في الوقت الذي ينشغل فيه المكلف بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، محمد شياع السوداني، والتي من المفترض التصويت عليها يوم غد السبت، فوّض تحالف “الإطار التنسيقي“، أمس الخميس، الرئيس السوداني الاختيار بين الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية من الكتل النيابية أو اقتراح مرشحين جدد، وذلك باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية.

جاء ذلك في بيان أصدره “الإطار” الذي تبنى ترشيح رئيس الوزراء المكلف عقِب اجتماع اعتيادي عُقد في منزل القيادي في التحالف فالح الفياض، لبحث تشكيل الحكومة والتغلب على العقبات أمام رئيس مجلس الوزراء المكلف.

البيان الذي تلقى موقع “الحل نت“، نسخة منه، أكد أن السوداني “مفوض بتدوير الوزارات بين المكونات أو داخل نفس المكون“، في إشارة إلى نظام توزيع الحقائب الوزارية وفق المحاصصة السياسية المعمول بها منذ عام 2003.

تفويض “الإطار” يأتي أيضا، ووفق المبدأ الذي اتُفق عليه بين القوى السياسية في تشكيل الحكومة، بعد صراع دام لأكثر من عام على انتهاء الانتخابات التشريعية، مع “التيار الصدري” الذي فاز أولا في الانتخابات وسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، قبل أن ينسحب من العملية السياسية بعد فشل مشروعه الذي وقف “الإطار” صاحب المقاعد النيابية الأقل، بوجهه، الذي أصرّ على حكومة توافقية يشترك الجميع فيها.

غير أن إتاحة حرية اختيار الكابينة الوزارية للمكلف بتشكل الحكومة من قِبل “الإطار” أثار تساؤلات عدة، بخاصة وأن تصريحات سابقة لقيادات من الصف الأول في “الإطار” طالما شددت خلال فترة التفاهمات على تشكيل الحكومة، على أن الحكومة المقبلة يجب أن يكون هناك جهة سياسية واضحة تسندها وتتبنى نجاحها أو فشلها، وهو ما أُشر في محاولات مسبقة للتنصل عن المسؤولية، في حين رأى البعض ما هو إلا مسعى لتوفير أجواء النجاح للحكومة المقبلة.

وفي هذا الشأن يقول الباحث في الشأن السياسي العراقي، عادل العنزي، في حديث خاص لموقع “الحل نت“، إن “القوى السياسية العراقية تتخذ من منصب رئاسة الوزراء وسيلة لاستمرارها في استدامة وجودها السياسي“، مبيّنا أن “إصرار القوى السياسية على التوافقية رغم تجربتها طيلة السنوات الماضية، ما هو إلا حفاظا على المكاسب الخاصة التي توفرها المحاصصة“.

اقرأ/ي أيضا: بعد حسم تكليفه برلمانيا.. هل ينجح السوداني بتشكيل حكومة عراقية بالمدة الدستورية؟

كبش فداء

العنزي يضيف، أنه بالتالي “نجد منصب رئاسة الوزراء هو أشبه بكبش الفداء الذي تحاول من خلاله القوى السياسية الحصول عن مكاسبها والتنصل عن مسؤوليتها عنه لذلك تتصارع القوى السياسية حول أن تكون لها حصة في المنصب، لكنها أول من تلوم الرئيس في حالة فشله، لذلك هي لا تريد أن تتورط في شخص الرئيس، خاصة وأن سطوتها على المناصب طيلة السنوات الماضية وفّرت لها شبكة زبائنية واسعة داخل المؤسسات الحكومية، هي من تدير المسؤوليات والوزير والرئيس ليس إلا مسميات“.

الباحث السياسي زاد بالقول، إن ذلك “ينطبق على القوى السياسية بمختلف مسمياتها، كذلك على كل المناصب الحكومية وليس فقط على مستوى رئاسة الوزراء، باستثناء المناصب التشريفية مثل منصب رئيس الجمهورية الذي لا يمتلك صلاحيات واسعة“.

بموجب القانون، فأنه يجب على المكلف بتشكيل حكومة جديدة، أن يختار كابينته الوزارية وينال ثقة البرلمان خلال 30 يوما من تاريخ تكليفه، وإن لم ينجح بذلك، يتم استبداله بتكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة.

ومنذ استقالة “الكتلة الصدرية” من مجلس النواب، باتت قوى “الإطار التنسيقي” تمثل الكتلة النيابية الأكثر عددا، وهي التي تقدم وفق الدستور العراقي مرشحها لرئاسة الوزراء إلى رئيس الجمهورية المنتخب، والذي بدوره يكلف المرشح بتقديم برنامجه الحكومي وأسماء أعضاء حكومته إلى مجلس النواب خلال 30 يوما للحصول على ثقة المجلس.

والخميس الماضي، وبعد أداء الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد اليمين الدستورية، جرى تكليف مرشح تحالف “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة في البلاد بنسختها التاسعة.

تكليف السوداني جاء بعد صراع محتد بين تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، و“التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، وسط تطلعات العراقيين إلى مرحلة جديدة يمكنها تجاوز التحديات والملفات، التي بقيت عالقة على إثر التدافع ما بين القوى السياسية، وغضب المواطنين من تردي الأوضاع.

اقرأ/ي أيضا: ما هي أبرز التحديات التي تنتظر الحكومة العراقية الجديدة؟

سياق الأزمة التي أنتجت عن تكليف السوداني

تأتي هذه التطورات بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

فشل المشروع الصدري

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

 “إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

اقرأ/ي أيضا: رئيس جديد للعراق.. ما شكل المرحلة المقبلة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.