في ظل تداول أنباء عنما يمكن تسميته بـ”الانقسامات” خلف الكواليس داخل جسد الاتحاد الأوروبي بخصوص العلاقة مع الحكومة السورية، بين دول تدعو إلى الانفتاح على دمشق، وأخرى ترفض ذلك، لا يبدو أن تغيرا على المستوى القريب سيطرأ، وخاصة أن مواقف الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي ما زالت على نهجها ذاته.

رغم أن موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة السورية يفتقد التأثير، إلا أن الأنباء هذه تثير مخاوف المعارضة السورية، وتزيد خشيتها من أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تصدع الموقف الأوروبي الرافض للتطبيع مع دمشق قبل تطبيق القرارات الأممية وتحديدا قرار مجلس الأمن 2254.

قد يهمك: خطوط أوروبية حمراء في سوريا.. ما الجديد؟

بعيد اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011، قرر الأوربيون فرض عقوبات اقتصادية على دمشق، وأغلقت العديد من الدول سفاراتها بدمشق على خلفية تلك الأحداث، وواظب الاتحاد الأوروبي على موقفه ذاته، مكتفيا بتجديد حزم العقوبات ضد مسؤولين من دمشق، وبالبيانات السياسية الداعية إلى محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

لكن، مؤخرا بدأت بعض الدول بالتغريد خارج سرب قرار الاتحاد الموحد، حسب ما أكدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في تقرير نشرته أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي. المجلة تحدثت عن ظهور تصدعات في الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، بدأت الظهور بين الدول الأعضاء، مؤكدة نقلا عن مسؤولين غربيين كبار أن الاختلافات الطفيفة في المنظور داخل الاتحاد الأوروبي، قد تحولت إلى خلافات جادة وموضوعية في الأشهر الأخيرة.

بعض الحكومات الأوروبية ومنها اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا، استخدمت مواقعها داخل الاتحاد الأوروبي للضغط على عدد من خطوط السياسة، والدعوات لتغيير السياسات التي تتماشى بشكل مباشر مع مصالح حكومة دمشق، وأشارت إلى قيام بعض هذه الحكومات بتشكيل مجموعات مختارة من الخبراء، لتبادل الأفكار حول طرق مبتكرة لتجاوز اللوائح والعقوبات المقيدة للاتحاد الأوروبي من أجل “فعل المزيد” في سوريا، بحسب ما أكدت المصادر لـ”فورين بوليسي”.

المجلة تضيف أنه منذ العام 2020، أعادت العديد من الحكومات المعنية إقامة شكل من أشكال العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بما في ذلك بلغاريا والمجر واليونان، التي أرسلت قائما بالأعمال إلى دمشق، وقبرص التي انتقلت إلى سفارة جديدة في دمشق منتصف العام 2021.

كما أعلنت الدنمارك أن المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق آمنة لعودة اللاجئين إليها، وزار نائب وزير الخارجية البولندي دمشق في آب/أغسطس من العام 2020، كاشفة أن قادة النمسا يفكرون الآن في شكل من أشكال الاتصال الدبلوماسي.

أمام كل ذلك، تثار تساؤلات عن احتمالية تبني الاتحاد الأوروبي سياسة مغايرة بخصوص الأزمة السورية، وتحديدا بعد صعود أحزاب يمينية إلى قمة الهرم السياسي في بعض الدول مثل إيطاليا.

تململ أوروبي

تقرير مجلة “فورين بوليسي” يشير إلى نقطة مهمة، وهي تململ الكثير من الأعضاء، وخصوصا دول أوروبا الشرقية ووسط أوروبا من السياسات الأوروبية المفروضة عليهم من قبل مفوضية ورئاسة الاتحاد الحالية والسابقة، بحسب حديث الباحث السياسي فارس إيغو، المطلع على سياسات الاتحاد الأوروبي، والمقيم في فرنسا، لـ “الحل نت”.

الأنباء عن تغيير في سياسة الاتحاد الأوروبي من الملف السوري، بدأت تتردد منذ أسابيع ماضية في الصحف العربية، وبالخصوص في الإعلام المؤيد للمعارضة السورية في الخارج، مع زيارة المبعوث الأوروبي دان ستوينيسكو، إلى سوريا وتباحثه مع مسؤولين في وزارة الخارجية، وعلى رأسهم وزير الخارجية السورية فيصل المقداد.

بعثة الاتحاد الأوروبي الخاصة بسوريا، كانت  برئاسة ستوينيسكو، قد أجرت زيارة مشتركة مع بعثة تابعة للأمم المتحدة برئاسة منسق الشؤون الإنسانية في سوريا عمران رضا في تموز/يوليو الماضي، استمرت لأيام، هي الأولى من نوعها لمسؤول أوروبي إلى مناطق حكومة دمشق منذ عام 2011، بهدف إجراء جولات على سلسلة من المشاريع التي يدعمها الاتحاد في محافظات حلب حمص وحماة.

عقب انتهاء الزيارة قال مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى سوريا دان ستوينيسكو، إن الاتحاد لن يطبع العلاقات مع دمشق قبل الوصول إلى حل سياسي شامل في البلاد وفق قرار مجلس الأمن 2254، موضحا أن زيارته الأخيرة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية كانت لأغراض إنسانية محضة.

هنا، يلفت إيغو إلى تأكيد المسؤولين عن السياسة الخارجية الأوروبية على أن تلك الزيارة كانت لأغراض إنسانية بحتة، بمعنى أن السياسات الأوروبية الإنسانية تعلم أن هناك حوالي 15 مليون سوري يعيشون في المناطق الخاضعة لحكومة دمشق، ومعظمهم يعيشون في حالة اقتصادية واجتماعية مزرية.

