في تركيا حيث ينهمك غالبية اللاجئين السورين في رحلة غير محببة من أجل تحديث بياناتهم وقوننة أوراقهم بشكل شبه يومي، يجد ما يقارب 400 ألف طفل سوري أنفسهم خارج العملية التعليمية، وهذا الرقم من أصل أزيد من مليون طفل سوري، يُفترض أن يلتحقوا بالمدارس التركية.

على أن عدد الأطفال المتسرّبين من المدارس التركية “مهوّل” بحث “الحل نت” في هذه السطور، خلف الأسباب التي أقصتهم عن التعليم، وذلك في وقت لخّصت فيه وزارة التربية التركية أسباب التسرّب السوري من المدارس بستة بنود البعض منها يصعب تصريفه على أرض الواقع.

مؤخرا، صدر تقرير عن وزارة التربية التركية، كشف فيه أن 730 ألف طفل سوري يذهبون إلى المدارس من أصل مليون و124 ألف، وهو ما يعني أن نحو 400 ألف منهم لا يتعلّمون. التقرير لا يبدو صادما أمام المشاهد اليومية في الميادين والشوارع العامة التركية، والتي تظهر أطفالا سوريين بأعداد كبيرة يعملون كباعة متجوّلين، البعض منهم نسي المدرسة، وآخر لا يعرفها أصلا.

معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية والإعدادية يزداد، بحسب التقرير إلا أنه ينخفض إلى ما دون 50 في المئة في مرحلة رياض الأطفال والتعليم الثانوي، وأنه من أصل 417 ألف و546 طفلا سوريا في سن التعليم الابتدائي، ثمّة 313 ألفا و695 طفلا يلتحقون بالمدرسة الابتدائية، أي ما يعادل 75.13 في المئة.

حاجز اللغة والظروف الاقتصادية

التقرير التركي قدّم ستة أسباب حول امتناع السوريين عن الالتحاق بالمدارس، جاء على رأسها نظام التعليم السوري الذي ينقسم إلى 6 مراحل ابتدائية، و3 صفوف مرحلة إعدادية، و3 صفوف مرحلة ثانوية، وأن المرحلة الثانوية غير إلزامية في سوريا، إضافة إلى أن الأبناء يفضّلون المساهمة في ميزانية الأسرة بعد التعليم الإعدادي بسبب الحالة المادية الصعبة، كما لوحظت مقاومة للالتحاق بالمدارس بسبب حقيقة أن العائلات لديها أفكار بالهجرة إلى بلد ثالث.

من بين هذه الأسباب، العادات والتقاليد المرتبطة بالعائلة السورية، وحاجز اللغة والتغيّب عن المدرسة لفترة طويلة. في مقابل ما نشرته وزارة التربية التركية، ثمّة أسباب أخرى تحدّث عنها العارفون في شأن السوريين في تركيا، البعض منها يتعلّق بالأوراق وأسباب أخرى كثيرة.

 معظم الأطفال السوريين لم يتلقوا تعليم سابق لدخولهم المدارس باللغة التركية كصف تحضيري، ما يفقد الطفل المتابعة والتدقيق على متابعة واجباته، ويجعله متأخرا عن أقرانه من الأطفال الأتراك والسوريين الذين يجيدون اللغة مما يفقده شغف العلم، وإضافة إلى المصاعب الاقتصادية التي تتطلّب من الأسرة السورية وجود أكثر من شخص يعمل لإعالتها، مما يضطر الأطفال ترك الدراسة والالتحاق بالعمل وتعلم مهنة للمستقبل من خلال عمله ويساعد في المصروف المنزلي للعائلة.

المحامي عمار عز الدين مدير مكتب “مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار” في ولاية  هاتاي التركية، خلال حديثه لـ “الحل نت” وضع أسبابا إضافية أخرى، أبرزها سن التعليم الإلزامي في تركيا فبحسب القانون رقم 6287 الذي صدر بتاريخ 30/ 03/2012، هو 14 عاما  وذلك حتى الانتهاء وهي تجاوز الصف الثامن، و بالتالي المرحلة الإلزامية لالتزام الطفل في المدرسة هي إنهاء المرحلة الإعدادية، ويسمح للأطفال بالعمل في بعض الأعمال في سن 15 عاما بشرط ألّا تتجاوز ساعات العمل في الأسبوع 40 ساعة، استنادا للمادة 71 من قانون العمل رقم 4857 لعام 2003، إضافة إلى اتفاقية 138 وهي اتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل.

