أنماط الاحتجاج وشعاراته تنوعت في إيران خلال أحدث موجة احتجاجات عامة تشهدها البلاد منذ 17 أيلول/سبتمبر الماضي، إثر وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء احتجازها لدى الشرطة الإيرانية بادعاء “سوء الحجاب”، وانتشرت ظاهرة كتابة الشعارات المنددة بالنظام على الجدران واللوحات الإعلانية، والهتافات من فوق المباني السكنية، ورسوم الغرافيتي للمحتجين، لكن مع نهاية الشهر الماضي، بدأت ظاهرة احتجاج جديدة، حيث انتشرت فيديوهات على شبكات التواصل الاجتماعي لإسقاط عمائم رجال دين، في خضم الاحتجاجات المناهضة للنظام.

مقاطع الفيديو غير المألوفة برزت في بلد محكوم من قِبل رجال الدين منذ أكثر من 40 عاما، وانتشر وسم “عمامة_ پرانی” (العمامة عفا عليها الزمن) بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي مرفقا بمقاطع مصورة يظهر خلالها رجال دين يمشون في الشوارع ومن ثم يقوم شاب أو فتاة بإسقاط عمامته أرضا.

رسائل من الشباب الإيراني

مراقبون ونشطاء يرون أن الشباب الإيراني يريد إيصال عدة رسائل من خلال التحركات التي يقوم بها ضد رجال الدين، فرجال الدين هم جزء من السلطة، بل أن السلطة الحقيقية بيدهم، وبالتالي هناك شرخ بينهم وبين الشباب الإيراني المتطلع للحرية، واستهداف رجال الدين بهذه الطريقة هو تعبير عن رفض وجود الملالي ومحاولة الاستهزاء بهم.

الاحتجاجات في إيران ساهمت في كسر حاجز الخوف عند الشباب إلى حدّ بعيد في إيران، الذين بدأوا يتحدون النظام ورموزه رغم القمع والاعتقالات وإصدار أحكام الإعدام واتهامهم بالتجسس لصالح قوى خارجية.

تنامي ظاهرة خلع الحجاب في إيران “وكالات”

الشباب الإيراني يتعمد تصوير ونشر المقاطع التي تُظهر الاستهزاء برجال الدين حتى يكسروا حاجز الخوف والقدسية التي خلقها النظام حول رجال الدين، بحسب المراقبين الذين لفتوا إلى أن هذا الحاجز بدأ يتآكل وبدأت التحديات تزداد ضدهم من قِبل الشباب، حتى باتت إهانتهم في الشوارع أمرا طبيعيا.

أيضا أظهرت الاحتجاجات التي اندلعت عقِب وفاة أميني في 16 سبتمبر تحدي العديد من الشباب الإيراني للقيادة الدينية، والتغلب على الخوف الذي خنق المعارضة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، حيث تعكس الاحتجاجات ما يعتبره كثيرون من شباب إيران مستقبلا مظلما لبلد يحكمه محافظون يسعون لتشديد الضوابط الاجتماعية الصارمة وتقييد الحريات.

تعليقا على حملة الاستهداف ضد رجال الدين في إيران، كتبت الناشطة الإيرانية المعروفة، مسيح علي نجاد، والمقيمة في نيويورك، في صفحتها على تويتر، أن “إسقاط عمائم رجال الدين في إيران تحولت إلى روتين يومي للمراهقين الإيرانيين بعد مقتل مهسا أميني”، وأضافت، أن شباب وشابات إيران عمدوا لاستهداف رجال الدين بهذه الطريقة من أجل “إظهار غضبهم” من النظام الحاكم في البلاد.

إقرأ:إيران ترفع حالة التأهب في أكثر من 50 مدينة.. ما القصة؟

المطالبة بسقوط “الجمهورية الإسلامية”

وفاة أميني أصبحت رمزا للعديد من المظالم المتنوعة في المجتمع الإيراني، مما دفع بعض المحتجين للمطالبة بسقوط نظام “الجمهورية الإسلامية”، ولأول مرة، نزلت فتيات المدارس إلى الشوارع مع آلاف الإيرانيين من جميع الفئات، بما في ذلك الأقليات العرقية.