لذلك يسعى الاتحاد لتجنب كارثة إنسانية كبرى، تؤدي إلى هجرات جماعية ما يؤدي إلى زعزعة الأوضاع السياسية في دول الجوار، بالإضافة إلى تبعاتها على تدفق اللاجئين عن طريق تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن “الزيارة لا يمكن وضعها بحال من الأحوال تحت إطار التقارب السياسي مع دمشق أو أي محاولة لتخفيف العقوبات عنها” بحسب تعبيره.

ربط التغير في السياسات الأوروبية تجاه دمشق بقضية اللاجئين السوريين يشير إلى ضعف تقرير المجلة الأميركية، بحسب إيغو، مرجعا ذلك إلى أن الهجرة “الغير الشرعية” إلى أوروبا لن تتوقف مع الحلول الترقيعية للأزمة السورية، كذلك لا تتعلق باللاجئين السوريين فقط.

أن دولتين مثل النمسا والدنمارك اتخذتا قرارات متشددة تجاه الهجرة غير الشرعية، وكذلك للحد من الهجرة الشرعية، وفق إيغو، فالقرارات المؤيدة أو المناهضة للهجرة في أوروبا لا تتخذ فقط بدوافع إنسانية، بل هناك دوافع اقتصادية تخص الشركات الكبرى التي تدفع لتخفيض الأجور عن طريق الأيدي العاملة الرخيصة الآتية من دول العالم الثالث الفقيرة. 

مقابل ذلك، تتواجد أصوات أوروبية تنادي برفع العقوبات عن دمشق، وهو ما يؤكد عليه الباحث السياسي بقوله، “الأصوات الداعمة لدمشق موجودة بصورة دائمة، ولكنها غير مؤثرة، فالدول الفاعلة في القرارات الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا لديها تصورات واضحة لرفع العقوبات تتعلق بالحلول الدائمة للأزمة السورية بحسب القرارات الدولية، وأهمها قرار مجلس الأمن2254 “.

صحيفة “عكاظ” السعودية نشرت تقريرا في منتصف آب/أغسطس الماضي، قالت فيه إنه “بعد مقاطعة أممية لسنوات طويلة للحكومة السورية منذ بداية الأزمة عام 2011، يبدو أن الأمم المتحدة فقدت الأمل باستمرار هذه المقاطعة، لذا ثمة اتجاه جديد على ما يبدو للتقرب من دمشق الذي يرتهن ملايين السوريين في مناطق سيطرته للحاجات الإنسانية”.

زيارة القائم بالأعمال للاتحاد الأوروبي بعد انفتاح عربي ملحوظ على دمشق لأسباب متعددة منها الأبعاد الأمنية، بحسب الصحيفة، وقالت “إن الحكومة السورية لا تزال تحتفظ بملفات أمنية، بعد أن انتشرت الجماعات المتطرفة على أراضيها على مدى عقد من الزمان”.

حسابات أوكرانيا

على النقيض، تقول مصادر إن المواقف التي اتخذتها حكومة دمشق تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ومحاباتها موسكو، من شأنها إغلاق المجال أمام أي توجه أوروبي نحو تبني سياسة الانفتاح مع دمشق.

الاتحاد الأوروبي اليوم يركز في أولوياته على ما يجري في أوكرانيا، بحسب حديث الكاتب والخبير بالشأن الأوروبي أسامة بشير، لـ”الحل نت”، حيث أضاف نقلا عن مصادر داخل جسد الاتحاد الأوروبي، أن المسألة السورية لم يتم تناولها في النقاشات منذ شهور، بعد أن طغى الحديث عن أوكرانيا على اهتمامات أوروبا.

هنا يعتبر الكاتب أن مواقف دمشق حيال أوكرانيا “زادت الطين بلة”، ويقول “خفتت الأصوات الأوروبية المطالبة بالتطبيع مع دمشق تماما منذ 24 شباط/فبراير الماضي، بعد غزو روسيا أوكرانيا، وهذه الأصوات لن تستطيع مهما حاولت الخروج عن القرار الأوروبي” وفق تعبيره.

بشير يتفق مع فارس إيغو، الذي يشكك باحتمالية مراجعة الموقف الأوروبي تجاه العقوبات المفروضة على دمشق، وتحديدا بعد مساندة الأخيرة للغزو الروسي. لن نشهد تغيرا قبل الحل السياسي القائم على قرار مجلس الأمن 2254، يقول إيغو، “أما أوردته مجلة فورين بوليسي حول انهيار السياسات الأوروبية تجاه سوريا ما يهدد باقتلاع الموقف الدولي بأكمله، وتشجيع المزيد من الخطوات الإقليمية نحو إعادة التطبيع وعزل أولئك الذين يرفضونه، فهو مبالغ به كثيرا”.

حتى في حال تفكير بعض الدول الأوروبية بمراجعة سياستها في سوريا، لا بد من مراقبة تأثير القرار الأميركي الرافض بشدة لذلك، ومن المعلوم أن قرارات الاتحاد الأوروبي الخارجية، تكاد تكون متطابقة مع توجهات واشنطن، وبذلك يمكن القول إن دمشق ستنتظر طويلا قبل أن تلمس انفتاحا أوروبيا حقيقيا عليها.

اقرأ أيضا: موقف أوروبي جديد في سوريا.. هل تغيّرت رؤية الحل السياسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.