بجانب الدول التي تلعب دورا دبلوماسيا في الأزمة الأوكرانية، انضمت الإمارات مؤخرا، واتخذت خطوات تشبه الخطوات التركية التي عملت على حل الأمور بشكل ودي، وتسهيل الوصول إلى تسوية سلمية بين طرفي الأزمة “روسيا-أوكرانيا”، وسط تصاعد حدة الصراع بين الطرفين.

في 12 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، التقى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في جلسة محادثات شاملة في سان بطرسبورغ، وتركز النقاش خلالها على ملفات العلاقة الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية. أولى الطرفان اهتماما خاصا بالوضع حول أوكرانيا، في ضوء جهود الوساطة التي تبذلها أبوظبي لتقريب وجهات النظر، وإيجاد حلول سلمية للمشاكل العالقة.

قد يهمك: رئيس الإمارات في روسيا.. لخفض تصعيد الأزمة الأوكرانية؟

الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أكد على هامش لقاء بوتين وبن زايد، أن “الإمارات تلعب دورا مهما إلى حد كبير، في عملية تبادل الأسرى بين موسكو وكييف”. بعد لقاء بوتين بأسبوع واحد فقط، أجرى الرئيس الإماراتي، اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، وبحث الجانبان خلال الاتصال، مستجدات الأزمة الأوكرانية وأهمية العمل على خفض التوتر والتصعيد، من خلال اللجوء إلى الحوار والحلول الدبلوماسية.

الإمارات كما يبدو، تتخذ موقفا دبلوماسيا محايدا في الأزمة الأوكرانية، وخاصة أنها دولة معروفة بتحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ما ظهر للعلن أن الإمارات باتت تشكل قوة دبلوماسية حقيقية في العالم، وذلك من خلال مساهمتها في تهدئة الأوضاع.

الحياد في العلاقات الخارجية

الإمارات امتنعت عن التصويت على قرار صاغته الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في 26 شباط/فبراير الماضي، لكن في أيلول/سبتمبر الماضي، أيدت الإمارات قرارا قدمته الولايات المتحدة وألبانيا، يدين ضم روسيا لأجزاء من أوكرانيا، وأيدت في تشرين الأول/أكتوبر قرار إدانة لإجراء استفتاء في المناطق الأوكرانية التي ضمتها روسيا. بالنظر إلى طريقة تعامل الإمارات مع الأمر، يظهر لنا جليا أنها “تبحث عن الحياد تارة ترضي الولايات المتحدة وتارة أخرى روسيا”.

خلال منتدى الإعلام العربي الذي أقيم في مدينة دبي الإماراتية بداية الشهر الماضي، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الدكتور أنور قرقاش، إن “موقف بلاده ظل متوازنا في أزمة أوكرانيا، من خلال الدعوة للحل السلمي لهذه الحرب، وفق القانون الدولي”.

‏ السياسة التدخلية للإمارات بعد أزمة اليمن، تميل إلى التدخل المحدود وحفظ المسافات الاستراتيجية مع دول الإقليم والعالم بشكل عام، بحسب حديث الباحث في العلاقات الدولية الدكتور ياسر عبد الحسين، لـ “الحل نت”، والذي يرى بأن ‏ تغير التفاعلات في المنطقة، جعلت الدبلوماسية الإماراتية تميل إلى إعادة ترتيب الأوراق، وخصوصا في سياق العلاقات مع إيران وتركيا.

الدعم الأميركي

رغم خطوات أبوظبي الأخيرة تجاه الأزمة الأوكرانية، إلا أن عليها النظر بسمعتها في واشنطن، خاصة بعد دعمها قرار “أوبك بلس” في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، بخفض إنتاج النفط اعتبارا من تشرين الثاني/نوفمبر، وجاء قرار مجموعة الدول المنتجة للنفط التي تنتمي إليها الإمارات، على الرغم من التحذيرات الأميركية من المضي به، واعتبار بعض العواصم الغربية أنه مدفوع سياسيا ويهدف لدعم روسيا.

قرار “أوبك” التي تقوده السعودية وحلفاؤها ومنهم روسيا، المجموعة المعروفة باسم “أوبك بلس”، زاد من توتر العلاقات بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الخليج، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”. بينما صرحت وكالة “أنباء” الإمارات الرسمية في الأول من هذا الشهر، بأن “الإمارات وقعت شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، لاستثمار 100 مليار دولار في مشروعات الطاقة النظيفة بطاقة إنتاجية 100 جيجا وات بحلول عام 2035”.

الإمارات تحاول أن توازن بعلاقاتها وترضي جميع الأطراف، بما يضمن بقاء علاقاتها الدبلوماسية مع الجميع كما هي، وقرار الإمارات بالوقوف مع “أوبك بلس” واتفاقيتها مع الولايات المتحدة حول الطاقة يؤكد ذلك.

عن قرار “أوبك بلس” بتخفيض الإنتاج النفطي يقول عبد الحسين، “يبدو أن الجو العام للمشروع هو تحت سيطرة السعودية حاليا، وتود الإمارات الاحتفاظ بعلاقات ودية مع السعودية، لذلك لا تتدخل بالشكل العميق في أزمة أوكرانيا، وأوضح أن رغبة السعودية تكمن في أن القرار السعودي نابع من رغبة الرياض، بضرب الديمقراطيين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي”.

‏قرار 2 مليون برميل يوميا بداية من تشرين الثاني/نوفمبر، يعيد ترتيب الأسواق العالمية على الأقل في الأيام القادمة بحسب رؤية الحسين، الذي أشار إلى تصريح نائب رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، الذي قال فيه إن الإمارات أبلغت أميركا معارضتها قرار “أوبك بلس” تخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميا، مشيرا إلى أن “أبوظبي ستختار الوقوف مع الرياض، إن خُيرت بينها وبين واشنطن”.

رأي إماراتي

الإمارات تعاملت وفق المعطيات الدبلوماسية والسياسية لحل أي أزمة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي محمد تقي، لـ “الحل نت” حيث أعطى مثالا على ذلك، من خلال الإشارة إلى بداية الأزمة الأوكرانية، وأخذ الإمارات موقف الحياد رفقة الهند ودول أخرى في مجلس الأمن.

لم تصوت الإمارات مع قرار المجلس ضد روسيا، وثم عادت وصوتت بالموافقة على مشروع قرار أميركي ضد روسيا في المجلس، وكان بخصوص ضم أربعة مناطق أوكرانيا لروسيا، وبالتالي هذا يؤكد توازن السياسية الإماراتية دوليا، بحسب تقي، بالإضافة إلى الزيارات والاتصالات المتبادلة بين الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس الروسي والأوكراني، كونهم طرفي الأزمة الأوكرانية، وفق تعبيره.

عن تأثير ذلك على العلاقات الإماراتية الأميركية، يتكلم تقي، عن أن “العلاقات بين الدولتين، استراتيجية وتشبه العلاقات الدولية الطبيعية. ترتبط بسياسات محددة وعلاقات شاملة”، ونوه تقي، إلى الاتصال الأخير بين بن زايد وبايدن، بعد توقيع اتفاقية تخص الطاقة وحضور قمة المناخ.

العلاقات بين البلدين جذرية منذ تأسيس دولة الإمارات بحسب وصف تقي، والذي أكد أن العلاقة هذه لا ترتبط بالإدارة الأميركية، وإنما هي علاقة بين دولتين على أساس مؤسساتي ومع القطاع الاقتصادي والعسكري. عن اتفاق “أوبك بلس”، يرى المحلل السياسي، أن الإمارات لها احترام كامل لمنظمة “أوبك” مع السعودية وروسيا، وتحترم وتتفق مع جميع الأعضاء سواء ما يخص زيادة أو تخفيض الإنتاج.

فيما يتعلق بالقرار الأخير لـ “أوبك بلس” والهجوم الأخير على السعودية، استند تقي هنا على تصريح لوزير الطاقة الإماراتي، الذي قال فيه، إن القرار جاء بناء على معطيات وتحليلات خاصة للحفاظ على سعر البرميل على المستوى العالمي، وما يدل على ذلك أنه هناك تكنيك فني خاص بمواد الطاقة، فقامت الإمارات مع “أوبك بلس” على التخفيض، بحسب تعبيره.

التخفيض المتفق عليه لإنتاج النفط، وفق محمد تقي، “ليس سياسيا، وكما إننا لسنا بمعركة تخص الطاقة، وأن الإمارات لم تستخدم الطاقة في يوم من الأيام، كوسيلة حرب وهي تستخدمها كوسيلة للاستثمار والشراكة بين الدول”، والدليل على ذلك تواجد دول العالم بينهم روسيا والولايات المتحدة في مؤتمر “أديبك” الذي أقيم في الإمارات، وكان يخص الطاقة وتم عقد عدة اتفاقيات فيه.

لطالما كانت الإمارات العربية، شريكا إقليميا استراتيجيا للولايات المتحدة الأميركية، لكنها، على غرار جيرانها الخليجيين الآخرين، تحاول إيجاد توازن في علاقاتها مع تنامي روابطها السياسية والاقتصادية مع موسكو.

اقرأ أيضا: نجاحات أوكرانية متجددة.. هل ينتهي الغزو الروسي قريباً؟

بينما سارع العالم إلى إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، تجنّبت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي الست، وخصوصا السعودية والإمارات، إدانة موسكو بشكل مباشر، داعية إلى حل سلمي.

 الإمارات التي عززت علاقاتها مع روسيا على مر السنين، لم تفرض عقوبات اقتصادية مماثلة للعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على موسكو بسبب غزو أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة