خلال إعلان الحزب “الشيوعي” الصيني، فوز شي جين بينغ، بمنصب الأمين العام لولاية ثالثة، في المؤتمر الوطني العشرين للحزب والذي يُقام كل خمس سنوات، وهي خطوة تمهّد لإعادة انتخابه رئيسا في آذار/مارس المقبل، فضلا عن الإجراءات التي أقرّها الحزب خلال المؤتمر والتي تعزز سلطة جين بينغ، أعاد للأذهان كيف سيطر حزب “البعث” على سوريا بعد إعلانه عما أسماه “الحركة التصحيحية”، عام 1970 وسيطر على البلاد متفردا بها حتى هذا اليوم.

يُنظر إلى فترة ولاية ثالثة لزعيم الصين جين بينغ، على نطاق واسع على أنها نتيجة مفروضة، إذ لم يكن مفاجئا لأحد تماما، أن يؤمّن الرئيس الصيني فترة ولاية ثالثة على رأس الحزب “الشيوعي” الصيني، في مؤتمر الحزب العشرين هذا الأسبوع. ويقلب الانتصار السياسي الذي حققه شي، الذي استغرق صنعه شهورا، إن لم يكن سنوات، الطاولة على قوانين الحزب السابقة التي كانت تحصر القادة الصينيين على فترتين متتاليتين من الحكم لمدة خمس سنوات. لكن خرق القواعد، حجز للصين مكانا ضمن حلفائها من الدول الدكتاتورية.

من جهة أخرى، وفي حين أن معظم وسائل الإعلام ركزوا على مؤتمر الحزب في الخريف، إلا أن الاجتماع السري لاتخاذ القرار الحقيقي، هو الاجتماع السنوي لشيوخ الحزب “الشيوعي” الصيني ومسؤولي الحزب رفيعي المستوى لانتخاب لجنة مركزية جديدة. وعلى الرغم من إبعاد شيوخ الحزب الشيوعي الصيني، الذين يتمتعون بسلطة هائلة على التعيينات، عن الجماهير التي يُفترض أنهم يمثلونها إلا أن الرئيس الصيني الحالي، استطاع أن يقر تعديلات على ميثاق الحزب وترسيخ مكانته الشخصية داخل البلاد.

إمبراطور الصين الأبدي

في أحد أكبر العبارات التي شهدت تصفيقا حارا في الخطاب، تعهد شي، بأن الحزب الذي احتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه العام الماضي ويتولى السلطة منذ عام 1949، أنه “لن يتخلى أبدا عن استخدام القوة لتحقيق التوحيد، وسيتخذ جميع الإجراءات اللازمة لوقف كل الحركات الانفصالية”.

دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، أعضاء الحزب “الشيوعي” البالغ عددهم 97 مليونا إلى تقوية أنفسهم لـ “وقت حرج” في تاريخ البلاد، حيث افتتح مؤتمرا سيعزز مكانته باعتباره أقوى حاكم لها منذ البطل الثوري، ماو تسي تونغ.

في خطاب استمر قرابة ساعتين في قاعة الشعب الكبرى في بكين يوم الأحد الفائت، قال شي، إن “مهمة الحزب مجيدة لا مثيل لها” حيث حدد أهدافا تتراوح من “حرب شعبية شاملة” ضد وباء كوفيد -19، وتحقيق توحيد الصين وتايوان.

النظام السياسي الصيني بات يتمحور حول شي، الذي يرأس الدولة والجيش والأهم من ذلك الحزب “الشيوعي” الصيني، وكان ذلك ظاهرا منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، حيث شدد شي قبضة الحزب على الدولة والمجتمع، وهمش الخصوم السياسيين وقضى على المعارضة.

على مر السنين، أحاط شي، الذي أطلق عليه الحزب زعيما “أساسيا” في عام 2016 ، نفسه بشكل متزايد بأشخاص من غير المرجح أن يتحدوه أو يتحدوا سياساته، حيث قال الخبير في التاريخ الصيني والسياسة في مركز “فيربانك” للدراسات الصينية بجامعة “هارفارد”، جيمس جيثين إيفانز، “ما بدأنا نراه هو نوع من تقويض الكثير من القواعد، الرسمية وغير الرسمية، التي وضعها أسلافه لصالح تعيين حلفائه في المناصب العليا”.