قوات الأمن ومنذ بداية المظاهرات، تصدت للمتظاهرين بضراوة، مما أسفر عن مقتل 300 على الأقل، بينهم 45 قاصرا، وإصابة المئات واعتقال الآلاف، وفقا لمنظمات حقوقية، وكردّ على العنف الأمني، أظهرت صور ومقاطع مصورة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تلميذات يمزقن صور المرشد الأعلى علي خامنئي ومؤسس الثورة الإسلامية عام 1979 الراحل الخميني، ويحرقن حجابهن ويطحن بعمائم رجال الدين في الشوارع.

مراقبون إيرانيون يرون أنه “عندما تدخّل رجال الدين في المسائل السياسية باتوا رجال سياسة وليسوا رجال دين، وبالتالي الشباب يستهدفونهم، لأن السياسي يجب أن يتحمل النقد والهجوم، مضيفين أن المواطنين في إيران ينظرون لرجال الدين على أنهم رجال سلطة، وباتوا غير محترمين داخل المجتمع الإيراني كما في السابق”، كما أن الشعب الإيراني يرى أن الأوضاع المزرية والقمع والجوع الذي يعاني منه حصل باسم العمائم وتحت حكم رجال الدين.

حول استهداف رجال الدين، يؤكد المراقبون أن الاستهداف الحاصل لرجال الدين في إيران ليس شخصيا أو عقائديا، بل أن الإيرانيين يرون أن العمامة تمثل رمز السلطة وليس الدين، لافتين إلى أن الشباب الإيراني يعي تماما أنه بدون تقديم التضحيات لن يسقط النظام، ومذكّرين بأن القانون الإيراني قاسي جدا تجاه هذه الأفعال التي تستهدف رجال الدين، من خلال توجيه تهمة إهانة المقدسات وهي تهمة كبيرة في القانون الإيراني.

ظاهرة سيكولوجية

من خلع الحجاب إلى إسقاط العمائم، ظاهرة بدأت تتنامى في إيران، وتبدو الظاهرة مرتبطة بسيكولوجيا الجماهير التي تتجمع بشكل غير مقصود وتُشفي غليلها الثوري في استهداف الرموز الدينية أو السياسية أو رموز الدولة (مبان ومؤسسات) وهو أمر تجلى بشكل أوضح في المدن الإيرانية المنتفضة والتي تحوّل فيها قسم كبير من جماهير الانتفاضة إلى التشفي بتمزيق الحجاب أو خلعه أو بإسقاط عمائم المعممين لا بإسقاط المعممين ذاتهم.

مراقبون يرون، أنه ليس في استهداف العمائم ولا الحجاب استهداف للدين أو تمرد عليه بقدر ما هو تمرد على مؤسسة دينية وظّفت الدين لإحكام قبضتها على رقاب الناس، وللتحكم في كل مناحي الحياة بالأمر وبالقمع وبكل وسائل لا تجعل الجماهير تخرج عن فلك تلك المؤسسة، التي أرست قواعدها “ثورة إسلامية”، على جماجم عشرات آلاف المعارضين حتى ممن كانوا من أنصار تلك الثورة.

رجال الدين في عدة مدن إيرانية باتوا يتحركون دون العمامة التي تميزهم عن سائر الناس، والتي شكلت لعقود رمزا دينيا مميزا يعرف المرء من خلالها حتى في خارج إيران، أكان من يرتديها سنّيا أم شيعيا.

الأمر اللافت أن الأمر يتعلق بخوف من أن يكون هدفا للجماهير الغاضبة التي تمردت على الرموز الدينية، لكن لم يحدث ما يشير إلى نية قتل أو تنكيل برجال الدين وكان الأمر يقتصر على إسقاط العمامة كتعبير عفوي لدى المنتفضين ضد المؤسسة الدينية، وكتصرف خطير بالنسبة لرجال الدين الذين يرون في تلك الحركة على عفويتها خطرا يتهددهم، ليس في شخصهم بل في ما يمثلونه، ولم تأخذ قضية خلع الحجاب أو تمزيقه أهمية لدى رجال الدين، أكثر من تلك المتعلقة باضطرارهم للتخلي عن ارتداء عمائمهم بعد أن انتشرت مقاطع فيديو لمحتجين ينزعون عن أحد رجال الدين عمامته.

اعتراف بتلقي الضربة!

في علامة على قلق ينتاب المؤسسة الدينية في إيران من تنامي الاحتجاجات وتنامي ظاهرة إسقاط عمائم رجال الدين الشيعة، أقر رسول سنائي، المساعد السياسي في مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي للتوجيه السياسي والعقائدي، بأن “النظام لم يسقط، لكننا تلقينا ضربة”.

