“الخرجية رايحة للباص أو لحبة البسكوت بأحسن الأحوال”، كحال العديد من الأمهات، تشعر أميمة الهنداوي، أن المصروف المدرسي بات حملا ثقيلا عليها، خصوصا وأن لديها ثلاثة أبناء على مقاعد الدراسة، ولكل منهم العديد من المتطلبات.

يُعد مصروف الأبناء في سوريا من بين الموضوعات الأكثر أهمية والأعلى حساسية في الأُسر؛ لأنه يحتاج إلى طرق اجتماعية ونفسية مقرونة بالحكمة والنظرة البعيدة في التعامل مع الأبناء، وتزداد حساسية الموضوع عندما يرى الأب أن عدم منح الأبناء مصروفا لن يحفزهم على المذاكرة والاجتهاد في مدارسهم، ويمنعهم ذلك من التعرض لمواقف محرجة أمام زملائهم، على الرغم من أنّهم يوقنون أن المصروف بالآلاف لا يجدي نفعا بسبب انهيار العملة المحلية وتقلّب الأسعار اليومي.

وبما أن الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا مستمر، أي أنه بدون تدخل قوي للحكومة، ستستمر الفجوة بين الدخل ونفقات المعيشة في الاتساع. سياسة دمشق الحالية المتمثلة في تقديم زيادات صغيرة على الرواتب ومكافآت لمرة واحدة تفشل في تحسين الروح المعنوية للموظفين، ومن غير المرجّح أن يكون عمال القطاع العام راضين حتى يحصلوا على أجر مناسب للعيش. وخلاف ذلك، سيأتي وقت لا يكون فيه أمام طلاب المدارس خيار سوى أخذ مصروفهم لتغطية التنقل صباحا إلى المدرسة.

مصروف “الجيبة” للتنقلات

“الأطعمة والحلويات في المقصف المدرسي مرتفعة الثمن”، تقول الهنداوي، لـ”الحل نت”، إن المصروف المدرسي أصبح له ميزانية خاصة، فكل واحد من أبنائها يأخذ ما يقارب ألفي ليرة يوميا عند ذهابه إلى المدرسة، وهذا لا يكفي سوى تنقلاتهم، ويطالبون بأعلى من هذا المبلغ كباقي زملائهم.

وتضيف الهنداوي، “أشعر أحيانا بملامح الحزن ترتسم على وجوه أبنائي، بأنهم يفضلون المصروف المدرسي لخوض تجربة الشراء من كافتيريا المدرسة كأقرانهم”، إلا أنها في الوقت ذاته تفكر بكيفية تأمين مبلغ نصف مليون ليرة شهريا فقط إذا أرادت تغطية احتياجات أبنائها في المدرسة المتمثلة بسندويشة وعصير ومصروف مواصلات.

في هذا الصدد، لم ينكر المدير السابق لمكتب المركزي للإحصاء، شفيق عربش، أنه “لا يمكن تحديد دخل ثابت للفرد أو الأسرة لتأمين المصاريف الشهرية من غذاء ودواء ومسكن ومواصلات، لأن الأسعار بتزايد مستمر، فخلال اليومين الماضيين فقط ارتفعت بنسبة تتراوح ما بين 14-30 بالمئة”.

وأشار عربش، في تصريح لموقع “جريدتنا” المحلي، أمس الخميس، إلى أن “الأسـرة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج بالحد الأدنى إلى أكثر من 3 ملايين ليرة شهريا، لتأمين مصاريف الغذاء والدواء والمواصلات، وذلك باستثناء تكلفة إيجار المنزل”.

أما بالنسبة لإنفاق طالب الجامعة، بيّن المدير السابق لمكتب المركزي للإحصاء، أن الطالب الذي لا يقيم في مركز المدينة، يحتاج إلى أكثر من مليون ليرة، لتغطية مصاريف السكن والمأكل والمشرب والنقل، بينما الطالب الذي يقيم بالمناطق القريبة من مركز المدينة يحتاج بالحد الأدنى إلى 12 ألف ليرة يوميا.

وعن مصروف “الجيبة” لتلميذ المدرسة الحكومية، لفت عربش، إلى أنه قد يحتاج بالحد الأدنى إلى 3000 ليرة يوميا، أي حوالي 60-70 ألف ليرة شهريا، وذلك دون احتساب كلفة النقل، فيما هناك تلاميذ وهم قلة قليلة، تصل مصاريفهم الشهرية إلى حوالي 250 ألف ليرة، أي 10 آلاف ليرة يوميا.

مستوى الفقر يرتفع

المصروف اليومي هو ما ينتظره أطفال المدارس كل صباح لكي يشتروا ما يرغبون فيه من المقصف الذي يتزاحم عنده الطلاب عادة، ولكن مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا في السنوات الأخيرة تراجع إقبال الأطفال على الشراء نظرا لحرمانهم من المصروف بسبب الوضع المادي الصعب الذي يعاني منه الأهالي.

ديانا الحريري، الطالبة في المرحلة الرابعة الابتدائية، تقول لـ”الحل نت”، إنها يوميا تجتاز نحو كيلومتر واحد من منزل العائلة الواقع في حي السبيل في درعا، وصولا إلى مدرستها في حي الكاشف، بدون مصروف جيب، وبالتالي تفضل عدم مغادرة غرفة الصف في خلال الاستراحة حتى لا ترى زملاءها يشترون من المقصَف.

وتلفت الطفلة ديانا، خلال حديثها أنها ليست الوحيدة التي تنتظر داخل الصف، فصديقاتها علا ومها وهبة، لا يحصلن على مصروف الجيب، وينتظرن معها إلى حين عودتهن إلى منازلهن لتناول الطعام.

الخبير الاقتصادي، علي محمد، قال: عالميا الحد الأدنى للفقر 1.9 دولار يوميا، ما يعادل 9500 ليرة، أي 300 ألف ليرة شهريا، معتبرا على ما سبق، أن الأسـرة السورية المؤلفة من 5 أشخاص، تحتاج إلى 1.5 مليون، وفق الحد الأدنى للفقر، دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف المعيشية في سوريا.

كما اعتقد محمد، أن الأسرة المكونة من 5 أشخاص تحتاج وسطيا إلى 60-70 ألف ليرة يوميا، أي حوالي 1.8-2.1 مليون ليرة شهريا، لتتماشى مع الظروف المعيشية في البلاد، وهذا الرقم لا يتضمن إيجار المنزل، فالإيجارات في دمشق وضواحيها، تبدأ من 300 ألف وتصل إلى مليون ليرة، وذلك حسب موقع المنزل، وبالتالي الإيجارات تضاف إلى الدخل الشهري.

وعن تكلفة المواصلات شهريا، أكد الخبير الاقتصادي، أن الفرد يحتاج إلى 1200 ليرة يوميا، أي حوالي 40 ألف ليرة شهريا، في حال كانت وسيلة النقل “ميكروباص”.

فجوة الراتب والإنفاق

مع استمرار ارتفاع الأسعار للسلع والمواد الأساسية، ازدادت الفجوة بين أجور الموظفين، وحجم الإنفاق، الذي لا يساوي سوى 15 بالمئة، من راتب الموظف في أفضل الأحوال.

عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أكد الأربعاء الفائت، أن أجور العاملين في الجهات العامة باتت منفصلة عن الواقع، ومن غير المنطقي أن تعطي أجرا لموظف عن شهر كامل لا يكفيه لأكثر من يومين.

وأوضح تيناوي، في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن: “حاجة الأسرة السورية اليوم لا يقل عن 1,5 مليون ليرة شهرياً، وهو ما يعادل 10 أضعاف الأجور التي يحصل عليها معظم العاملين في الجهات العامة وللذين لا يزيد أجرهم الشهري على 150 ألف ليرة“.

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ3.5 ملايين ليرة.

وأشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

أخيرا، على الرغم من أن مقاييس التدهور الاقتصادي العميق في سوريا، أصبحت الآن مألوفة لأولئك الذين يتابعون الأزمة التي طال أمدها، إلا أن الجهات الفاعلة في مجال المساعدة وصُنّاع القرار السياسي يجب ألا تتهاون في مواجهة “الوضع الطبيعي الجديد” المقلق في سوريا. عدم وصول مصروف الجيبة للطلاب الذي يعد بالنسبة حق وخط أحمر لا يمكن التنازل عنه، سيؤدي إلى تفاقم خطر خروجهم من المدارس واتجاههم نحو عمالة الأطفال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.