الجدير ذكره، أنه في عام 2018، قاد شي، عملية إلغاء قيود الفترة الرئاسية على القادة، مما مهد الطريق له ليصبح زعيما مدى الحياة. لقد ضمنت عمليات التطهير المكثفة للمعارضين التي أُجريت تحت داعية “ضد الفساد” خلال فترة ولايته، والتعديلات السياسية التي أُجريت هذا الأسبوع، وجود القليل من المعارضة داخل الحزب، هذا إن وجدت.

نفي القادة المعتدلين

في لحظة من الدراما غير المتوقعة في آخر يوم للمؤتمر، تم اصطحاب الرئيس السابق للحزب هو جينتاو، الذي كان يجلس بجوار شي، إلى خارج القاعة دون تفسير، وذلك بعد وقت قصير من دخول الصحفيين الأجانب لقاعة المؤتمر. وفي طريقه للخروج، وضع هو جينتاو، يده كتف لي.

كانت سيطرة شي، المشددة واضحة بالفعل مع اختتام المؤتمر، حيث وافق حوالي 2300 مندوب بالإجماع على تقارير العمل، بالإضافة إلى التعديلات على ميثاق الحزب، والتي يمكن أن تُزيد من سلطة شي.

كما انتخبوا لجنة مركزية من 205 أعضاء مكدّسة بالموالين لشي، ولم تعد تضم قادة أكثر اعتدالا، حيث استبعد الحزب “الشيوعي” الصيني رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، و3 مسؤولين كبار من قيادة الحزب، وذلك في ختام مؤتمره الـ 20 الذي عُقد في ظروف إقليمية ودولية حساسة.

وانتخب الحزب السبت الفائت، لجنة مركزية جديدة لا تضم رئيس الوزراء، لي كه تشيانغ، ولا عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وانغ يانغ، في تحرك قال محللون، إنه يشير إلى أن اللجنة الدائمة من المرجح أن تكون ممتلئة بالموالين للرئيس شي جين بينغ.

وعيّن شي، حلفاء له بين الأعضاء السبعة في اللجنة الدائمة التي تُمسك بزمام السلطة الفعلية في الصين، ومن بينهم لي كيانغ رئيس الحزب في شنغهاي، ودينغ شويشيانغ رئيس مكتب شي جين بينغ، ولي شي رئيس حزب مقاطعة غوانغدونغ، وفق مشاهد بثها التلفزيون الرسمي من قصر الشعب في بكين.

من بين قادة العالم الأوائل الذين هنأوا شي، كان زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين أعلنا لشي، عن شراكة لا حدود لها في وقت سابق من هذا العام. وقال بوتين، بحسب بيان لـ”الكرملين” أمس الأحد، إن “نتائج مؤتمر الحزب تؤكد تماما سلطتك السياسية العليا، فضلا عن وحدة الحزب الذي تقوده”.

بصفته العضو الثاني بعد شي، من المرجح أن يتم تعيين لي تشيانغ، سكرتير الحزب في شنغهاي، رئيسا للوزراء المقبل عندما يتنحى لي كه تشيانغ، عن رئاسة الوزراء، وبذلك يضمن شي، عدم وجود معارضة له في مراكز الحكم الرئيسية.

النساء خارج قائمة شي

في خطابه الافتتاحي لمؤتمر الحزب في 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قال شي، إنه لا يزال “ملتزما بالسياسة الوطنية الأساسية للمساواة بين الجنسين”. لكن بعد الانتخابات الجديدة ضمن المؤتمر الذي عُقد على مدى الأسبوع الفائت، بقيت 11 عضو من النساء فقط من أعضاء اللجنة المركزية الجديدة البالغ عددهم 205، ولا توجد امرأة واحدة في المكتب السياسي الجديد المكوّن من 24 عضوا، حيث تقاعدت العضوة الوحيدة السابقة في المكتب السياسي، سون تشونلان، عن عمر 72 عاما.

مدير برنامج الصين في مركز “ستيمسون”، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن، يون صن، ذكر أن “السياسة بالعرف التقليدي الصيني تعتبر مهنة يهيمن عليها الذكور، وإذا نظرت إلى 5000 عام من التاريخ الصيني، لم يكن هناك سوى إمبراطورة واحدة أو إمبراطور أنثى، وكان يُنظر إليها على أنها حالة شاذة”.

من جهتها، قالت مساعدة البرامج في مركز “ويلسون” بواشنطن، روي تشونغ، إن افتقار الصين للتمثيل النسائي يرجع إلى عدم تقدم المرأة بدرجة كافية في السُّلم السياسي لتتولى المناصب العليا. تميل النساء اللواتي يترقين إلى منصب نائب رئيس مجلس الدولة إلى تحمل مسؤوليات “أخف”، مثل الصحة والتعليم والرياضة.

التفاوت بين الجنسين يخترق مستويات متعددة من السياسة الصينية، حوالي ثلث أعضاء الحزب “الشيوعي” الصيني البالغ عددهم 96 مليونا هم من النساء، لكن عدد قليل من النساء خدمن في المكتب السياسي، ووفقا لتقرير صادر عن لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية، لم تعمل أي امرأة على الإطلاق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي.

لكن وجود المزيد من النساء في القيادة لن يغير بالضرورة وضع النساء في الصين، حيث قامت الحكومة بقمع النشاط النسوي، وشجعت النساء على تبني أدوار أكثر تقليدية.

ولاية شي الثالثة تهدد حقوق الصينيين

من بين التعديلات التي أُدخلت على ميثاق الحزب، النص على أن شي، هو الزعيم “الجوهري” للحزب، وترسيخ أفكاره كمبادئ توجيهية للتنمية المستقبلية للصين، وتأكيد “الموقع المحوري” لشي، داخل الحزب وسلطة الحزب المركزية في الصين.

كشفت القرارات التي أُعلنت يوم السبت الفائت، عن تغييرات دستورية كرست الرئيس شي، للفرد وفكره السياسي على أنهما جوهر الحزب الشيوعي الصيني وأيديولوجيته، مما أثار مخاوف من تنامي “عبادة الشخصية” للرئيس الحالي، شي.

وجاء في قرار تم تبنّيه بإجماع المندوبين قبيل اختتام المؤتمر في بكين، وتضمّن تعديلات لميثاق الحزب؛ أن على أعضاء الحزب البالغ عددهم نحو 97 مليونا أن “يدعموا الدور المحوري للرفيق شي جين بينغ داخل اللجنة المركزية للحزب والحزب بمجمله”.

وتمت الموافقة على التعديلات برفع الأيدي في قاعة الشعب الكبرى الشاسعة، حيث جرت معظم وقائع مؤتمر الحزب الأسبوع الماضي خلف أبواب مغلقة.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” قالت في أحدث تقاريرها، إن “فترة ولاية الرئيس شي الثالثة التي تعد خرقا للدستور، تنذر بالسوء بالنسبة لحقوق الإنسان في الصين وحول العالم”. ومن وجهة نظرها فإن ولاية شي، الجديدة ستقلص مساحة ونشاط المجتمع المدني أكثر في الصين، مطالبة المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات تبعية لتقييد انتهاكات شي.

وفقا لتقرير المنظمة الصادر في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، فإنه في السنوات العشر منذ وصول شي، إلى السلطة في أواخر عام 2012، قضت السلطات على المجتمع المدني الصيني، وسجنت العديد من منتقدي الحكومة، وفرضت قيودا شديدة على حرية التعبير، ونشرت تكنولوجيا المراقبة الجماعية لمراقبة المواطنين والسيطرة عليهم.

الاضطهاد الثقافي الذي تمارسه السلطات والاعتقال التعسفي لمليون من الإيغور وغيرهم من المسلمين، وانتهاكات أخرى منذ عام 2017 تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية. في هونغ كونغ، فرضت الحكومة تشريعا صارما للأمن القومي في عام 2020، وقامت بشكل منهجي بتفكيك حريات المدينة. كل هذا جعل من الصعب على المواطنين مساءلة الحكومة، ولا يوجد مجال لهم للمشاركة في صنع القرار الحكومي.

في جميع أنحاء الصين، شارك العديد من الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي قصصا عن نقص الوصول إلى الغذاء والدواء والضروريات الأخرى بسبب الصعوبات المالية. فقد الكثيرون وظائفهم أثناء الوباء بينما أدت عمليات الإغلاق إلى ارتفاع أسعار الخضروات والمواد الغذائية الأخرى.

بعد انتزاع شي جين بينغ، ولاية ثالثة دون أي معارضة، يبدو أنه من غير المرجح أن تغير الصين مسارها بشكل كبير، ومن غير المرجح أن تعود نظرة العالم إلى الصين إلى حالتها قبل عام 2018، إذ لن تتوقف الصين عن السعي للعب دور متزايد باستمرار في العالم، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى دورها المتنامي والمتوسع، حيث تنتهج الدولة ما وصفه أحد العلماء الصينيين البارزين بـ “معضلة الصعود”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.