نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، إلياس بوصعب، دعا للتواصل بشكل مباشر وعلني مع حكومة دمشق، ومن دون خجل، أو إدخال للخلافات السياسية والإقليمية، في سبيل ترسيم الحدود البحرية بين سوريا ولبنان، وفي حديث إلى وكالة “فراس برس”، قال بوصعب، الذي قاد المفاوضات من الجانب اللبناني مع إسرائيل، والتي أفضت لترسيم الحدود بين الطرفين، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بوساطة أميركية، “علينا التواصل مع الدولة السورية علنا، وأن نرسم الحدود البحرية علنا، على أي حكومة قادمة أن تنفذ هذه المهمة”.

بوصعب أضاف أن الخلاف بين البلدين قد يكون على أكثر من 800 كيلومتر مربع، وربما أكبر من المنطقة التي كانت مثار تنازع مع إسرائيل، على اعتبار أن سوريا ولبنان تعتمدان طريقتين مختلفتين لترسيم الحدود، ولا يمكن التنقيب في بعض المناطق من المياه الاقتصادية (بلوك 1، وبلوك 2)، قبل التوصل لاتفاق وترسيم حدود مع سوريا.

في الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كلف الرئيس اللبناني المنتهية ولايته، ميشال عون، وفدا رسميا يضم كلا من، نائب رئيس مجلس النواب، ووزيري الخارجية، عبد الله بوحبيب، والأشغال والنقل، علي حمية، ومدير الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، بزيارة دمشق وبحث ملف ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، لكن حكومة دمشق قامت بتأجيل الزيارة لأجل غير مسمى، بحجة أن المسؤولين في دمشق لديهم انشغالات ولا يمكنهم استقبال الوفد اللبناني في اليوم الذي أعلن فيه اللبنانيون سيكون يوم الزيارة.

ردة فعل حكومة دمشق، تدفع لإثارة التساؤلات، حول المماطلة في عملية ترسيم الحدود، وهل هذه المماطلة قرار سيادي سوري أم لا، وأيضا حول الدور الروسي في أي مفاوضات في المستقبل حول الموضوع ومن المستفيد من هذا الترسيم.

هل تماطل دمشق في ترسيم الحدود؟

القرار من حكومة دمشق بإرجاء زيارة الوفد اللبناني برئاسة إلياس بو صعب، نائب رئيس مجلس النواب، أثار سجالا ببيروت، أعقبه توضيح من السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي الذي قال عقب زيارته الرئيس السابق ميشال عون، “إن الزيارة تأجلت ولم تلغَ، وهناك لبس حول تشكيل وفد لبناني إلى سوريا وكيفية تبلّغ الخارجية السورية بطلب الزيارة بوقت متأخر، ومن ثم إعلان السلطات اللبنانية عن موعد الزيارة قبل مناقشته مع سوريا”.

المنطقة الحدودية البحرية بين لبنان وسوريا “وكالات”

مراقبون يرون أن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تحمل أبعادا تاريخية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية، وتعود إلى ما قبل عهد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في البلدين اللذين تربطهما علاقة حافلة بالتعقيد والصراع، حتى إن البعض يتهم حكومة دمشق بالتعاطي مع لبنان كمقاطعة تابعة لها.

بينما يجد آخرون أن أولوية دمشق قبل البت بأي ملف حساس كترسيم الحدود تكمن في دفع بيروت إلى تصحيح علاقاتها معها، وتجاوز حقبة المقاطعة وما تعتبره حكومة دمشق خضوع لبنان للضغوط الغربية.

فاطمة عثمان، الصحفية اللبنانية، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أن هناك عدة أسباب للمماطلة من قبل حكومة دمشق، تتعلق بهذه الحكومة بحد ذاتها، أهمها أنها تسعى للاستفادة بأكبر قدر ممكن من المساحة البحرية المشتركة بين البلدين، كما أن رفض حكومة دمشق لاستقبال الوفد اللبناني بحجة الانشغال، هي رسالة واضحة للسلطات اللبنانية بأنها لا تعترف بلبنان ككيان مستقل.

من جهته، الخبير الاقتصادي السوري، رضوان الدبس، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن مماطلة دمشق في ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان تنطلق من سياسة ألا يكون هناك صفر مشاكل، فحكومة دمشق لا ترغب بوجود أي استقرار بل أن يكون هناك مشاكل تتم إثارتها ويتم تداولها دون أن تُحَل، إضافة إلى عدم استقلالية القرار السوري المرتبط بإيران وروسيا.

ما هو الدور الروسي في عملية الترسيم؟

في آذار/مارس من العام الماضي، صادقت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، على عقد مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية السورية بالبحر الأبيض المتوسط.

وفي حزيران/يونيو من العام الحالي، أعلنت روسيا أنها مستعدة للوساطة بين سوريا ولبنان بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وقال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، في حديث لوكالة “ريا نوفوستي” الروسية، في ذلك الوقت، إن بلاده جاهزة للتدخل في هذه القضية إذا استدعت الحاجة ذلك، وأضاف “بالنسبة إلى الحدود اللبنانية السورية على وجه الخصوص، نعم هناك رغبة من الجانب اللبناني بوساطة روسيا، وسنحاول بطبيعة الحال العمل في هذا الاتجاه”.

أيضا وفي نفس الشهر، دعا وزير الدفاع اللبناني، إلياس بوصعب، روسيا إلى القيام بدور في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، مضيفا أنه نتيجة وجود الروس في المنطقة، سيكون ترسيم الحدود البحرية مصلحة لروسيا، ومن الممكن أن تقوم بدور إيجابي لتسريع المهمة.

عثمان، ترى أن أنه لا يوجد دور روسي حاليا في عملية ترسيم الحدود، ولكن يمكن أن تتدخل روسيا في المرحلة القادمة في هذا الموضوع، فهي تسعى لأن تكون قطبا فاعلا في المنطقة ووسيطا قادرا على حل مثل هذه الأوضاع، وهي المستفيد بالدرجة الأولى لأن أي عمليات تنقيب للغاز ستكون من نصيب الشركات الروسية، ويمكن أن تنجح بهذه الوساطة لسيطرتها على قرار دمشق من جهة، ولأن من يحكمون في لبنان وخاصة من يتولون ملف الحدود هم من أتباع حكومة دمشق.

رضوان الدبس، يشير إلى أن دمشق اليوم ليست قادرة على اتخاذ أي قرار في موضوع الترسيم، قهي ترتبط بإيران وروسيا، وروسيا بشكل خاص تسيطر على كل ما يتعلق بالاقتصاد السوري، كما تسيطر على الساحل السوري بجميع تفاصيله، سواء الموانئ أو التجارة وحتى الغاز والنفط الموجود في “البلوكات” السورية.

لذلك روسيا تسعى للسيطرة على كل شيء يتعلق بسوريا، وليس فقط على الغاز الذي لا يشكل كميات كبيرة في هذه المنطقة، فهي تعمل لمصلحتها، وأي مفاوضات ستحصل في المستقبل لترسيم الحدود اللبنانية السورية، ستكون بتوافق بين روسيا وإسرائيل، أما سوريا ولبنان فلا يملكون أي قرار، ولن يستفيد الطرفان وشعوبهما من أي شيء.

أما بالنسبة لإيران، فهي طرف مع “حزب الله” والحكومة اللبنانية في موضوع ترسيم الحدود مع سوريا، ولكن ليس لديها القوة والقدرة للتدخل في فرض عملية الترسيم بسبب سيطرة روسيا على الملف، ولو تمكنت إيران من ذلك لدفعت الأمور للحل والترسيم وأتبعت الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، باتفاق لبناني سوري.

الخلاف الحدودي بين لبنان وسوريا

جذور التداخل الحدودي برا وبحرا بين لبنان وسوريا، تعود إلى ما قبل عهد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في البلدين (1920-1943)، حين كانا يخضعان لحكم المفوض السامي الفرنسي، وكانا منطقة انتدابية واحدة لفرنسا.

فرنسا في ذلك الوقت لم تحدد النقاط التي تبدأ منها وتنتهي حدود كل من لبنان وسوريا، وكانت سوريا تعد لبنان جزءا منها، مقابل وحدة جمركية ونقدية واقتصادية شاملة فتحت الحدود بينهما، وبعد نهاية الانتداب الفرنسي لم يأخذ أي طرف مبادرة جدية لترسيم الحدود بحرا وبرا، علما أن الحدود محددة بالدستورين اللبناني والسوري، وغير مرسمة على الأرض.

خارطة توضيحية للحدود البحرية بين لبنان وسوريا “وكالات”

أما قضية الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية من الجهة الشمالية اللبنانية فتعود إلى العام 2011، أي تاريخ الخلاف بين لبنان وإسرائيل، حين أصدرت الحكومة اللبنانية في عهد رئيسها الأسبق، فؤاد السنيورة، المرسوم رقم 6433، ورسّم من جانبه الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل والشمالية مع سوريا والغربية مع قبرص، فاصطدم أيضا بالترسيم الذي حددته حكومة دمشق.

دمشق من جهتها، رفضت الإحداثيات الواردة في المرسوم الحكومي اللبناني واعتبرتها غير ملزمة لها، لذلك تقيّد لبنان بمبدأ الخط الوسطي الذي تنص عليه معاهدة قانون البحار في عام 1982، أما سوريا وهي ليست عضوا بالاتفاقية فاعتمدت خطا مستقيما يجعل ما بين 750 كيلومترا مربعا وألف كيلومتر مربع متداخلة بحرا مع لبنان، فصارت منطقة بحرية متنازعا عليها. وفي 2017 حدد لبنان مجاله البحري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بـ 10 “بلوكات” وأن “البلوكين” الشماليين 1 و2 يقعان مع الحدود السورية البحرية وجزء منهما يتداخل مع البلوك رقم 1 السوري ويصيب المنطقة التي تتجاوز 750 كيلومترا مربعا.

خلال سنوات الحرب في سوريا، ازدادت الأمور تعقيدا خاصة مع التدخل الروسي، إذ وقّعت دمشق في آذار/مارس 2021 عقدا مع شركة “كابيتال” الروسية للقيام بالمسح والتنقيب عن النفط في البلوك رقم 1، أما الجانب اللبناني فيرى وفق إحداثياته أن عمليات التنقيب ستجري في جزء من منطقة بحرية تابعة له. ويعتقد كثيرون أنها منطقة غنية بالثروة النفطية والغازية، وذلك ما يفاقم النزاع عليها، داخليا وإقليميا، مع الإشارة هنا إلى أن روسيا نفسها وقّعت عبر شركة “روسنفت” الروسية عقدا مع الحكومة اللبنانية في 2019 لتشغيل مصفاة النفط في البداوي شمالي لبنان.

إقرأ أيضا:ترسيم الحدود مع سوريا.. تأجيل أم تهرّب؟

لا يمكن التكهن بما سيجري في ملف ترسيم الحدود البحرية بين سوريا ولبنان، فهناك العديد من التعقيدات التي تلف الموضوع، فحكومة دمشق لا تملك القرار لذلك، ولبنان حاليا يعيش فراغا سياسيا لعدم انتخاب رئيس للجمهورية خلفا لميشال عون، ليبقى الملف معلقا في الوقت الذي تقوم فيه روسيا بموجب اتفاقياتها مع حكومة دمشق بالتنقيب عن الغاز في المتوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.