سنائي أضاف يوم السبت الماضي في برنامج تلفزيوني، “إننا اليوم نواجه ظاهرة اجتماعية متعددة الأبعاد ومتعددة الطبقات… كان لدينا بعض الإهمال. بما في ذلك خلال عصر كورونا والاستخدام المفرط للفضاء السيبراني من قِبل الشباب والمراهقين”.

بحسب مراقبين، فإنه طالما أن الثائرين في إيران لم يصلوا إلى إسقاط من يرتدي العمامة من رموز النظام الديني السياسي، فإن إسقاط العمامة أخذ لديهم بُعدا أكبر في رمزيته أيضا فكأنما بإسقاط العمامة عن مرتديها، إسقاطا للنظام بما يتخفى خلفه أو فيها تحت عباءة الدين.

المظاهرات في إيران “وكالات”

من جهة ثانية فإن الأمر مقلق ولافت حتى خارج إيران فقد حذّر الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر من تنامي إسقاط العمائم في المدن الإيرانية التي تلتقي مع العراق في الرموز ذاتها التي توحد مظهر رجال الدين في البلدين، وذهب الصدر إلى تفسيرات دينية أكثر من تشخيصه للظاهرة من مغزاها السياسي، محذرا من انتقال ظاهرة إسقاط عمائم رجال الدين وحملة خلع الحجاب من إيران إلى دول أخرى. وقال، إن “هذا الهجوم ضد رجال الدين والحجاب قد يمتد إلى دول أخرى”.

الصدر، أضاف في بيان مطول نشره على حسابه بتويتر، إن الأخطر هي الهجمة الشرسة ضد الإسلاميين وضد المعمّمين وحملة خلع العفة والحجاب في الجمهورية الإسلامية وقد تعمّ باقي الدول وقد يعم إسقاط العمائم إلى إسقاط الحجاب من رؤوس المحجبات العفيفات.

أما النائب البرلماني الإيراني، محمد تقي نقد علي، أشار إلى ظاهرة إسقاط العمائم في المدن الإيرانية معتبرا أن هذه الظاهرة “مؤامرة شيطانية”. وأضاف، “قد يتحمل رجال الدين مثل هذه الأفعال، لكن على من يقومون بها ويلعبون بذيل الأسد أن يعلموا أنهم سيدفعون الثمن”.

تهديدات مستمرة وتصاعد في المظاهرات

يوم أمس الخميس، اندلعت احتجاجات في شوارع إيران، في ذكرى مرور أربعين يوما على قتل قوات الأمن عشرات المتظاهرين، بجنوب شرق البلاد، رغم تهديدات وزير المخابرات وقائد الجيش المتجددة للمعارضة المحلية.

مع عودة المتظاهرين الآن إلى الشوارع لإحياء ذكرى الأربعين لقتلى الاحتجاجات السابقة، وهي مناسبات شائعة في إيران والشرق الأوسط، قد تتحول الاحتجاجات إلى مواجهات دورية بين الجماهير التي تشعر بخيبة أمل متزايدة وقوات الأمن، التي تعمد إلى مزيد من العنف لقمعها.

مقاطع مصورة ظهرت على الإنترنت من إيران، رغم جهود الحكومة لوقف خدمات الإنترنت، ويبدو أنها تظهر مظاهرات في طهران، العاصمة، وكذلك في مدن أخرى من البلاد، بالقرب من أصفهان، استخدمت قوات الأمن، الغاز المسيل للدموع وسط صيحات “الموت للديكتاتور”، وهو هتاف شائع في الاحتجاجات التي تستهدف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بحسب تقارير صحفية.

المظاهرات، ذكرى حملة 30 سبتمبر في زاهدان، وهي مدينة في محافظة سيستان وبلوشستان، قال نشطاء إن قوات الأمن قتلت فيها ما يقرب من 100 شخص في أكثر أعمال العنف دموية خلال المظاهرات.

إقرأ أيضا:الموقف الأميركي تجاه إيران.. دعم الانتفاضة أم التوافق النووي؟

مظاهرات متنامية وسط عدم قدرة من السلطات الإيرانية على إيقافها حتى الآن، وعلى الرغم من أن المتظاهرين يدركون أن النظام الإيراني قادر على استخدام المزيد من القوة إلا أنهم يصرّون حتى الآن على استمرار ما باتوا يعتبرونها ثورة لإسقاط نظام “الملالي” الذي يقود بلادهم في نفق مظلم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة