في أواخر سبتمبر/أيلول الفائت، وبسبب عدد من التّهم بما في ذلك تورطه في تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية، عُزل قائد فصيل “مغاوير الثورة” الذي يدعمه “التحالف الدولي ضد تنظيم داعش” في قاعدة “التنف” جنوب شرقي سوريا، العميد مهند الطلاع، وعُيّن العقيد محمد فريد القاسم بدلا منه.

على الرغم من الاعتراضات التي أعقبت هذا الاختيار داخل الجماعة نفسها وإلى حد محدود داخل مخيم “الركبان”، تظهر هذه التغييرات مدى تغلغل شبكات التهريب في جنوب سوريا، بما في ذلك داخل “مغاوير الثورة”، كما تبين أن العوامل الإقليمية مثل أمن الأردن، الذي كان حاسما في عزل العميد الطلاع، مرتبطة بما يحدث في المثلث الذي يتكون من الحدود السورية والأردنية والعراقية، حيث تقع قاعدة التنف وينتشر الفصيل هناك.

الرغبة في التغيير، تُثير العديد من التساؤلات، أبرزها ماذا بعد تعيين قائد جديد لفصيل “مغاوير الثورة”، خاصة بعد خروج القائد السابق للفصيل يتحدث فيه عن إشكاليات قائمة ويعود للتلميح حول الرفض لتعيين قائد جديد، وماذا ينتظر منطقة المثلث الحدودي، وهل سيفضي ذلك إلى تعاون بين الفصيل وبين قوات “سوريا الديموقراطية” (قسد) في الفترة المقبلة.

العقلية الإدارية أم مصالح شخصية؟

في وقت سابق من يوم الإثنين الفائت، طوقت قوات “التحالف الدولي” قاعدة “التنف” في منطقة منع الاشتباكات التي يبلغ طولها 55 كيلومترا وأمرت عبر مكبرات الصوت جميع المقاتلين باستثناء قواتهم في القاعدة بالمغادرة دون أسلحة وسط تحليق طائرات التحالف فوق المنطقة، يأتي ذلك وسط خلاف بين أعضاء الفصائل في المنطقة حول تكليف قاسم بمنصبه الجديد.

في قراءة لهذا التغيير، يرى الصحفي عقيل حسين، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الأمر قد تم ولن يتغير مهما قاد أو فعل القائد السابق لجيش “مغاوير الثورة” مهند الطلاع، مضيفا “فريد القاسم هو الآن القائد الرسمي للفصيل بقرار رسمي أيضا من قوات التحالف، والطلاع يحاول اللعب في الدقائق الأخيرة لعله يتمكن من فعل شيء”.

وبتقدير حسين، فإن الطلاع حاول توصيل فكرة أنه “صاحب” هذا الفصيل، وهو من يحدد مصيره، مبديا عدم قبوله بقيادة جديدة، وهذا بنظر حسين نتاج لـ “عقلية القيادة التي سيطرت على تفكير قادة فصائل المعارضة السورية، وهي عقلية سلبية”، وفق تعبيره.

أما حول مصير منطقة الـ”55″ والمثلث الحدودي شرقي سوريا التي يتواجد فيها “التحالف الدولي”، يعتقد حسين، أن ما جرى يقرأ ضمن إطار التغييرات الإدارية التي يجب بالنهاية التدخل لمعالجتها. وفي حين أن الطلاع حاول تحوير ما جرى على أنه “مؤامرة” عليه وعلى الفصيل وعلى توجهاته السياسية والوطنية، لكن من الواضح أن هناك مشاكل إدارية وصراعات قَبلية وعشائرية داخل الفصيل تخضع لسيطرة لجهة ما داخلية تريد أن تفرض نفسها وأن تحقق كل مصالحها على حساب الآخرين.

هذا الأمر وفقا لحسين، وجّه بمقاومة من قبل الآخرين داخل المخيم وداخل قاعدة “التنف” وداخل جيش “مغاوير الثورة”، وبالتالي تدخلت القيادة الأميركية للتغيير لعلها تصلح الأمور هناك. وهذا يقرأ على أن لا معطيات سياسية استدعت هذا التغيير.

قوى جديدة في الآفق؟

بحسب بيان لـ “التحالف الدولي”، فإن تغيير القيادة “حدث لضمان نجاح طويل المدى لـ “مغاوير الثورة”، و”تعزيز الشراكات الإقليمية والأمن في منطقة منع التصادم التي يبلغ طولها 55 كيلومترًا”، وقد يشير استبدال الطلاع بمحمد فريد القاسم، إلى محاولة التحالف تصحيح مسار الفصيل التابع له، إذا صحّت تُهم الفساد المنسوبة له.

يقول الصحفي عمر الحريري، لـ”الحل نت”، سابقا تحدث الطلاع، عن وجود محادثات جارية مع ممثلين عن “التحالف الدولي لمحاربة داعش” بقيادة الولايات المتحدة. وتتعلق المفاوضات بإنشاء “جيش وطني” جديد يكون “المغاوير” المكون الأساسي للقوات الجديدة. وسيتمركز هذا الجيش في قاعدة “الشدادي” العسكرية التي بنتها الولايات المتحدة جنوب محافظة الحسكة شرقي سوريا. وتتمثل مهمتها الأساسية في محاربة تنظيم “داعش”.

كان الطلاع بحسب الحريري، يروّج إلى أن هذا الجيش من المرجح أن يحل محل “قسد” المتمركزة في شمال وشرق سوريا، وهذا من شأنه أن يوسع أهداف هذا الجيش، لا سيما فيما يتعلق بجهود واشنطن لإعادة هيكلة علاقاتها مع مختلف الأطراف المعنية ونظرتها لطبيعة الأدوار التي يلعبها شركاؤها المحليون في مناطق نفوذ التحالف.

لكن طبقا لحديث الحريري، فإنه بعد حدوث الشرخ الذي برز بعد عزل الطلاع من المستبعد أن يحدث هذا الأمر ولو كان باندماج القوتين، لأنه لا يعيد بناء التوازنات في هذه المجالات في ظل وجود انقسام واضح داخل هذا المكون، الذي يعيش منذ سنوات داخل منطقة تتواجد فيها قوات “التحالف الدولي”.

وعليه يرى الحريري، أن التداعيات المحتملة لخريطة إعادة دمج القوتين التي من شأنها أن تربط التحرك الجديد للتشكيل الجديد لا يمكن أن تكون سهلة، لا سيما في المناطق التي سيتم سحب قوات “المغاوير” منها. والسبب أن هذا الانسحاب سيجعل الخطوط الخلفية للقاعدة عرضة لمحاولات قوى أخرى مثل الجيش السوري والميليشيات الإيرانية، لملء الفراغ بسرعة.

أبعاد خارجية

بعد أن قامت فصائل المعارضة في البادية السورية وأبرزها “قوات الشهيد أحمد عبدو” و”جيش أسود الشرقية” و”لواء شهداء القريتين” بحل نفسها بسبب فقدان الدعم العسكري، انضمت مجموعات صغيرة من هذه الفصائل إلى “مغاوير الثورة”. وقال المسؤول السابق في “أسود الشرقية”، إن هذه الجماعات التابعة للفصائل، على الرغم من صغر حجمها، أصبحت تيارات داخل الفصيل.

واليوم، تظهر هذه الانقسامات العميقة الجذور داخل الفصيل على السطح، حيث يتم رسم الخطوط بين من يؤيدون أو يدينون إقالة الطلاع وبين القائد الجديد. لكن الانقسامات أكثر وضوحا في مخيم “الركبان”، حيث تنقسم الهيئات المدنية والاجتماعية التي تدعي تمثيل سكانها.

وفقا لـ “مركز الإمارات للسياسات”، فقد حمل قرار عزل الطلاع أبعادا خارجية أكثر من كونه قرارا داخليا ضمن فصيل “مغاوير الثورة” أو حتى المنطقة 55، فهو مؤشر لاستجابة “التحالف الدولي” لمطالب الأردن المتكررة بضرورة عزل الطلاع. وجاء اختيار القاسم لقيادة الفصيل لعدة عوامل تتعلق في كونه شخصية توافقية داخل “المغاوير”، ويمتلك علاقات جيدة مع العشائر والفعاليات المدنية في مخيم “الركبان”، والأهم من ذلك امتلاكه علاقات جيدة بالأردن ومرونة أكبر من سلفه في التعامل في الأميركيين.

يُدرك القاسم العوامل التي أفضت إلى اختياره، وأنه يتوجب عليه تحسين علاقاته مع الجيران، وتحسين صورة مخيم الركبان، التي ساهم الطلاع بوصمها كـ”مركز لتجارة المخدرات في المنطقة”. ففي مقابلة صحفية مع القيادي الجديد، قال إن مهامه الرئيسة بعد تسلُّمه المنصب الجديد، هي “العمل على بناء علاقات جيدة مع دول الجوار من أجل الاستفادة من الخدمات الطبية والإغاثية والتعليمية من خلال تلك الدول، بالإضافة إلى الحفاظ على أن تكون المنطقة آمنة للسكان المحليين، وعدم استغلال المنطقة لتهديد دول الجوار”.

إن اختراق شبكات التهريب فصيل “مغاوير الثورة”، يعكس مدى توسع وتجذر شبكات التهريب المحلية في جنوب سوريا الممتدة من درعا إلى البادية مرورا بالسويداء، والتي يرتبط غالبيتها بإيران و”حزب الله” اللبناني؛ ويعني ذلك أن القاسم سيواجه تحديا كبيرا في الأشهر المقبلة في مقاومة هذه الشبكات.

الرغبة في التغيير وتحسين صورة الفصيل في مخيم “الركبان” وتحسين العلاقات مع عمّان، قد تكون رسائل إيجابية للأردنيين، من شأنها إعادة فتح أبواب التعاون بين الطرفين لمكافحة عمليات التهريب، وهو ما قد يدفع عمّان لتغيير سياستها تجاه المخيم، الذي سعت لسنوات إلى تفكيكه، من خلال السماح بإدخال المساعدات لـ “لركبان” عبر أراضيها، وكذلك إدخال الحالات الطبية الحرجة إلى أراضيها لتلقي العلاج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.