سد “النهضة” الإثيوبي، من أكبر السدود المائية في العالم والذي أقيم على نهر النيل في إثيوبيا بلد المنبع، يشكل مصدرا مهما للتنمية في إثيوبيا بينما يشكل قلقا ويثير الكثير من المخاوف بالنسبة لمصر والسودان، لكن محادثات ثنائية إثيوبية سودانية ربما تؤدي إلى اتفاق ثنائي بين الطرفين دون أن تتم دعوة مصر إليها أو حتى أن يؤتى على ذكرها فيها، تنظر إليها مصر بعين الريبة.

مخاوف مصرية

زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى إثيوبيا ولقائه برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، السبت الفائت، وإعلانه إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الفنية لسد “النهضة”، مخاوف مصرية من توافق الجانبين بشأن ملف المياه دون مصر.

الاجتماع بين البرهان، وآبي أحمد، جرى خلال منتدى “تانا” العاشر حول السلم والأمن في إفريقيا، بمدينة بحردار الإثيوبية، في لقاء قال فيه البرهان، عن قضية سد “النهضة”، إنه “من الممكن التوصل لاتفاق بشأن القضايا الفنية للسد”.

الجفاف في مصر “وكالات”

البرهان رحّب بمقترح تقدم به آبي أحمدن بشأن قيام تكامل اقتصادي بين البلدين، معلنا أن “القضايا العالقة بينهما يمكن حلها عبر الحوار”، ومؤكدا “حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الجارة إثيوبيا”.

أما رئيس الوزراء الإثيوبي، فقد حاول التودد بشدة إلى الخرطوم وإقناع قادتها بفائدة السد الإثيوبي، وقال إن العلاقة مع السودان “ذات خصوصية”، مشيرا إلى أن “مشروع سد النهضة سيعود بفوائد كبيرة على السودان، ولن يكون خصما عليه”.

في الاجتماع الثنائي، لم يصدر عن الطرفين أية دعوة إلى مصر لاستعادة المفاوضات والتي توقّفت منذ عام، وسط تمسّك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا لاتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه النيل، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك، وتزعم أنه لا أضرار على دولتي المَصب من مشروعها.

مراقبون أشاروا أنه من مصلحة السودان التوافق مع جارتها الإثيوبية خاصة وسط مشكلات حدودية ومواجهات عسكرية تندلع من آن إلى آخر بين الطرفين، وهو الملف الذي أكد البرهان وآبي أحمد، فيه، “على ضرورة معالجة كافة المشكلات الحدودية بالطرق السلمية”.

إقرأ:دولة “النهر والبحر”.. هل سينفصل شمال السودان عن دارفور؟

اتفاق دون مصر وما خطر السودان؟

بحسب مراقبين، فإن آبي أحمد، قد ينجح في إقناع البرهان بعقد اتفاق خاص بينهما حول تقاسم مياه النيل وبشأن ملء وتشغيل وإدارة سد “النهضة” بعيدا عن مصر، فالسودان اقترض بالفعل 400 مليون دولار أميركي مؤخرا من البنك الدولي لإنشاء خط نقل كهرباء من سد “النهضة “إلى الخرطوم، ما يعني أن السودان قد وافق من الناحية الشرعية على سد “النهضة” بشكله الحالي من حيث البنيان والتشغيل.

المراقبون يشيرون إلى أن موقف رئيس السودان الحالي، لا يمكنه أبدا فتح جبهة جديدة مع إثيوبيا، ومن الأفضل له تخفيض النزاعات لأدنى حدّ ممكن، لافتينَ إلى أنه قد يكون تسكين السودان لقضية السد سيقابله تسكين إثيوبيا لملف الفشقة.

أما حول خسارة مصر من أي توافق سوداني إثيوبي منفرد، يرى خبراء، بأنه وإلى حين بدء إثيوبيا في بناء السدود الثلاثة أعلى سد “النهضة”، فإن السودان لن تعاني بتاتا من أي آثار مائية وحصتها من مياه النيل الأزرق ستصلها عن طريق استقطاع حصة مصر.

الخبراء أكدوا أن السودان لن تسمح بعبور أية مياه إلى مصر قبلما تحصل لذاتها على كل ما تريد، ولذلك فالسودان على المدى الطويل أخطر من إثيوبيا، وخاصة في تلك الظروف الحالية التي تؤكد فقدان الحكومة المركزية قبضتها على ولايات شرق النيل الأزرق.

 ولايات شرق النيل الأزرق، تعتبر ذات ميول إثيوبية بسبب وجود قبائل ذات علاقة تاريخية بإثيوبيا خاصة مقاطعة “التيغراي”؛ وعليه سيكون لتلك الولايات اليد العليا في خصم ما تريده من مياه لري الأراضي المستصلحة حديثا لصالح دول الخليج، بحيث تروي 3 مواسم سنويا بدلا من نظام الري الموسمي الحالي، وبالنتيجة فإن مصر هي الخاسر الأكبر لأن كل تلك الخصومات من المياه هي في الأساس خصومات من الحصة المصرية.

تشكيك مصري بحدوث اتفاق

مراقبون مصريون، يرون أنه لا يجب الحديث عن وجود اختلاف رؤى مصري سوداني حول ملف مياه النيل والتنسيق حوله، مؤكدين أنه على العكس من ذلك هناك توافق بين القاهرة والخرطوم، كما لفت المراقبون إلى أن زيارة البرهان لإثيوبيا ولقاء آبي أحمد، ليست الأولى، وكذلك قام نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو، بنفس الأمر، حتى أصبحت زيارات المسؤولين السودانيين لأديس أبابا دورية ولأسباب عدة بينها التنسيق بشأن الخلاف الحدودي، ومواجهة قبيلة “تيغراي”.

أيضا حول احتمالات وقوع اتفاق سوداني إثيوبي حول تقاسم مياه النيل وبشأن ملء وتشغيل وإدارة سد النهضة بعيدا عن مصر، يعتقد باحثون سودانيون أنه ليس هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق ثنائي عادل بين إثيوبيا والسودان بمعزل عن مصر، مشيرين إلى أن هذا الاعتقاد يأتي في ضوء تجربة التفاوض السابقة بين الأطراف الثلاثة على مدى السنوات الماضية، بجانب التباعد في وجهات النظر حول العديد من النقاط القانونية والفنية المتعلقة بالسد.

أما حول خسائر مصر والسودان من عدم التوافق بينهما وتعامل كل منهما منفردا مع إثيوبيا، أكد الباحثون أن عدم تطابق مواقف دولتي المَصب على الدوام يصب في صالح إثيوبيا، مبينين أن أديس أبابا تكمن مصالحها في فرض تصوراتها بشأن استخدام المياه ليس فقط في ملف سد “النهضة”، وإنما أيضا في خططها المستقبلية الأوسع في مشاريع استغلال المياه، وبالتالي توقيع اتفاق منفرد قد يكون خطوة في هذا الاتجاه.

من جهتهم، خبراء مصريون، أشاروا إلى أن المشكلة ليست في انفراد السودان باتفاق مع إثيوبيا أو خلاف بين مصر والسودان، بل إن “المشكلة تتلخص في أن مصر لا تعترض على بناء سد “النهضة”، ولكنها تعترض على ملئه كله دفعة واحدة، وبالتالي حرمان مصر من حصتها من مياه النيل طبقا للاتفاقيات المعقودة بين الدول العشرة المرتبطة بحوض النيل.

الخبراء لفتوا إلى أن إثيوبيا تريد ملء الخزان دفعة واحدة بهدف إعطاء إسرائيل ما تحتاجه من مياه، من خلال قناة أو من خلال مواسير، في مشروع كان معروضا على الرئيس أنور السادات خلال مباحثات اتفاق “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، ويهدف الاتفاق لمد ترعة لتوصيل مياه النيل لإسرائيل باسم “ترعة السلام”، ولكن السادات تراجع عنه، ولكن إسرائيل وراء إثيوبيا لضمان مياه نهر النيل، وقد منحت آبي أحمد جائزة “نوبل للسلام” من أجل هذا.

مصر تسعى لضمان حقوق كل الأطراف

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قال إن مصر “تبذل أقصى جهودها لتسوية قضية سد النهضة على النحو الذي يحقق مصالح جميع الأطراف، وتدعو المجتمع الدولي لتعظيم وتضافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العادل”.

السيسي، أضاف في كلمته المسجلة خلال افتتاح مؤتمر “أسبوع القاهرة للمياه” في نسخته الخامسة، تحت عنوان “المياه في قلب العمل المناخي”، أن “رؤية مصر الراسخة بشأن التعامل مع نهر النيل، هي العمل والتعاون المشترك، بغرض تكريس وتقاسم الازدهار بدلا من التنافس والتناحر الذي يؤدي إلى تقاسم الفقر وعدم الاستقرار”.

أيضا تابع السيسي، “قـدر مصر أن تقع في قلب تحديات ثلاثة متشابكة، الأمن المائي والغذائي وتغير المناخ؛ فمصر هي الدولة الأكثر جفافا في العالم، وتعتمد على نهر النيل بشكل شبه حصري لمواردها المائية المتجددة، والتي يذهب حوالي 80 بالمئة منها إلى قطاع الزراعة، مصدر الرزق لأكثر من 60 مليونا من البشر هم نصف سكان مصر”.

السيسي، لفت إلى أن موارد مصر المائية تعجز عن تلبية احتياجات سكانها، رغم سياسة ترشيد الاستهلاك من خلال إعادة الاستخدام المتكرر لمياه الري الزراعي.

مقاربة شاملة

السيسي أكد في كلمته على تبني مصر مقاربة شاملة، بغرض التعامل الناجح مع تحديات الأمن المائي والغذائي وما يرتبط بذلك من تحديات مناخية، باعتبار ذلك مسألة أمن قومي لمصر. فعلى الصعيد الوطني، انتهجت الدولة الاستراتيجية الوطنية لإدارة الموارد المائية التي تهدف لتوفير مياه الشرب وتحسين نوعيتها، وترشيد الموارد المائية وتنميتها بكافة الوسائل الممكنة. كما تبنت مصر سياسة للأمن الغذائي توازن بين الإنتاج المحلي والواردات الغذائية. وقد تمكنت مصر بفضل ذلك من الحفاظ على أمنها المائي والغذائي في ظل أزمات عالمية وإقليمية.

أيضا أشار إلى أنه على الصعيد الإقليمي، كـانـت مـصـر دومـا في تعاملهـا مـع نهر النيـل رائـدة للدفع بقواعد ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة بالأنهار المشتركة، وفي مقدمتها التعاون والتشاور بغرض تجنب التسبب في ضرر فـي إطار إدارة الموارد المائيـة العابرة للحدود.

كما أوضح أن رؤية مصر هي العمل مع كل الأطراف بغرض تكريس وتقاسم الازدهار بدلا من التنافس والتناحر الذي يؤدي إلى تقاسم الفقر وعدم الاستقرار. حيث تدرك خطورة هذه القضية لذلك تسعى لتسوية قضية سد “النهضة” على النحو الذي يحقق مصالح جميع الأطراف، وتدعو المجتمع الدولي لتعظيم وتضافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العادل.

الملء الثالث للسد

في نهاية آب/أغسطس الماضي، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أعلن اكتمال عملية الملء الثالث لسد “النهضة” بنجاح، في وقت أعلنت فيه أديس أبابا تشغيل توربين ثان لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 375 ميغاوات، ليرتفع بذلك مقدار توليد الطاقة إلى 750 ميغاوات.

آبي أحمد بيّن أن التعبئة تمت بطريقة سلسة دون أي ضرر في حصة مياه دول المصب، مضيفا آنذاك أنه تم احتجاز 22 مليار متر مكعب، وتشغيل توربين واحد في السد لتوليد الطاقة الكهربائية، دون إلحاق ضرر بدولتي المصب ولا بحصتيهما المائية.

أيضا أضاف أنه أثناء التعبئة لم تتوقف المياه ليوم واحد، وكانت تتدفق وتذهب لدول المصب، وأشار إلى أن، إثيوبيا حريصة على استثمار مواردها وتوفير الكهرباء لشعبها دون إلحاق الضرر بالآخرين، مؤكدا أن هدف بلاده هو العمل مع دول المصب لتحقيق التنمية المشتركة.

رفض لاتفاق مصر والسودان

وزارة الخارجية المصرية أعلنت سابقا، أن إثيوبيا أخطرتها ببدء الملء الثالث لسد “النهضة” في تموز/يوليو الماضي، وقالت إنها وجّهت إلى مجلس الأمن الدولي اعتراضا على خطط إثيوبيا للملء بشكل أحادي دون اتفاق مع مصر والسودان.

النيل الأزرق في السودان “وكالات”

مصر تتهم إثيوبيا بانتهاك الاتفاق الأولي الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، ويحظر على أي منها اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في استخدام مياه النهر، وفي هذا السياق، تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي على ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل، غير أن أديس أبابا ترفض ذلك وتؤكد أن السد الذي بدأت تشييده قبل نحو عقد، لا يستهدف الإضرار بأحد.

إثيوبيا كانت قد أطلقت المشروع الذي تقدر قيمته بنحو 4 مليارات دولار، في عام 2011 ويهدف إلى بناء أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، إلا أنه يثير توترات إقليمية، خصوصا مع مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير حوالي 90 بالمئة من حاجاتها من مياه الري والشرب.

سد “النهضة”، يقع على النيل الأزرق في منطقة “بني شنقول-قمز” على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا.

من جهة ثانية، في 28 شباط/ فبراير الماضي، أعلنت مصر أنها دخلت مرحلة الفقر المائي منذ سنوات مع تراجع نصيب الفرد من المياه إلى نحو 558 مترا مكعبا سنويا، أي ما يساوى نصف معدل الفقر البالغ 1000 متر مكعب.

أما إجمالي الاحتياجات المائية لمصر، فتبلغ نحو 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وفق تصريح وزير الموارد المائية في 28 آذار/ مارس 2021، فيما تبلغ حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب سنويا، وتبلغ حصة السودان من مياه النيل نحو 18.5 مليار متر مكعب سنويا.

قد يهمك:أسلحة حوثية إلى السودان.. إيران نحو النفوذ الأفريقي؟

من الجدير بالذكر، أنه منذ إطلاق المشروع عام 2011 أثار سد “النهضة” نزاعا مع السودان ومصر، اللذين يعتمدان على النيل في مواردهما المائية، ولا تزال الخلافات مستمرة حتى الآن في ظل التعنت الإثيوبي بعمليات تعبئة السد على دفعة واحدة، وهو ما يُحرّم السودان ومصر من قسم كبير من حصتهما من مياه النيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.