بعد تورط إيران في ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسجيل العديد من الانتهاكات بحق المتظاهرين الإيرانيين في البلاد على يد السلطات، فضلا عن تعثر محادثات النووي الإيراني، تتجه الدول الغربية لزيادة عزلة إيران دوليا، وفرض المزيد من العقوبات على أبرز كياناتها.

عقوبات جديدة

الاتحاد الأوروبي أعلن أمس الإثنين، فرض عقوبات على 29 شخصا و3 كيانات، في إطار العقوبات الأوروبية على إيران، في حين أضافت بريطانيا 24 كيانا لقائمة العقوبات المرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان وقمع الاحتجاجات المستمرة في إيران منذ أيلول/سبتمبر الماضي.

العقوبات الأوروبية طالت وزير الداخلية أحمد وحيدي، وقائد القوات البرية للجيش الإيراني كيومرث وحيدي، اللذين قالت الكتلة الأوروبية إنهما مسؤولان عن قمع المظاهرات التي أشعلها موت الشابة مهسا أميني، بحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط“.

من جانبه وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإثنين، احتجاجات إيران بـ“ثورة“، وقال، إن “القمع الذي يمارسه القادة في إيران” سيصعّب من جهود التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق النووي، فيما عبّر عن انفتاحه على تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني “منظمة إرهابية“.

الحكومة الإيرانية تواجه مؤخرا مزيد من العزلة الدولية، لا سيما بعد تورطها في الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعمها القوات الروسية بالطائرات المسيّرة التي تستخدمها موسكو في المواجهات العسكرية ضد الجيش الأوكراني.

وفقا للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تسعى موسكو للحصول على ما يصل إلى 2400 طائرة إيرانية مسيّرة، أبرزها من نوع “شاهد 136″، ربما للحفاظ على قدرتها على مهاجمة المراكز الحضرية في عمق أوكرانيا، دون الحاجة إلى إنفاق المزيد من مخزوناتها المتضائلة من الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز“.

السلاح الجديد المفضل لروسيا في الحرب

العشرات مما يسمى بالطائرات الانتحارية الإيرانية، باتت تحلّق فوق الأراضي الأوكرانية منذ آب/أغسطس الفائت. تُعرف هذه الأسلحة باسم “شاهد”، وهي كلمة يمكن ترجمتها في داخل مكونات “الحرس الثوري” الإيراني على أنها “شاهد إيمان“، ولكن لها أيضا دلالات لفعل أن تصبح “شهيدا“، وهي السلاح المفضل الجديد لـ “الكرملين” في غزوه لأوكرانيا. أدى تقليص ترسانة صواريخ “كروز” الروسية ونقص التكنولوجيا، إلى إجبار موسكو على نشر الأجهزة والأسلحة المصنعة في إيران، أحد الحلفاء القلائل المتبقيين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

مصادر دبلوماسية أوكرانية في واشنطن أخبرت الصحافة، أنه في المتوسط، تعترض أنظمة الدفاع الجوي في كييف ستّاً من هذه الطائرات بدون طيار يوميا. النموذج الحالي المستخدم هو “شاهد 136″، أعيدت تسميته في روسيا باسم “غران 2″، وهو أحدث إصدار من الطائرات الانتحارية بدون طيار التي تعمل منذ عام 2021.

الدعم الإيراني لروسيا، انعكس بالطبع على العديد من الملفات، منها ملف المفاوضات النووي المتعثر منذ أسابيع، بعد الرد الإيراني الذي لم يلبّ طموحات الجانب الغربي، حيث يشكك الأخير في نوايا طهران في العودة للاتفاق النووي، وهذه ليست المرة الأولى التي تُعبِّر فيها أطراف غربية عن خيبة أملها من عدم تحقيق نتيجة.

اقرأ أيضا: د.محسن أبو النور لـ“الحل نت“: لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط بوجود إيران

بحسب تقارير لمحللين في العلاقات الروسية الإيرانية، فإن موسكو استغلت تعثر الاتفاق النووي الإيراني، للمضي في توطيد العلاقات مع طهران، لا سيما وأن التقدم في الاتفاق النووي، سيعني بالضرورة “إحداث صدع في التحالف الاستراتيجي بين الروس والإيرانيين، عبر تقديم إغراءات اقتصادية وجيوسياسية لطهران، بأن تضمن لها وفرة مالية، والمزيد من إطلاق يدها في الإقليم، بهدف سحبها تدريجيا للمحور الغربي، ومن ثم تجريد موسكو، من أحد أعمدتها الأساسية في الشرق الأوسط، ما يحد من نفوذها في المنطقة“.

وتيرة المفاوضات في فيينا كانت تسير بخطى بطيئة لكنها واثقة من الوصول لنتيجة إيجابية من فيينا، وكانت الجهود الغربية يقابلها تشدد إيراني لتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله.

