القصف التركي لمناطق وقرى حدودية في إقليم كردستان شمال العراق، ومحافظات أخرى، بات مسلسل شبه يومي، حيث تستخدم أنقرة الأسلحة المتنوعة من طائرات ومدافع وأسلحة أخرى كثيرة، مبررة قصفها بتواجد عناصر من “حزب العمال” الكردستاني في تلك المناطق، الأمر الذي تنفيه قيادات كردية أخرى، والعديد من المسؤولين المحليين في مدن الإقليم.

لم يعد القصف يستهدف القرى والأطراف فحسب، بل بات الأمر يتعدى ذلك، ليصل إلى تجمعات سكنية داخل مراكز المدن، فضلا عن قصف مناطق خارج إقليم كردستان، وتحديدا في محافظتي نينوى وكركوك.

القصف التركي متواصل منذ نحو 20 عاما في مناطق متفرقة من إقليم كردستان، حيث تقول أنقرة إنها تستهدف مواقع “حزب العمال” الكردستاني، لكن العمليات التركية، أودت بحياة عشرات المدنيين خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى جانب الأضرار المادية.

قد يهمك: القصف الإيراني لشمال العراق.. ما الذي تريده طهران؟

العمليات المستمرة للجيش التركي تجري وسط صمت من قبل حكومتي بغداد وحكومة إقليم كردستان، والتي لم تتخذ إجراءات رادعة لإيقاف تلك العمليات، التي ألقت بظلالها على حياة المدنيين. تركيا تمكنت من توسيع تواجدها وامتداد نفوذها وسيطرتها على مواقع مهمة واستراتيجية داخل أراضي إقليم كردستان، مخالفة بذلك الاتفاقية التي تمت مع العراق عام 1982، والتي نصت على السماح لبغداد وأنقرة بدخول حوالي 20 كيلو مترا لتأمين الحدود.

مختصون في القانون العراقي قالوا إن “الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، أصبحت ملغية، بحكم أن الدستور الجديد للعراق نص على إلغاء جميع القوانين والاتفاقات التي وقعها نظام صدام حسين”.

أسلحة محرمة دوليا

القيادي في حركة “التغيير” الكردية محمود شيخ وهاب، خلال حديثه لـ “الحل نت” اتهم أنقرة باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، ومنها الأسلحة الكيمياوية، والتي سقطت صواريخ منها على قرى كردية واقعة في محافظة دهوك شمالي العراق.

“الجيش التركي استخدم الأسلحة المحرمة دوليا في أكثر من مناسبة، وخاصة في مناطق العمادية وزاخو وكاني مآسي والزاب في محافظة دهوك، كما أدى القصف لهجرة جماعية لسكان القرى التي استهدفتها أسلحة أنقرة”، وفق وهاب.

السكوت على الانتهاكات التركية التي ترتكب في مناطق وقرى الإقليم ومنها استخدام الأسلحة الكيمياوية أمر معيب جدا، بحسب وهاب، ويعبر عن عدم الاكتراث لمخالفات هذا القصف على سكان القرى المختلفة، ما يزيد من إصرار تركيا على ارتكابها “الجرائم بطرق متعددة”، وفق تعبيره.

“البرلمان العراقي مُطالب بعقد جلسة خاصة لمناقشة الانتهاكات التركية المستمرة بشكل يومي، والتصويت على قرار طرد القوات التركية، وغلق قواعدها بشكل فوري، كون وجودها يعتبر غير شرعي”، يقول وهاب.

محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان، تعتبر من أكثر المناطق التي تتعرض بشكل شبه يومي للقصف التركي، كونها محافظة مجاورة لأنقرة، فضلا على أن تركيا تعتبرها منطقة استراتيجية للتمدد نحو محافظات نينوى وكركوك.

نواب وقيادات في الاتحاد الوطني الكردستاني، دعوا في وقت سابق، لإرسال فريق تحقيقي من قبل الحكومة العراقية وبعثة الأمم المتحدة، للكشف عن القرى والمناطق التي تعرضت لقصف بالأسلحة المحرمة، وتقديم شكوى رسمية لدى المحاكم الدولية ضد أنقرة.

موقف الحكومة الجديدة

بالرغم من تولي مرشح “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة الجديدة في العراق، إلا أن هذا الأمر لم يمنع تركيا من مواصلة هجماتها اليومية على كردستان ومحافظة نينوى أيضا. الأمر الذي شكل حرجا على السوداني وأفراد حكومته، الذين كانوا يوجوهون الاتهام لرئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، بالتواطؤ والتقصير تجاه الانتهاكات التركية على شمالي العراق.

المحلل السياسي علي الشمري، يؤكد خلال حديثه لـ “الحل نت” بأن إيران أوقفت عملياتها العسكرية شمالي العراق، كخطوة تعبر عن دعمها للحكومة الجديدة برئاسة السوداني. فيما لا يبدو أن أنقرة ستلتزم بما قامت به إيران، وهذا يؤكد عدم وجود تقارب بين تركيا وإيران في الوقت الحالي، أو ما يسمى عدم توافق على دعم حكومة العراق الجديدة برئاسة السوداني.

السوداني سيحاول عبر وسطاء ومنهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إيقاف القصف التركي في الوقت الحالي، ولو بشكل مؤقت كنوع من دعم الحكومة الجديدة، كون القصف يشكل حرجا لدى الرأي العام، بحسب الشمري، كما أنه لا يريد خلق عدوات مع دول الجوار، ولايريد تكرار تجربة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي كانت علاقة العراق في عهد توليه رئاسة الحكومة، متشنجة مع أغلب الدول العربية ودول الجوار باستثناء إيران.

على هذا الأساس فلم يصدر أي بيان من الحكومة الجديدة ووزارة الخارجية أو حتى من السوداني نفسه، حول تكرارالقصف التركي على مناطق سنجار ومحافظة دهوك، كون الأخير مع التهدئة وطرق الحوار في الوقت الحالي.

مقرات سرية ومخابراتية

في كانون الأول/ديسمبر 2020، وصل عدد المقرات والمؤسسات الاستخبارية التابعة للجيش التركي العلنية منها والسرية الى 23 مقرا، متمركزة وموزعة على ستِ نواحي تابعة لمحافظة دهوك، حيث بلغ عدد المقاتلين في تلك المقرات والمعسكرات حوالي 5 آلاف مقاتل

القصف التركي على مناطق ومدن في إقليم كردستان، تسبب بحرق آلاف الهيكتارات من الأراضي الزراعية، والبساتين التي تعود إلى أهالي تلك المناطق، حيث صرح الأمين العام لوزارة البيشمركة، بحكومة إقليم كردستان “جبار ياور”، في بيان رسمي أن “حصيلة القصف التركي على مناطق الإقليم خلال أربعة أعوام فقط، بلغت 389 عملية جوية، بالإضافة إلى 425 عملية قصف مدفعي، قتل خلالها ما يزيد عن 20 مدنيا، وتسبب في تدمير قرى حدودية وهدم مستشفيات وطرق وجسور ومدارس”.

عدد القواعد الرسمية للجيش التركي يبلغ 21 قاعدة، فيما يبلغ عدد الربايا والمواضع العسكرية أكثر من 50 موضعا، تنتشر في محافظتي دهوك وأربيل، بحسب حديث عضو المجلس المحلي في المحافظة عمر سورجي، لـ “الحل نت”، حيث أوضح بأن “أكبر قاعدة عسكرية للجيش التركي، تتواجد في ناحية كاني مآسي التابعة لقضاء العمادية، وتضم الآلاف من المقاتلين، فضلا عن قاعدة جوية تنطلق منها الصواريخ الموجهة لقصف المدن والمناطق المختلفة”.

الجيش التركي يجري في هذه الأيام تحركات مستمرة لإنشاء قواعد جديدة في مناطق زاخو والمناطق القريبة من ناحية ربيعة في محافظة نينوى، وفق سورجي، فضلا عن إنشاء طرق جديدة تتيح لقواته الوصول إلى جبل سنجار غربي مدينة الموصل، بحجة “ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني” وفق تعبيره.

العمليات العسكرية التركية المستمرة منذ تسعينات القرن المنصرم، بحسب سورجي، تسبب بنزوح سكان أكثر من 700 قرية، وخسائر اقتصادية تجاوزات مليارات الدنانير، فضلا عن تأثر القطاع الزراعي، كون أغلب هذه المناطق هي زراعية.

رئيس مجلس محافظة دهوك فهيم عبدالله، أشار في تصريحات صحفية سابقة أن، “الجيش التركي قطع آلاف الأشجار من غابات المحافظة خلال العام الماضي، لأسباب مجهولة.”

احصائيات مثيرة

بحسب تقارير مختلفة فقد تم في محافظة أربيل، إخلاء 55 قرية من أصل 73 قرية حدودية، وأدت الحرائق التي التهمت حقول ومزارع وبساتين المنطقة نتيجة للعمليات الحربية إلى خسائر بعشرات ملايين الدولارات.

ليس بعيدا عن أربيل، فقد اضطر المئات من المدنيين، لترك قراهم ومزارعهم الواقعة ضمن إدارة رابرين في محافظة السليمانية، خاصة تلك القريبة من سلسلة جبال قنديل، على الشريط الحدودي الفاصل بين العراق من جهة، وتركيا وإيران من جهة أخرى.

القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، في حديثه لـ “الحل نت” أشار إلى أن كتلة حزبه في البرلمان العراقي، ستتبنى قضية العمل على إخراج القوات التركية من مناطق البلاد المختلفة، حيث أن الوجود التركي في العراق بات غير شرعيا، بحسب تعبيره، خاصة وأن هناك قرارا سابقا صوت عليه البرلمان في مطلع كانون الثاني/ يناير عام 2020، يقضي بطرد القوات الأجنبية من مختلف المناطق العراقية.

المواطن العراقي ينتظر من الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، العمل الجاد على التعامل مع ملف الخروقات التركية المستمرة على الأراضي العراقية، وإنهاء هذا الملف بالوقت القريب. في وقت يشكك العديد من المختصين في قدرة الحكومة على التعامل مع ملف الخروقات والانتهاكات، ما لم تكن هناك إجراءات رادعة وحقيقية، وعدم الاكتفاء بالإدانة والاستنكار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.