على الرغم من أن روسيا قد ضمت من جانب واحد ولا تسيطر بشكل كامل على أي من المناطق الأربع (دونيتسك ولوهانسك وخرسون وزابوروجيه)، إلا أنها فرضت الأحكام العرفية، أمس الأربعاء، هناك كما لو كانت أراض روسية. القانون الذي استند إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي يعود تاريخه إلى عام 2002، لم يُستخدم قط ولا يمكن تنفيذه إلا إذا واجهت روسيا عدوانا أو “تهديدا مباشرا بالعدوان”.

بوتين لم يوضح على الفور الخطوات التي سيتم اتخاذها بموجب الأحكام العرفية، لكنه قال، إن الإجراءات تهدف إلى زيادة استقرار الاقتصاد والصناعة والإنتاج، لدعم العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وهذا يطرح تساؤلات ملحّة حول ما إذا كانت الإجراءات الروسية الجديدة لها أثر أو قيمة، على أرض الواقع، وكيف سيكون رد كييف على موسكو، وهل ستغير الإجراءات الجديدة من خطط التحرك العسكري الأوكراني.

الحرب في أوكرانيا تدخل “مرحلة جديدة”

أربع مناطق في أوكرانيا ستخضع للأحكام العرفية الروسية اعتبارا من اليوم الخميس، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، عن ذلك. ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن هذه الخطوة ستمنح السلطات الروسية سلطة فرض إعادة التوطين والقدرة على فرض قيود مشددة على المناطق في أوكرانيا التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني الشهر الماضي.

يقول الخبير والمحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لـ”الحل نت”، إن النتائج المحتملة لمرسوم بوتين تكمن في ثلاثة نقاط، أولها أن الأحكام العرفية في روسيا تستلزم تلقائيا تعبئة عامة أو جزئية للقوات، ومع ذلك، فقد حدثت بالفعل تعبئة جزئية في روسيا وامتدت إلى المناطق المحتلة، لذلك ليس من الواضح ما إذا كان سيتم استدعاء المزيد من العناصر.

أما النقطة الثانية، فهي أن الأحكام العرفية الروسية تسمح لسلطاتها بكبح الحركة وفرض حظر تجول يحصر الأشخاص في منازلهم. وهذا سيقود نحو وضع نقاط التفتيش وتفتيش المركبات، بينما تتمتع السلطات بصلاحية احتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى 30 يوما.

كان المسؤولون الذين نصبهم الروس في خيرسون، قد أعلنوا بالفعل حظرا لمدة سبعة أيام على دخول المدنيين إلى المنطقة.

بالانتقال إلى النقطة الثالثة التي تفرضها الأحكام العرفية التي أقرها بوتين، يقول ماتوزوف، إن هذه الإجراءات قد تسمح أيضا بالنقل القسري للأشخاص إلى مناطق أخرى. إذ يسمح القانون الروسي بـ “إعادة التوطين” المؤقت للسكان في مناطق آمنة وإخلاء “الأشياء ذات الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

يجدر بالذكر أن فلاديمير سالدو، رئيس الإدارة التي أسستها روسيا، أعلن أمس الأربعاء، أنه سيتم إجلاء ما بين 50 و60 ألف شخص من جزء من منطقة خيرسون خلال الأيام الستة المقبلة مع اشتداد وتيرة الهجوم الأوكراني المضاد.

لماذا أعلن بوتين الأحكام العرفية في أوكرانيا؟

في أول رد على إعلان بوتين، وصف مستشار الرئيس الأوكراني، ميخالو بودولاك، بأنه “تشريع زائف لنهب ممتلكات الأوكرانيين”، وفقا لما نقله وكالة “رويترز”، كما نوه إلى أن “هذا لا يغير شيئا بالنسبة لأوكرانيا، نحن نواصل تحرير أراضينا وتفكيكها من أيدي الروس”.

حول رد فعل كييف على ضم المناطق الـ 4، أكد الدبلوماسي الأوكراني، إيفان سيهيدا، في تصريحات سابقة، “أن الإجراءات الجديدة، لا أثر أو قيمة لها على أرض الواقع، لكنها ستزيد فقط من الضغط على المواطنين الأوكرانيين في المناطق الـ 4”.

الدبلوماسي الأوكراني، أكد أن الإجراءات الجديدة، “لن يكون لها تأثير على الهجوم المضاد الأوكراني”، مضيفا “لدينا استراتيجية خاصة لا تتغير بحالة الطوارئ، وسيتم استكمالها لتحرير كامل الأراضي المحتلة وفقا لحدودنا المعترف بها دوليا”.

إعلان بوتين للأحكام العرفية، وفقا المحلل السياسي الروسي، هو تكتيك لكسب المزيد من السيطرة في المناطق “المطالب بها” في أوكرانيا. حيث أن القوات والأراضي هناك لا تخضع لسيطرة القوات الروسية بشكل كامل.

عمليا، ما سيتغير على أرض الواقع في المناطق العسكرية التي تخضع أصلا للاحتلال العسكري، أو التي هي في طور المنافسة في الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا، يبقى غير واضح. ويمكن أن يكون التغيير الرئيسي هو للتغطية على الأعمال العسكرية الروسية.

المحلل الروسي ماتوزوف، يعتقد بما أن موسكو لا تسيطر بشكل كامل على المناطق الأربع، لذلك من غير الواضح ما إذا كانت روسيا قادرة على تنفيذ هذه الأحكام بشكل فعال، أو كيف ستختلف عن الظروف القائمة في ظل الاحتلال العسكري.

إعلان بوتين أمس الأربعاء، جاء تحديا للمجتمع الدولي، خصوصا وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت الأربعاء الفائت، بأغلبية ساحقة لإدانة “محاولة الضم غير القانوني لروسيا” لأربع مناطق أوكرانية والمطالبة بعودتها الفوري، في إشارة إلى معارضة عالمية قوية للحرب التي استمرت سبعة أشهر ومحاولة موسكو الاستيلاء على جارتها.

بلغ عدد الأصوات في المنظمة العالمية التي تضم 193 عضوا، 143 مقابل خمسة وامتناع 35 عن التصويت. حيث كان هذا أقوى دعم من الجمعية العامة لأوكرانيا وضد روسيا من القرارات الأربعة التي وافقت عليها منذ غزو القوات الروسية أوكرانيا في 24 شباط/فبراير الفائت.

ما قصة أحكام “طوارئ روسيا”؟

لم تعلن موسكو الاحكام العرفية منذ أن فرضها “الاتحاد السوفيتي” الذي سبق روسيا الحديثة خلال الحرب العالمية الثانية. وقد يعني هذا الإجراء مستوى جديدا من السيطرة على الصناعات، وإعادة استخدامها لدعم الجيش.

سرعان ما أيد مجلس “الدوما” الروسي، قرار بوتين بفرض الأحكام العرفية في مناطق دونيتسك وخيرسون ولوهانسك وزابوروجيه التي تم ضمها. وأشار التشريع المعتمد إلى أن الإعلان قد يتضمن قيودا على السفر والتجمعات العامة وتشديد الرقابة وسلطة أوسع لوكالات إنفاذ القانون.

بوتين لم يقدم تفاصيل عن الصلاحيات الإضافية التي ستكون لرؤساء المناطق الروسية بموجب مرسومه. ومع ذلك، ينص الأمر على أن الإجراءات المنصوص عليها في الأحكام العرفية يمكن إدخالها في أي مكان في روسيا “عند الضرورة”.

ينص المرسوم على أنه بموجب الأحكام العرفية، سيكون للسلطات سلطة اتخاذ تدابير “لتلبية احتياجات القوات المسلحة الروسية”، وسيتم تنفيذ “الدفاع الإقليمي”. ووفقا لحاكم منطقة ميكولايف في جنوب أوكرانيا، فيتالي كيم، فإن مرسوم بوتين يهدف إلى تمكين روسيا من “تعبئة شعبنا الذي بقي” في الأراضي المحتلة.

يُعرّف إجبار المدنيين على الخدمة في القوات المسلحة لدولة احتلال على أنه انتهاك لاتفاقيات جنيف بشأن السلوك في الحرب.

على الرغم من الإعلان الرسمي، تخسر روسيا قوتها يوما بعد يوم أمام هجوم كييف المضاد. في خيرسون، إحدى المناطق الأربع المحتلة، وضعت موسكو خططا هذا الأسبوع لإجلاء المدنيين. فيما اعترف سيرجي سوروفكين، وهو جنرال في سلاح الجو الروسي تم تعيينه في 10 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لقيادة الغزو، بأن الوضع كان “صعبا للغاية، العدو لا يتخلى عن محاولاته لمهاجمة مواقع القوات الروسية”.

يمكن القول إن خيرسون، هي الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من بين المناطق الأربع لأنها تحتوي على كل من الطريق البري الوحيد إلى شبه جزيرة القرم المحتلة، التي استولت عليها روسيا في عام 2014، ومصب نهر دنيبر، ولذلك فإن إعلان بوتين للأحكام العرفية وحالة الطوارئ لن يغير من مجرى المعركة بالنسبة لأوكرانيا بل سيدفعها نحو تصعيد هجماتها هناك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.