وعندما وصلت المفاوضات إلى نهايتها المتوقعة، كانت الاحتجاجات الإيرانية والانتهاكات التي ارتكبتها السلطات، ودعم طهران موسكو عسكريا، أسبابا للإطاحة بالاتفاق وتوقفت المفاوضات إلى أجل غير معلوم.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال تعليقا على فرض المزيد من العقوبات ضد إيران، إنه ما يزال يتوخى الحذر بشأن إمكانية إعادة إحياء محادثات فيينا، التي تهدف إلى إعادة تجديد الاتفاق بين طهران والقوى العالمية بعد انتكاسات كبرى في الأشهر الماضية.

ماكرون لفت إلى أنه لا يعتقد أن من شأن أي مقترحات جديدة الإسهام في إحياء الاتفاق النووي مع إيران في المستقبل القريب، مضيفا أن “إطار عمل جديد” سيلزم على الأرجح لمعالجة المسألة، لا أعتقد أنه ستكون هناك أي مقترحات جديدة يمكن تقديمها الآن لإنقاذ الاتفاق النووي“.

فرنسا انتقدت إيران في السادس من تشرين الأول/أكتوبر، متّهمة إياها بالقيام “بممارسات ديكتاتورية“، واحتجاز مواطنيها رهائن بعد بث مقطع فيديو ظهر فيه رجل وامرأة فرنسيان يعترفان بالتجسس، بعد أسابيع شهدت اضطرابات ربطتها طهران بخصوم أجانب.

الاحتجاجات في إيران اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) منتصف شهر أيلول/سبتمبر، بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها. وتمثل الاحتجاجات أحد أجرأ التحديات التي تواجه إيران منذ ثورة 1979.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال في بيان، إن “الاتحاد يدين بشدة القمع العنيف وغير المقبول للمتظاهرين“.

وزراء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل اتفقوا على إدراج قائد “الحرس الثوري” الإيراني، حسين سلامي، وقائد الوحدة الصاروخية في الحرس أمير علي حاجي زاده، في لائحة العقوبات على خلفية إمداد روسيا بالمسيّرات الإيرانية لاستخدامها في أوكرانيا.

العقوبات جاءت كذلك في وقت جدد فيه “الحرس الثوري” قصف مواقع ومقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في إقليم كردستان العراق بالصواريخ والمسيّرات. وأوقع القصف قتيلَين على الأقل وأكثر من 10 جرحى.

تأثير الاحتجاجات

الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مدن إيرانية خلال الأسابيع الماضية، ألقت بظلالها على النظام الحاكم في البلاد على الصعيد الداخلي، وبحسب المختص في الشؤون الإيرانية الدكتور محسن أبو النور، فإن الاحتجاجات سيكون لها آثار سياسية واجتماعية كبيرة على القيادة الإيرانية.

أبو النور قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “سيكون لها آثار سياسية واجتماعية كبيرة جدا على هذا النظام، لدرجة أننا شاهدنا للمرة الأولى مثلا حلقات نقاشية في الجامعات الرسمية الحكومية تتعلق بمبادرات لتخفف الدولة من قبضتها وتقييدها للحريات، لذلك أعتقد أن الأيام المقبلة قد تفضي لنتائج اجتماعية وسياسية تقوم بمحصلتها الدولة بتخفيف قبضتها الأمنية عن المجتمع، وينشأ داخل إيران مجتمع تخيلي موازي للفكرة التي قام عليها النظام الإيراني، وهي فكرة السيطرة على المجتمع من خلال فرض القيم الإسلامية والحجاب بشكل أو بآخر“.

يمكن لهذه المبادرات خلق مجتمع موازي، في المجمعات التجارية وغيرها من الأماكن، لممارسة المجتمع حريته وعاداته، فيما يتعلق بالاختلاط ونزع الحجاب “وحتى تبادل الخمور وما إلى ذلك، نظير أن تسمح هذه الإجراءات للنظام بالاستمرار وطبعا النظام الإيراني لديه قدرة كبيرة على البقاء على قيد الحياة سياسيا، لذلك أعتقد أن الأوضاع تتجه إلى تغيير اجتماعي وسياسي ضمني بشكل أو بآخر، من خلال سماح الدولة، للنظام الاجتماعي أن يتغير، لكن تغير غير رسمي، تغير واقعي وعملي، في مجتمعات موازية، في المصالح الحكومية والبنوك وغيرها“.

القيادة الإيرانية وضعت البلاد في مواجهة مباشرة مع الدول الغربية بعد دعمها للجيش الروسي، ويبدو أن ذلك سيعقّد من ملف التفاوض النووي، وسيزيد من الضغوط الدولية على طهران، لا سيما على صعيد العقوبات، ما سيفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد.

قد يهمك: هل تنجح إيران باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة