قائمة الأثرياء السنوية التي صدرت أمس الثلاثاء، أظهرت أن ثروات الأثرياء في الصين شهدت انخفاضا كبيرا، بأكبر قدر منذ أكثر من عَقدين، حيث تسببت الحرب الروسية الأوكرانية وإجراءات عدم انتشار فيروس كورونا في بكين وتراجع أسواق الأسهم المحلية في تراجع ثرواتهم.

في قائمة “هورون ريتش” التي تصنّف أغنى أغنياء الصين بصافي ثروة لا تقل عن 5 مليارات يوان ما يقارب (692 مليون دولار)، جاء أن 1305 أشخاص فقط تمكنوا من تحقيق هذا الرقم العام الحالي، بانخفاض 11 بالمئة عن العام الماضي، وبلغ إجمالي ثرواتهم 3.5 تريليونات دولار، بانخفاض 18 بالمئة.

من خلال نظرة فاحصة على قائمة المليارديرات في الصين تكشف عن ثغرة مثيرة للاهتمام وخصوصية إلى حد ما، لا سيما عند مقارنتها بقائمة أميركا، ففي حين أن قائمة الولايات المتحدة كانت مستقرة إلى حد كبير لسنوات عديدة، لا سيما في أعلى القائمة، يتغير الأفراد في قائمة الصين بشكل متكرر، بأسماء جديدة. تظهر على ما يبدو من العدم، والأسماء المألوفة تتغير وتختفي في مقطع مفاجئ، فهل يعود ذلك لتباطء الاقتصاد الصيني أم لسياسية الحزب “الشيوعي” الصيني.

تغيير منهجي؟

الجواب على سؤال لماذا تُظهر قائمة الصين الكثير من حجم التداول، له علاقة بنموذج اقتصاد السوق الاشتراكي للصين، والذي يسمح لسياسات الحكومة الصينية الموجهة نحو الشيوعية، من أعلى إلى أسفل لتوجيه المحرك الرأسمالي القوي في الصين.

الخبير في سياسية الحزب “الشيوعي” الصيني، تيموثي تشيك، أوضح لـ”الحل نت”، أن التقلب في قائمة المليارديرات الصينيين، يعكس قدرة الحكومة المركزية في الصين على إجراء تغييرات حسب تطلعاتها، في تناقض حاد مع الدول الديمقراطية في الغرب.

يمكن للحكومة المركزية في الصين أن تضع وتنفذ سياسات حسب أهوائها حيث تضع في الحُسبان عدم وجود قوى مالية في البلاد دائمة، قبل عشر سنوات، على سبيل المثال، تصدرت قائمة الأثرياء في الصين من قِبل أباطرة العقارات وقادة الشركات العاملين بالأجهزة المنزلية والكهربائية. لكن في عام 2016، أعلنت الحكومة الصينية عن سياسة “الإسكان للعيش وليس المضاربة”، مما قلل بشكل كبير من قدرات توليد الأرباح لقطاع العقارات، وكانت النتيجة انخفاضا سريعا في مرتبة المليارديرات في قطاع العقارات والصناعات ذات الصلة.

بحسب تشيك، يروّج الحزب “الشيوعي” الصيني أن بلاده منخرطة في عملية إعادة التوازن المستمر لاقتصاد السوق الاشتراكي، لذلك اخترع فقاعة إعلامية أسماها “قانون التوازن الديناميكي الصيني”، فمن نواح عديدة فإن الاضطراب في قائمة المليارديرات في الصين ليس مفاجئا، ولا ينبغي أن يكون محيّرا، لأنها “بصمة تركتها اليد القوية للحكومة الاستبدادية في الصين”، حيث تروّج الحكومة أن تعمل كعامل توازن ضروري، عبر إذا أصبحت الشركة كبيرة جدا، فهي بحاجة إلى التدخل لتشجيع المنافسة، لذلك تتغير بشكل دوري قائمة الأثرياء في الصين.

حملة ضد الأثرياء

منذ عام 2021، أمر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، السلطات بتكثيف إعادة توزيع ثروة البلاد وتعديل “الدخل المرتفع بشكل مفرط” وكبح جماح الثروة “المفرطة”، وهي خطوات أضرت بأغنى رواد الأعمال في الصين. حيث تعمل القيادة في عهد شي، على إحكام قبضتها على نخب رجال الأعمال لكبح نفوذهم وأيضا جذب الفقراء والبيروقراطيين، الذين يظل دعمهم ضروريا لحكم الحزب.

وفقا لحديث تشيك، فإنه بالنسبة لأولئك الذين يمارسون الأعمال التجارية في أكبر اقتصاد في العالم، يمثل النظام القانوني الغامض خطرا جسيما عليهم، ففي كل عام يُحتجز ما يقدر بنحو 30 ألف شخص في الصين سرا، غالبا دون توجيه اتهامات علنية، على الرغم من أن العديد من المعتقلين منشقون ونشطاء إلا أنه منذ تولي شي، شددت الصين من رقابتها على الثروة وسلطة الشركات، حيث يبرر الحزب “الشيوعي” ذلك، بأنه يتصدى للفساد والسلوك المناهض للمنافسة والمخاطر المالية.

مدير معهد “الصين” بجامعة لندن، ستيف تسانغ، قال إنه من خلال إبعاد بعض المليارديرات عن الرأي العام، فإن الحزب يبعث برسالة واضحة، إن “تحقيق الثروة هو امتياز وليس حق، كبار رجال الأعمال يمكن أن يستمروا إذا ما حققوا تطلعات الحزب”.

وفقا لتقرير صدر عام 2019 عن مركز “آش” التابع لمدرسة “هارفارد كينيدي”، استحوذت الحكومة الصينية على ما مجموعه 10 شركات مرتبطة بشياو جيان هوا، قطب المال الصيني، ومن بين هؤلاء بنك “باوشانج”، أول بنك يُفلس في الصين منذ عَقدين.

خلال القرن الماضي، كان الثراء في الصين مخالفا للقواعد، واليوم أدت حملة الرئيس شي جين بينغ لمكافحة الفساد إلى رسالة واحدة واضحة، يجب أن تأتي حياة الرفاهية في المرتبة الثانية بعد الولاء للحزب “الشيوعي”. وكل هذا أدى لأن تنتج الصين المليارديرات بشكل أسرع من أي دولة في العالم.

أكبر انخفاض في قائمة الأثرياء

هذا العام ووفقا لقائمة “هورون ريتش” انخفض عدد الأفراد الذين لديهم 10 مليارات دولار أو أكثر بمقدار 29، وانخفض عدد المليارديرات بمقدار 239 إلى 946 هذا العام، حيث قال روبرت هوجويرف، رئيس مجلس الإدارة وكبير الباحثين في شركة الأبحاث “هورون ريبورت” التي تعد هذه القائمة، “لقد شهد هذا العام أكبر انخفاض في قائمة هورون للأثرياء في الصين خلال الـ 24 عاما الماضية”.

الحملة التنظيمية التي استمرت عامين والتي طالت أكبر الأسماء التكنولوجية في الصين مثل مجموعة “علي بابا” و”تينسنت” القابضة، والمخاوف من أن الرئيس شي جين بينغ، سيضحي بالنمو الاقتصادي من أجل أيديولوجية الحزب، أثرت أيضا على ثقة المستثمرين، فيما استبعد الخبير في سياسية الحزب “الشيوعي” الصيني، أن تكون التوقعات الاقتصادية العالمية بشدة بالحرب في أوكرانيا وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين سببأ رئيسيا على الانخفاض في قائمة أثرياء الصين.

 أكبر التغيرات أصابت سيدة الأعمال يانغ هويان، المساهمة الرئيسية في شركة “كنتري غاردن هولدينغز” التي تعاني مشاكل ديون، شأنها شأن شركات التطوير العقاري الأخرى في الصين، إذ انخفضت ثروتها 15.7 مليار دولار.

كما سجل بوني ما مؤسس “تينسنت” ثاني أكبر انخفاض في الثروة بقيمة 14.6 مليار دولار، وسط تراجع أسعار أسهم التكنولوجيا، ليحتل المركز الخامس في القائمة.

فيما كان تشونغ شانشان، صاحب شركتي “نونغفو سبرينغ” لتعبئة المياه، و”بكين وانتاي بيولوجيكال فارمسي إنتربرايز” لتطوير اللقاحات، وهما شركتان مدرجتان في البورصة؛ قد احتل المرتبة الأولى في القائمة للعام الثاني على التوالي، بثروة نمت 17 بالمئة لتصل إلى 65 مليار دولار.

أما شانغ يي مينغ، مؤسس “بايت دانس” مالكة “تيك توك”، جاء في المرتبة الثانية، لكن ثروته انخفضت 28 بالمئة إلى 35 مليار دولار، بسبب تراجع تقييم بايت دانس. وفي المرتبة الثالثة جاء زينغ يوكون، رئيس شركة “سي إيه تي إل” العملاقة للبطاريات. وتهاوى مؤسس “علي بابا”، جاك ما وعائلته 4 مراكز، ليحتلوا المرتبة التاسعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.