تفشّي العنصرية وصعوبة تحصيل الأوراق الثبوتية

هناك قناعة لدى معظم الأهالي بأن لا جدوى من التعليم دون الحصول على الجنسية التركية، وفق عزالدين حيث أن الوظائف مع القطاع العام التي تتطلب شهادة علمية، تشترط أن يكون طالب التوظيف تركي الجنسية حتى في حال وجود وظائف في القطاع الخاص لا تشترط ذلك، فإن التفضيل دائما للأتراك في التوظيف لذلك ترى هذه العائلات أن تعلم الطفل لمهنة، يتيح له فتح محل خاص أو العمل لدى أصحاب المهن من السوريين أو الأتراك في المستقبل، والتي سوف تدر عليهم دخلا ماليا أفضل من الانتظار لوقت الحصول على الشهادة والتوظيف بعدها.

كما تطرّق عز الدين إلى تفشّي العنصرية في بعض المناطق التركية، وانتقالها لتصرفات الأطفال في المدارس موضحا بأن هذا الواقع منع اندماج الأطفال السوريين مع زملائهم الأتراك في المدارس، وجعل الأطفال السوريين يشعرون بالوحدة والعزلة والنقص وعدم الراحة والطمأنينة في المدارس، ويفقدهم الرغبة في متابعة تعليمهم.

من بين أسباب التسرّب أيضا بحسب عز الدين، هي الأوراق الثبوتية، فـرغم حرص الحكومة التركية في معظم الأحيان على التسهيل إجراء الحصول بطاقة الحماية المؤقتة للأطفال في حال تسجيلهم في المدارس، لكن بسبب الظروف الاقتصادية و اضطرار بعض الأهالي لمغادرة الولاية التي يتبع لها مكان استخراج البطاقة، بقصد البحث عن العمل، يمنع الأطفال من التسجيل في المدارس في هذه الولاية، كون القانون ينص على أنه يجب أن يسجل الطفل في المدرسة القريبة لعنوان قيد النفوس في الولاية التي يكون فيها قيد بطاقة الحماية المؤقتة، و لا تستطيع أي مدرسة تسجيل قيد للطفل في المدرسة في حال كان يحمل بطاقة حماية مؤقتة غير تابع للولاية التي فيها المدرسة مما يحرم الأطفال السوريين من حق متابعة التعليم.

المحامي غزوان قرنفل رئيس “تجمّع المحامين السوريين الأحرار” يتفق مع رأي المحامي عمار عز الدين الذي حيث أفاد لـ “الحل نت” بأن هناك نسبة من التسرّب يعود سببها إلى الوثائق والوضع القانوني، مشدّدًا على ضرورة أن يكون وضع أسرة الطفل القانوني متطابق مع ما تطلبه السلطات التركية، بما في ذلك استخراج بطاقة حماية مؤقتة لابنهم، والعيش في ذات الولاية التي تتبع لها هذه البطاقة.

السلطات التركية لا تسمح بنقل بطاقة الحماية المؤقتة إلى ولاية أخرى بسبب وجود طفل يرغب في التسجيل في المدرسة، وفق قرنفل، لأنّه سيطلب منها العودة إلى الولاية الأساسية. هناك مئات الآلاف بطاقتهم ليست في اسطنبول، ولكنّهم يعيشون فيها وهذا مخالف للقانون وفي بعض الحملات يتم ترحيلهم إلى سوريا.

النقل بين الولايات الأخرى التي لم تغلق حتّى الآن، أوضح قرنفل أنّه بمجرّد حصول رب الأسرة على موافقة النقل من ولاية إلى أخرى فإنّه يستطيع مباشرة نقل بقية أفراد أسرته معه. هناك البعض يريد مخالفة القانون ويتعين على الدولة أن تؤمن له أوضاع وفق المخالفة التي خالفها، وقدّم قرنفل نصيحة للسوريين الذين يعيشون في ولايات غير ولايتهم الأساسية بالعودة إليها، لأن الترحيل على قدم وساق، وأن يتدبّروا أمورهم في ولاياتهم الأساسية، لأن قيد الطفل لن يُنقل والمدارس في هذه الحالة لن تقبل تسجيله.

وفيما يخص من ليس لديهم بطاقة حماية يقول قرنفل أن هؤلاء ليس لديهم فرصة للبقاء في تركيا، لأن السلطات أغلقت الباب أمام التسجيل على بطاقات حماية مؤقّتة جديدة.

أطفال بلا مدارس

في اليوم الأول لانطلاق المدارس في أيلول/ سبتمبر الماضي، شاهدت الطفلة السورية راما من نافذة منزلها عشرات الأطفال الذين كانوا متّجهين للمدارس، دون أن تتمكّن من الالتحاق بهم، ما اضطر بوالدها لعدم الذهاب إلى العمل في ذلك اليوم وبقيت الأسرة تحاول تعويضها نفسيا ومعنويا طيلة اليوم.

 عائلة راما، وصلت تركيا في عام 2016، في تلك الفترة استقرّت الأسرة في العاصمة أنقرة وكانت تعيش هناك حياة مستقرّة، كسرها سلسلة هزّات جاء على رأسها انقلاب المزاج الشعبي في تلك الولاية تجاه السوريين بعد حادثة مقتل شاب تركي على يد سوري، وخروج الأتراك في مظاهرات وهجمات ضد السوريين، إضافة إلى فقدان الأسرة مورد العمل الأساسي الذي كانت تعتاش فيه طيلة تلك السنوات وفشل رب الأسرة في تحصيل عمل بديل.

بعد فترة وجد والد راما عملا مناسبا في إسطنبول، فانتقل إلى هناك ويقول في حديثه لـ “الحل نت” بإنه لم يكن أمامه رفاهية التفكير لأن كل مدخراته انتهت، وكانت الأولوية إيجاد فرصة عمل، ولكنه لم يكن يعرف أن هذا سيكون على حساب التحاق ابنته بالمدرسة، ولا يستطيع حاليا العودة إلى أنقرة. تخطّط العائلة إيجاد حل جذري في العام القادم عبر العودة إلى الولاية الأصلية، وتأمين عمل كريم، غير أن رب هذه الأسرة تلاحقه فكرة السفر إلى أوروبا باستمرار.

في أكتوبر 2019 انتحر الطفل السوري وائل السعود عبر شنق نفسه على باب مقبرة حي كارتيبي في ولاية كوجلي التركية وذلك بعد تعرّضه لعنصرية وتمييز من قبل أقرانه الأتراك والمدرّسين في تلك المدرسة، وهو ما زاد ضرورة فتح النقاش العام إثر انتهاك نسبة من الأطفال الأتراك السلوك العنصري المباشر.

قد يهمك: مع افتتاح المدارس في تركيا… ثلث الأطفال السوريين خارج المدرسة

حالة وائل لم تكن الوحيدة، إذ امتنعت أم سورية تعيش في اسطنبول عن إرسال ابنتها إلى المدرسة بسبب تكرار الحوادث العنصرية اللفظية والجسدية ضدّها من قبل بقية الطلاب، ورغم محاولة والدتها عدّة مرات التحدّث مع إدارة المدرسة إلّا أن الأخيرة لم تحرّك ساكنا.

حلول ضرورية

صفوف تحضيرية مجانية يتم  إحداثها للأطفال السوريين قبل المدارس لتقوية لغتهم، وفتح دورات مجانية للغة التركية مع حوافز مادية ومعنوية لدفع الأهالي لتعلّمها لمتابعة الأطفال، إضافة إلى وضع مرشد نفسي و اجتماعي يتكلم اللغة العربية، وخاصة في المراحل الأولى في المدارس التي يتواجد فيها طلاب سوريين، والعمل على تعديل بنود قانون الحماية المؤقتة إلى بنود تضمن للاجئ مركز قانوني قريب إلى حق اللجوء وفق لقانون الأجانب والحماية الدولية، مع التحفظ على بعض البنود القانونية التي تتعلق بقومية الدولة ومصالحها السياسية الداخلية والخارجية مما يسمح لهم للحصول بسهولة أكثر على الوثائق القانونية وحرية التنقل و انخراطهم في سوق العمل الرسمي، كلها حلول ضرورية اقترحها المحامي عمار عز الدين.

محاربة ظاهرة العنصرية المنتشرة في بعض المدارس، عن طريق العمل على دمج الأطفال السوريين والأتراك في نشاطات مجتمعية تحقق التقارب والتواصل بينهم، وتعمل على فهم سبب لجوء السوريين وهروبهم من الحرب، والعمل على إنهاء التحريض على السوريين من قبل بعض الأحزاب والعمل على تحديد ملف اللاجئين عموما من جميع الأطراف السياسية، وعدم استخدامه المناكفات السياسية بين الأحزاب والتعامل معه من الناحية الإنسانية، وفق لما ينص عليه القانون الدولي والاتفاقيات الدولية.

اقرأ أيضا: نصف مليون طفل سوري خارج المدارس التركية في العام الدراسي الجديد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.