خلافات جديدة ظهرت على الساحة السياسية في العراق، ولكنها لم تتمحور هذه المرة حول شكل الحكومة، حيث اقتصرت على صراعات الكيانات السياسية فيما يخص مرشحي الكابينة الوزارية الجديدة.

ملامح هذا الصراع، تبدو واضحة في الخلاف الحاصل بين زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من جهة، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري من جهة أخرى، فرغم انتماء المتنافسين إلى ذات الكتلة النيابية، إلا أن رغبة كلا منهما بالسيطرة على ملف وزارة النفط، شكل العثرة الأولى أمام رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، الذي ينتمي لذات الكتلة السياسية.

هذه العثرة تتمثل في إعاقة مساعي السوداني، لتمرير كابينته الوزارية ضمن السقف الزمني المحدد بـ 30 يوما من تاريخ تكليفه، بحسب الدستور العراقي، وهي مدة قاربت على الانتهاء.

النفط وصراع “الإطار ضد الإطار

المزايا المالية التي تتميز بها وزارة النفط، تبرر الخلاف الحاصل داخل “الإطار التنسيقي” والرغبة بالسيطرة عليها، فعائداتها المالية قد تجاوزت حاجز الـ 11 مليار دولار خلال شهر أيار/مايو الماضي فقط، بحسب إحصائيات شركة “سومو” المسؤولة عن ملف التسويق النفطي العراقي.

اقرأ أيضا: ما تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على إنهاء أزمة تشكيل الحكومة العراقية؟

هذه الوزارة كانت محط أنظار الكيانات السياسية وصراعاتها دائما، فبحسب تقرير مجلة “أن أس انرجي بزنز” الأميركية، فإن رغبة الكتل السياسية بالسيطرة عليها، يرجع إلى استشراء الفساد في كافة مفاصلها، ولا يتوقف عند مستوى اختلاس الأموال، بل يشمل أيضا عقد صفقات فساد مع شركات وهمية، إضافة إلى بيع مناقصات استثمار وتطوير القطاع النفطي إلى شركات عالمية ومحلية.

لكن هذا الصراع ينطوي على جانب آخر، ويعتبر استمرارا لتلك المناكفات التي خاضها العامري والمالكي، أثناء فترة الانسداد السياسي وعقب انسحاب الصدر من البرلمان، لاسيما بعد أن أعلن المالكي استنكاره لمساعي العامري لإعادة “التيار الصدري” إلى الحياة السياسية.

زعيم تحالف “الفتح”، اعتبر هذا الاستنكار بمثابة استهانة برأيه السياسي، ويحاول تاليا النكاية بخصمه عبر إصراره على ملف وزارة النفط دون غيرها، لعلمه بمدى رغبة المالكي بها، وفق حديث مصدر سياسي مقرب من “الإطار التنسيقي” لـ “الحل نت”، وليس هذا فحسب، بل يعتقد أن “منحه هذه الوزارة هو استحقاق نظير الجهود التي بذلها أثناء فترة الانسداد السياسي، ومن ثم فإنه يرى أن انفراج الأزمة، هو ثمرة مساعيه”.

اجتماعات مكثفة، خاضتها كتل “الإطار التنسيقي” على مدى الأسبوعيين الماضيين، من أجل إنهاء الصراع ولكنها فشلت، فحتى الآن لا تزال وزارة النفط بلا مرشحين، ونتيجة لذلك أصدر رئيس تيار الحكمة المنضوي في “الإطار التنسيقي” عمار الحكيم، بيانا دعا المتخاصمين دون تسميتهم، إلى الحوار والتنازل من أجل التوصل إلى حلول تسرع من ولادة الحكومة الجديدة.

دوافع خلف الصراعات الجديدة

صراع الكيانات السياسية على الحقائب الوزارية ليس بجديد في العراق، ويرجع تاريخه إلى أول حكومة دائمة بعد عام 2005، وينبع بجوهره من نظام المحاصصة السياسية.

التقسيم الذي وضعه هذا النظام يتيح للمكون الشيعي بالسيطرة على 12 وزارة من أصل 22 تشكلها الحكومة الجديدة، فيما تبلغ حصة المكون السني 6 وزارات، و4 للمكون الكردي.

لكن هذا النظام لم ينظم كيفية توزيع هذه المقاعد بين كتل المكون الواحد، ولم يركز على تعدد كياناتهم البرلمانية واختلافاتهم السياسية، الأمر الذي خلق صراعا بينهم من أجل السيطرة على وزارات دون أخرى.

كحال وزارة النفط، فإن أهمية هذا الصراع تتضح عند الوزارات ذات الثقل المادي، مثل حقائب التعليم العالي والتربية والصحة، ويتراجع تنافسهم عند وزارتي الثقافة والموارد المائية والزراعة، نظرا إلى وقوعهن في أسفل الهرم المالي لقوانين المخصصات المالية.

الأحزاب تدرك بأن تسلمها لهذه الحقائب، سيعود عليها بالفائدة، عبر عمليات الاختلاس والمناقصات والرشاوي أيضا، كان آخر فضائح هذا الفساد، تلك التي طالت وزيرة التربية السابقة في حكومة عادل عبد المهدي سها العلي، ومنحها عقد التأمين الصحي الخاص بمتقاعدي الوزارة إلى شركة وهمية بمبلغ 41 مليون دولار تم دفعها مقدما، وبحسب “هيئة النزاهة الإتحادية”، فقد وجهت خلال شهر شباط/فبراير الماضي، تهم للعلي إضافة إلى 53 وزيرا آخر على خلفية قضايا مختلفة، بينها اختلاس وتهريب أموال الدولة.

الملف الإقليمي وصراع الوزارات

لا تتوقف الخلافات عند حدود الفوائد المادية، وتندرج التطلعات الإقليمية، التي تتبناها بعض الأحزاب على عرش اهتماماتهم، وتبدو ملامح هذا الجانب في صراعها على ملفات وزارتي الداخلية والدفاع.

أهمية وزارة الداخلية تتمركز عند بعض الأحزاب، ولاسيما تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة، أو تنفذ عمليات عسكرية داخلية، بحسب حديث الباحث الأمني علي عبد الإله، لـ”الحل نت”، فالوزارة قادرة على تأمين عملياتها داخل البلد، إضافة إلى حماية الفرق المنفذة مثل العمليات العسكرية ضد القواعد الأجنبية أو عمليات الاغتيال الشائعة في البلاد.

بحسب الاعتقاد الشائع، فإن إيران هي اللاعب الأبرز في هذا الملف، وتسعى جاهدة من أجل إنهاء الصراع بين قادة “الإطار التنسيقي” المقربين منها، من أجل استكمال بعض البرامج العسكرية المتوقفة داخل البلد، وهو ما قد يبرره لقاء مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي، برئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، في 23 من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، وتشديده على ضرورة إخراج القوات الأجنبية من العراق.

على النقيض تولي الكتل السنية تركيزها على ملف وزارة الدفاع، وفق عبد الإله، فهي تدرك بأن سيطرتها على هذه الوزارة، يعني قربها من تركيا، فتطلعات الأخيرة العسكرية في العراق، يتجاوز الجانب الاستثماري نحو فرض وجودها داخل البلد، وهي مستعدة لبذل المستحيل من أجل تقريب القيادات العسكرية العراقية منها، وهو ما يدركه السنة بدورهم.

سبب تصاعد حدة الصراع بين المكونات المختلفة أو حتى داخل المكون الواحد، بحسب حديث أستاذ العلوم السياسية المتقاعد عثمان الموصلي، لـ”الحل نت” يرجع إلى “المتغيرات التي كشفتها الانتخابات الأخيرة، وهبوط شعبية بعض الكتل السياسية وصعود أخرى”.

هذا الأمر زاد من مخاوف بعض الأحزاب واحتمالية فقدان ثقلهم الانتخابي خلال الدورة النيابية القادمة، وهو ما يدفعهم إلى التمسك بالوزارات الثقيلة، من أجل الإسراع بتنفيذ أجنداتهم وتحقيق الفائدة المادية في آن واحد.

مزادات بيع المناصب

التنافس الجاري على ملف الكابينة الحكومة، قد يبرر دخول بعض مناصبها إلى مزادات بيع الوزارات في العراق، التي ضجت بأخبارها وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية. هذه الظاهرة ليست بغريبة عن العراق وسبق إثارتها عدة مرات، كان آخرها التسريب الذي نشره الإعلامي العراقي علي فاضل، بخصوص بيع النائب أحمد الجبوري، لمناصب تابعة لمحافظة صلاح الدين إلى المقربين منه.

غالبا ما تتم مفاوضات بيع المناصب الوزارية بين كتلتين سياسيتين، في عملية أشبه بالمبادلة التجارية مع دفع فارق السعر، ولكن الظاهرة لا تقتصر على التفاوض بين الكتل المختلفة، وتتضمن أيضا بيع بعض رؤساء الكتل السياسية للمناصب المتاحة لهم إلى أعضاء كتلهم.

دور لافت ذلك الذي يلعبه التجار أيضا، فهم يدعمون بعض المرشحين من أجل شراء المقاعد الوزارية، وهدف ذلك ينبع من رغبتهم بالسيطرة على صناعة القرار فيها، وخدمة تطلعاتهم التجارية، وتسهيل منحهم للمناقصات والعقود أو بيعها بدورهم، بفارق سعري، وتؤكد مصادر سياسية، أن وزارة التعليم العالي كانت ضمن قائمة المزايدات المالية بين الكيانات السياسية، وكذلك بالنسبة لوزارة الدفاع، ووصل سعر الأخيرة إلى 75 مليون دولار.

مزادات البيع لم تشمل ملفي وزارة النفط والداخلية، فالكتل الشيعية لم تتوصل إلى حلول حتى هذه اللحظة، وسيقوم السوداني نتيجة لذلك، بطرح كابينته على قادة “الإطار التنسيقي” خالية من هذين المقعدين، ليتمكنوا بدورهم من حل الأزمة بعيدا عنه.

“الإطار التنسيقي” سيحاول جاهدا من أجل التوصل إلى تشكيل الحكومة خلال فترة قصيرة، فهو لا يرغب بأن يكون سببا في تأخر تشكيل الحكومة، وهو ما سيكون حجة جديدة يتمسك بها “التيار الصدري” من أجل بيان الانقسام الحاصل بينهم.

هذا الجانب سيعني بلا شك أن الحكومة القادمة لن تكون حكومة خدمة وطنية كما سميت من قبل “الإطار التنسيقي”، خاصة وأنها لم تتركز على الكفاءات بقدر تركيزها على الانتماءات الحزبية والمكوناتية، وستمهد أيضا لصراعات سياسية أخرى، تثقل مسيرتها بأزمات مستجدة.

قد يهمك: الأزمة السياسية العراقية مستمرة.. هل تتجاوزها حكومة السوداني؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.