانقة ترافقت مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية وعلى رأسها المحروقات. وتراوح سعر الصرف خلال الأسابيع الماضية بين 4300 و4700 ليرة للدولار، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي يعادل 3015 ليرة مقابل الدولار، وفق تقارير صحفية.

وتكون بذلك الليرة السورية سجلت أدنى مستوياتها في السوق السوداء منذ بداية النزاع في العام 2011. منذ بدء النزاع، تدهور سعر صرف الليرة السورية بنسبة قاربت الـ 99 في المئة في السوق السوداء. ورأى محللون أن تدهور قيمة الليرة لن يتوقف طالما “أن أسبابه مستمرة”.

الليرة السورية والدولار الأميركي

الخبير الاقتصادي عمار يوسف، تحدث لوكالة “فرانس برس”، عن أسباب عدة بينها “توجه الناس للادخار بالعملة الأجنبية”، فضلا عن “العقوبات الاقتصادية المفروضة على البنك المركزي والتي تعيق أيضا حركة التصدير إلى خارج البلاد”.

لكن البنك المركزي، يُلقي باللوم على أنشطة المضاربة التي تقوم بها مكاتب التحويل غير المسجلة وتجار السوق السوداء في خفض قيمة الليرة السورية خلال الأشهر القليلة الماضية.

قد يهمك: مصروف “الجيبة” بالآلاف.. هم جديد على السوري

رفع الأسعار بشكل فوضوي

حسب التقارير المحلية، أثبتت أحوال الأسواق أن كل القرارات والحلول التي قدمتها الحكومة لتجاوز أزمة الغلاء والسيطرة على الأسواق لم تجد نفعا، وكل ذلك مجرد قرارات وكلمات ووعود، هذا يعني أن هناك خللا واضحا جليا أصبح لا يمكن التغاضي عنه لأنه حالة يومية يعيشها المواطن السوري.

في وقت سابق من هذا الشهر، وتعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

قسومة قال، في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزه، في حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، أشار إلى أن مشكلة الغلاء مستمرة ولا يمكن أن تُحل مادامت انسيابية المواد بالأسواق منخفضة، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار متواتر لعدة أسباب أولها عدم استقرار سعر الصرف، وارتفاع أجور الشحن، وكذلك الرسوم الجمركية، وانقطاع البنزين لفترة والذي بدأت تظهر آثاره اليوم، كذلك موضوع حوامل الطاقة له تأثير على ارتفاع الأسعار كل ذلك تسبب في تناقص بعض المواد من الأسواق.

قد يهمك: رفع الأسعار في سوريا.. “لا حسيب ولا رقيب”!

المركزي يخدر المواطنين

في حديثه لإذاعة محلية، أكد الدكتور شفيق عربش، الأستاذ في كلية الاقتصاد والمدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء، الجمعة الفائت، أن نسبة الفقر في سوريا لا يمكن أن ترتفع أكثر من ذلك، لأن المجتمع مقسّم إلى نصفين.

وبيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد في وقت سابق، أن الطبقة الوسطى في المجتمع السوري اختفت، حيث أن الطبقة الأولى، التي تمثل 93 بالمئة، هم من غالبية السكان، ويعيشون ضمن الفقر المعتدل إلى الفقر المدقع. أما “حيتان” الأسواق والتجار، وهم الطبقة الثانية، والتي نشأت بعد عام 2011، وتُشكّل نحو 5 إلى 6 بالمئة من السكان.

وقال الدكتور عربش، “بالنظر إلى واقع الموظفين قبل سنوات نجد أننا فقدنا أكثر من 96 بالمئة، من القوة الشرائية، واليوم الناس هم من ينفقون على الحكومة، وأفضل خدمة تقدمها هي أن تستقيل”. كما أبدى ملاحظة مفادها، أن هناك شمّاعة تضع عليها أسباب جميع القرارات، وهي ارتفاع تكاليف النقل والشحن.

العملة السورية

من جهته، وبعد أن حدد مجلس الوزراء في الموازنة العامة للدولة لعام 2023 أسعار صرف الدولار الأميركي بـ 3000 ليرة سورية، واليورو بـ 3041 ليرة سورية، على أن يسري هذا القرار في الأول من كانون الثاني/يناير 2023، أصدر البنك المركزي السوري، الشهر الفائت، بيانا مقتضبا، حمّل فيه “المضاربين”، مسؤولية انهيار سعر الصرف، متوعدا بالتدخل، لكن حتى الآن لا توجد أي نتائج ملموسة إيجابية لهذا التدخل، بل ازداد الأمر سوءا، فقد تدهورت الليرة لأدنى المستويات.

قد يهمك: “تبييض الأواني ورتي السجاد“.. بزنس قديم أحيته الأزمة الاقتصادية في سوريا

تلاشي الطبقة الوسطى

لطالما كانت الطبقة الوسطى في المجتمع السوري هي الطبقة الأهم والأوسع، والتي كانت تسبب استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، وتعتبر الطبقة الوسطى عادة المحرك الأهم لعجلة أي اقتصاد، ولكنها بدأت بالتلاشي شيئا فشيئا خلال سنوات الماضية.

صحف محلية، نقلت في وقت سابق عن خبراء اقتصاديين قولهم، أن نسبة الطبقة الوسطى من المجتمع بلغت 1 بالمئة، بينما بلغت نسبة الثراء الفاحش نحو 3 بالمئة، وهم من فئة “الحيتان” أي تجار الحرب والذين استغلوا سنوات الحرب وصعدوا على أكتاف المواطنين وبتقاعس مع مسؤولي الحكومة السورية.

هذا بالإضافة إلى الطبقة الغنية إلى حد ما وهي نحو 10 بالمئة ومعظمهم من فئة الأطباء والمهندسين والتجار المخضرمين، بينما تُعتبر بقية النسبة وهي 85 بالمئة، من الفقراء وهم من فئة الموظفين الحكوميين والذين يعملون في أعمال عادية.

الخبراء، أوضحوا أن أسباب تلاشي الطبقة الوسطى بدأت بالحرب التي تلاها الحصار والحرب الاقتصادية، إضافة إلى غياب أية إجراءات حكومية لمواجهة انهيارات القدرة الشرائية لليرة السورية، وتغول التجار، والفساد المستشري، كل ما سبق أدى لتراجع الطبقة الوسطى وتحوّلها إلى طبقة فقيرة.

كما وأن كل القرارات الحكومية من رفع الدعم، وعدم استقرار الأسعار وندرة المواد وخاصة المحروقات ومادة الخبز، تؤدي لتوسع الشرائح الفقيرة.

وأشاروا إلى حدوث ما يشبه سكتة اقتصادية نتيجة كسر سلاسل المستهلكين، فلم تعد هناك قدرة لاستهلاك المواد المنتجة، ما أدخل البلد في مرحلة تضخم وكساد، ومع كل الآثار التي يلمسها المواطن اليوم لهذه المتغيرات، إلا أن النتائج ستكون أخطر مستقبلا، وقد تكون التبعات الاقتصادية أخطر من قبل إذا استمر التعامل مع المتغيرات على ما هو عليه، وفق ما نقلته صحف محلية في وقت سابق.

ونتيجة للغلاء المعيشي والذي تتسع فجوته يوما بعد يوم، واستمرار فقدان الأجور والرواتب، جزء كبير من قيمتها المستحقة بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية، ازداد الإقبال من قِبل المواطنين على إصلاح وترميم الملابس القديمة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس.

قد يهمك: “غياب الخطط التسويقية”.. خسائر تضاعف أعباء المزارع السوري

ما القادم؟

بحسب النشرة الرسمية، الصادرة عن “بنك سوريا المركزي”، فإنه اعتبارا من منتصف الشهر الفائت، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية من 2814 إلى 3015، هذه هي المرة الثانية التي يرفع فيها المركزي السوري سعر صرف الدولار لليرة السورية، ففي نيسان/أبريل الماضي كان قد رفع سعر صرف الدولار لليرة السورية من 2512 إلى 2814، في حين أصبح سعر شراء الدولار للحوالات القادمة من الخارج 2800 ليرة، للدولار الواحد حينها.

قبل ذلك كان قد رفع سعر الصرف من 700 إلى 1256 مقابل الدولار الأميركي، منتصف حزيران/يونيو 2020، حيث ثبتت عند هذا الحاجز في نشرات المصرف حتى نيسان/أبريل 2021، حين أعلن عن رفعها إلى 2512.

الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، تحدث في وقت سابق لـ”الحل نت”، بأنه لا تزال أسعار العملات المنشورة لدى البنك المركزي وأسعار صرف السوق السوداء تتباين بشكل كبير، ونظرا لتراجع الإيرادات وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، فإن خفض قيمة العملة السورية دليل ملموس على انهيار الاقتصاد.

بحسب الحمصي، فإن أسعار صرف العملات خارج الإطار الرسمي، تزيد بفارق كبير، ولذلك يرفض الكثير من السوريين الذين يعيشون في الخارج إرسال أموالهم عن طريق البنك المركزي، لأنهم يعتقدون أنهم سيفقدون نصف قيمة التحويل، مما يجبرهم على اللجوء إلى السوق السرية.

تبعا لتحليل الحمصي، فإن أسعار المواد الأولية والاستهلاكية ستشهد ارتفاعا حادا، خصوصا أن إقرار المركزي بضعف العملة الرسمية، سيؤدي إلى خفض سعرها أيضا في السوق السوداء التي يعتمد عليها 70 بالمئة، من السوريين سواء التجار أو المواطنين.

الأسواق السورية “إنترنت”

هذا ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق تقارير لـ”الأمم المتحدة”، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير. كما ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي، في وقت تسجل البلاد ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وشحا في المحروقات ما انعكس انقطاعا للتيار الكهربائي لنحو عشرين ساعة في اليوم.

محمد العمري وأم شاكر، متخوفون كغيرهم من السوريين من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، بعد تدهور الليرة السورية أمام الدولار، وتجاوز عتبة الـ 5000 آلاف ليرة سورية، نسبة كبيرة من السوريين، اليوم يكافحون يوميا في أعمالهم للحصول على قوت يومهم، رغم أنهم باتوا يقنّنون من مضايفهم اليومية واللجوء إلى طرق لتفادي المصاريف قدر المستطاع.

قد يهمك: “المواطن ما حدا مراعيه“.. أسعار جديدة تناسب الكلفة التشغيلية في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.