إن جهود موسكو لتنمية وتطوير ممر تجاري بين الشمال والجنوب، مرورا بالقوقاز، واستخدامها إيران للالتفاف على العقوبات الغربية، منح طهران فرصة جديدة وواسعة لتولي دور قيادي في جنوب القوقاز.

أولا وقبل كل شيء، وكحليف جديد لروسيا ضد الغرب، ستتمتع إيران بنفوذ متزايد، لكن قد تكون هذه مجرد البداية. فقد تحركت طهران بسرعة للاستفادة من هذا الانفتاح، نظرا لرغبتها في صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية، بما في ذلك تصاعد الاحتجاجات المحلية ومواجهة تحركات خصمها الجيوسياسي تركيا، واستعادة النفوذ في منطقة تعتبرها جزءا من إرثها الطبيعي.

قد يهمك: العلاقات الروسية الإيرانية: شراكة استراتيجية أم توازن هش للمصالح؟

 من الواضح أن الكرملين، يأمل في أن تظل إيران مرتبطة بروسيا. مع ذلك، أظهرت طهران، من خلال سلسلة من الإجراءات خلال الأشهر العديدة الماضية، خاصة التدريبات العسكرية الجارية على حدودها مع أذربيجان وأرمينيا، أن لديها أجندتها الخاصة وهي مستعدة لاتخاذ مسار أكثر استقلالية، وقد أكدت سلطتها الجديدة من خلال الإصرار على عقد اجتماع مع المسؤولين الروس ليس في موسكو ولكن في غروزني، عاصمة الشيشان. من المؤكد أن احتمال استغلال إيران لهذا الوضع بشكل أكبر لمصلحتها الخاصة، سيصبح مصدر قلق خطير ليس فقط في موسكو ولكن أيضا في جميع أنحاء المنطقة وفي العواصم الغربية.

.

فقد وفرت موسكو لإيران هذه القوة الجديدة، بسبب حاجتها إلى إيجاد حلفاء بعد أن أدى غزوها لأوكرانيا إلى انفصالها بشكل جدي عن الغرب، وفي الصيف الماضي وبعد فراغ دام ثلاث سنوات، اجتمعت اللجنة الاقتصادية الإيرانية الروسية المشتركة في أصفهان واتفقت على التعاون في قضايا، تتراوح بين تطوير الممر الشمالي الجنوبي في القوقاز إلى تزويد إيران روسيا بالسلع التي لم تستطع الحصول عليها بطريقة أخرى بسبب العقوبات الغربية

كان نطاق الاتفاقات في واقع الأمر واسعا جدا بين الشريكين، لدرجة أن كل من موسكو والغرب على حد سواء بدأوا يتحدثون عن إمكانية تشكيل تحالف جديد مناهض للغرب. وجهة النظر هذه تعززت فقط عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إيران بعد أسابيع قليلة في 19 يوليو/تموز (للمرة الخامسة خلال فترة حكمه)، وعندما أرسلت موسكو قادة أكثر من 80 شركة روسية كبرى إلى طهران لمناقشة توسيع التعاون.

مع ذلك، فإن هذا الاستنتاج يتجاهل أمرين مهمين، فمن ناحية بقيت موسكو وطهران في خلاف جدي بشأن القضايا الرئيسية، بما في ذلك ترسيم حدود بحر قزوين وإكمال خط سكة حديد لفتح الممر الشمالي الجنوبي، ومن ناحية أخرى، تصرفت طهران بشكل متزايد من تلقاء نفسها، فأرسلت دبلوماسييها إلى باكو ويريفان لاستكشاف المشاعر الرسمية في كل بلد، وهو أمر يشير إلى أن إيران ليست مستعدة لإتباع نهج موسكو بشكل أعمى، بحسب تقرير لمؤسسة “جيمستاون” ترجمه “الحل نت”.

بالرغم من كل ذلك، استمر التعاون بين موسكو وطهران في المجال الاقتصادي، حيث زودت إيران روسيا بالسلع التي تضررت بسبب العقوبات الغربية، وشدد المسؤولون الروس على الطبيعة الحاسمة لهذه العلاقات.

وتأكيدا على ذلك، يعقد الجانبان اجتماعا رسميا وقت كتابة هذا التقرير، وإن كان يجري في غروزني وليس في موسكو، وهو الأمر الذي يتحدث عن الكثير عن نفوذ إيران المتزايد واستنتاج روسيا، بأنه ليس لديها خيار سوى الإذعان لطهران أكثر مما كان يمكن أن تفعله قبل حربها في أوكرانيا. موقف طهران الاستباقي المتزايد تجاه القوقاز في بياناتها وأفعالها دفع ستانيسلاف تاراسوف، أحد النمحللين في موسكو، إلى التساؤل، هل تعود إيران إلى القوقاز. ويرى تاراسوف أنه إذا لم يتم إثبات وجود طهران بعد، فقد يكون ذلك قريبا، بما في ذلك عسكريا.

فبعد مسح الأنشطة الدبلوماسية الموسعة لطهران في جنوب القوقاز في الأشهر الأخيرة، يشير تاراسوف إلى شيء لم يجذب سوى القليل من الاهتمام في الغرب، أو حتى في روسيا، ولكن قد يكون له عواقب وخيمة لكليهما في المستقبل. ويتعلق ذلك بإطلاق تدريبات عسكرية مكثفة في المقاطعات الإيرانية المتاخمة لأرمينيا وأذربيجان (بدأت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وهي مستمرة).

وتهدف هذه التدريبات، التي تضمنت جسرا معلن عنه لنهر أراس، بوضوح إلى الإشارة إلى أن إيران لن تتسامح مع أي تغيير في وضع ممر زانجيزور، الجسر البري بين أذربيجان وناختشفان. ويتفق هذا الموقف مع موقف موسكو، لكن هذه التدريبات تؤكد أن إيران لديها قدرتها الخاصة على التأثير في النتائج، وقد تكون مستعدة لبدء ممارستها.

علاوة على ذلك، وكما يشير تاراسوف، فإن هذه التدريبات الإيرانية لا يجريها الجيش الإيراني المكلف بالدفاع عن سلامة أراضي البلاد وأمنها، بل تتم من قبل “الحرس الثوري” الإيراني “المسؤول عن الأعمال العسكرية خارج حدود الدولة وأراضي البلد”. ولأن هذا هو الحال، يضيف تاراسوف قائلا، “هذه إشارة ليس فقط لدول المنطقة، ولكن للاعبين خارجها أيضا بأن لدى إيران القدرة على ضمان إرادتها في شمال حدودها بالوسائل العسكرية”.

اقرا أيضا: إيران تنافس روسيا في الملف السياسي السوري.. ما الذي يحصل؟

ويصر تاراسوف على أن الطريقة الوحيدة لتجنب مثل هذه الخطوة، التي يمكن أن تؤدي إلى حرب أكبر بكثير، هي إشراك إيران في جميع العمليات السياسية والجيوسياسية في القوقاز، “وهو أمر لم يتم القيام به بعد حرب كاراباخ الثانية. لكن يبقى السؤال، هل روسيا وتركيا وأذربيجان وأرمينيا مستعدين للقيام بذلك”. هذا أبعد ما يكون عن الوضوح، لكن حقيقة أن المحلل الروسي يطرح السؤال الآن يؤكد نقطة أكثر أهمية بكثير، لقد فتحت موسكو الطريق أمام طهران للعب دور أكبر بكثير في المنطقة من أي وقت في التاريخ الحديث. وعلى هذا النحو، يجب على الكرملين الآن أن يتعامل مع حقيقة أنه قد لا يكون قادرا على السيطرة على تصرفات طهران، الأمر الذي سيخلق مشاكل ليس فقط لروسيا ولكن للمنطقة كلها، بما في ذلك الغرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة