منذ أكثر من عام وهناك محاولات لتقريب وجهات النظر بين كل من السعودية وإيران، للتوصل لحل خلافات ممتدة بين الطرفين منذ أكثر من 40 عاما تلت تسلم الخميني للسلطة في إيران، منطقة الخليج شهدت إعادة ترسيم خارطتها الدبلوماسية مع إيران، باستعادة أكثر من بلدين خليجيين هما الكويت والإمارات علاقاتهما الدبلوماسية مع طهران، بعد نحو سبع سنوات من خفض تمثيل البلدين الدبلوماسي، عقب اقتحام محتجين إيرانيين السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد عام 2016، على خلفية قرار سعودي بإعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر.

في الأسبوع الأخير من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، تلقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تطمينات من نظيره العراقي بشأن استعداد بغداد لمحادثات جديدة بين الرياض وطهران، دون تحديده التاريخ المرتقب للجولة السادسة من المحادثات.

تطورات تبعتها دعوات لفتح السفارات بين البلدين، في الوقت الذي تُطرح عدة تساؤلات، حول نقاط الاتفاق والاختلاف بين الطرفين، ومصلحة كل منهما باستعادة العلاقات، وتأثرها بملفات الدول العربية التي تتدخل فيها إيران.

دعوة إيرانية لفتح السفارات

علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، قال يوم الأربعاء الفائت، إنه يجب على إيران والسعودية إعادة فتح سفارتيهما لتسهيل التقارب بين البلدين، وذلك وسط تحركات من طهران والرياض، لإحياء العلاقات الثنائية.

وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية عن علي أكبر ولايتي، قوله، “نحن جيران للسعودية ويجب أن نتعايش. يجب معاودة فتح سفارتي البلدين؛ من أجل حل مشاكلنا بطريقة أفضل”.

السفارة السعودية في طهران بعد حرقها عام 2016 “وكالات”

دعوات بحسب الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، تصطدم بعدد من العوائق التي من الممكن أن تؤدي لفشل استعادة العلاقات، والتي يرى عبد الرحمن، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنها لا تزال قائمة وموجودة وقد توسعت في الآونة الأخيرة بشكل أكبر لأن إيران لديها تناقض كبير بين الأقوال والأفعال، ففي الوقت الذي تريد فيه الهدوء وإعادة العلاقات مع السعودية، فإنها تقوم بأعمال عدائية ضد السعودية من خلال الحوثيين في اليمن، والميليشيات في العراق لإعاقة أي علاقات أو استثمارات اقتصادية بين العراق والسعودية.

لا شك أن السعودية على علم بما تقوم به إيران، إضافة للتدخلات السلبية التي تقوم بها إيران من لبنان واليمن وصولا للبحرين، كما أنها لا تزال ترسل الصواريخ والمسيّرات إلى الحوثيين في اليمن لاستهداف السعودية، بحسب عبد الرحمن.

من جهة أخرى، يرى عبد الرحمن، أن أبسط الأسس لاستعادة العلاقات بين الطرفين هو السعي للهدوء بينهما، وأيضا العلاقات الاقتصادية بينهما ليست قوية ولا يوجد استثمارات تجمعهما كما هو الحال بين الإمارات وإيران، لكن لا شك بأن السعودية بحاجة لهذا الهدوء خاصة أنها تقوم بتنفيذ مشاريع ضخمة بحاجة إلى الأمن لذلك من غير مصلحتها التصادم مع إيران، وهذا أهم هدف للسعودية من استعادة العلاقة مع إيران، إضافة للتخلص من التهديد الإيراني في الدول العربية.

إقرأ:السعودية وإيران إلى جولة المفاوضات السادسة.. هل تفضي إلى تسوية حقيقية؟

فوائد استعادة العلاقات وتأثير التدخل الإيراني بدول الجوار

 أثناء الجولة الأخيرة للحوار السعودي الإيراني، بالعاصمة العراقية بغداد، صرّح مسؤول أمني إيراني، بأن إدارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عازمة على تحسين العلاقات مع السعوديين، وتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق هذا الأمر، لذلك من المتوقع أن تكون الجولة السادسة إيجابية بشكل كبير.

تقارير صحفية أشارت إلى أن تواصلا تم بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بواسطة وسيط عراقي، لكن لم تفصح التقارير عن هوية الوسيط العراقي، أو الميعاد الدقيق لهذا التواصل بين محمد بن سلمان وإبراهيم رئيسي.

من الواضح أن كلا البلدين باتا يعيان تماما أن من مصلحتهما في ظل المتغيرات الدولية الحالية، والغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة الطاقة والتضخم الاقتصادي العالمي، أن يسود الهدوء بينهما وأن تُستعاد العلاقات الدبلوماسية بينهما.

في هذا السياق، يرى عبد الرحمن، أن كلا الطرفين، السعودية وإيران سوف يستفيدان من استعادة العلاقات لأن الاقتصاد بحاجة إلى بيئة آمنة وهادئة، فالسعودية تريد أن يحدث هذا لكي لا تتعرض مشاريعها للعرقلة والتأخير، وإيران من مصلحتها التهدئة مع السعودية ومع دول الجوار وشعبها، فبدلا من إرسال الأموال الضخمة للميليشيات التي أثبتت أنها غير مجدية بالدفاع عن النظام الإيراني من خلال نقل معاركه للخارج، الأفضل النظر للوضع الداخلي الذي أثبت هشاشة هذا النظام خلال الاحتجاجات الأخيرة.

أي تصالح بين البلدين يصب في صالحهما وصالح شعبيهما، ولكن هل يمكن أن تعمل إيران من أجل ذلك، فهي لا تزال حتى الآن تحرّض على العنف الخارجي، وهذا ما يؤدي إلى إهدار الأموال بشراء السلاح بدلا من تنمية الاقتصاد الداخلي.

من جهة ثانية، يشير عبد الرحمن، إلى أن موضوع اليمن مهم جدا للسعودية ويأتي على قائمة الملفات العربية، أيضا العراق مهم جدا فالسعودية تريد علاقات اقتصادية واستثمارية مع العراق لكن إيران تعرقلها، وأيضا الملف السوري مهم جدا لاستقرار المنطقة وأكثر من نصف مليون سوري قتلوا نتيجة دعم إيران لحكومة دمشق.

“الحرس الثوري” يهاجم السعودية

بعد مضي أكثر من شهر على انطلاقة الاحتجاجات في إيران، وتوسعها في المدن الإيرانية ضد النظام الحاكم في البلاد، نتيجة وفاة مهسا أميني، بعد اعتقالها من قِبل أجهزة الأمن الإيرانية بذريعة عدم تقيّدها بقواعد اللباس المفروضة في البلاد، زادت حدة الخلاف بين السعودية وإيران نتيجة التغطية المستمرة عبر وسائل الإعلام التي يدعمها الطرفان، والتي أخرجت قائد “الحرس الثوري” الإيراني، اللواء حسين سلامي، عن صمته قبل أيام، ليحذر الرياض ويطالبها بأن تسيطر على وسائل الإعلام “الممولة” من قِبلها أو مواجهة “العواقب”، متهما إياها بـ ”التحريض”، وذلك وسط الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها إيران.

في مقابل ذلك، تطرح السعودية نفسها كقوة استقرار ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، تلعب إيران أوراق التضامن الإسلامي وتقدم نفسها على أنها داعمة للمضطهدين في العالمَين العربي والإسلامي بينما تصور الرياض على أنها دمية في يد الأميركيين والسياسات الإسرائيلية، فهل تتطور الأمور للدخول في حرب علنية تستخدم فيها طهران حروبها الإلكترونية ضد الخليج العربي.

مع احتدام الصراع بين الشيعة والسنة في العراق على مدى السنوات القليلة الماضية، انهارت العلاقات بين إيران والسعودية. تساعد العلاقات الإيرانية السعودية في تحديد العلاقات العربية الإيرانية الأوسع، وهي محورية لأمن منطقة الخليج. خلال الأزمات الإقليمية العديدة التي شهدتها المنطقة على مدى العقود الماضية، استخدمت هاتان القوتان وسائل الإعلام كمنصة لكسب قلوب وعقول الشعوب العربية.

الخبير في سياسة الشرق الأوسط ريكس برينين، قال لـ”الحل نت” في وقت سابق، إن كل من طهران والرياض، يستخدمان وسائل الإعلام لتصوير واقعهما من منظور أجندتهما الخاصة. وللتنافس مع بعضهم البعض، فإنهم يبالغون في هذا التشويه. كما لعبت وسائل الإعلام دورا فعاّلا في تصوير نفوذ إيران المتزايد في الشرق الأوسط، وما أطلق عليه بعض المعلقين والسياسيين “الهلال الشيعي”.

كلا البلدين وفقا لبرينين، استخدما وسائل الإعلام لنشر رسالتهم، وممارسة النفوذ في سياسات الشرق الأوسط، وتطوير علاقات القوة باستخدام قدرة وسائل الإعلام على تشكيل علاقاتهم مع الدول الأخرى ومع الشعوب، ومن خلال هذه القنوات، يبنون أيضا خطابهم السياسي ويتواصلون بشكل غير مباشر مع بعضهم البعض.

من هنا أصبحت إيران والسعودية الآن لاعبين رئيسيين في سوق الإعلام الناطق باللغة العربية، مما جعلها ساحة للمواجهة والمطالبات بشعبية. كل صراع أو أزمة في المنطقة تصبح فرصة لهم لممارسة نفوذهم، والإعلام يوفر لهم القدرة على إضفاء الشرعية على أفعالهم بينما يحاولون كسب قلوب وعقول العالم العربي، من خلال دعايتهم الخاصة.

ثقافة الإعلام السعودي برأي برينين، تختلف عن ثقافة الإعلام الإيراني على الرغم من أنهما يتصارعان باستمرار على الأرض نفسها. أي عنصر من المعلومات في الاتصال الجماهيري مشروط ثقافيا ومشفرا، وبالتالي يكتسب معناه الكامل في السياق الثقافي الذي يتم نقله فيه. أنشأت السياقات السياسية والثقافية وأجهزة الاتصال في السعودية وإيران، مجموعات مختلفة من المعايير التي تعمل من خلالها وسائل الإعلام الخاصة بهما. وبالمثل، تعمل وسائل الإعلام ضمن أنظمة الاتصال الخاصة بجماهيرها المستهدفة.

في حالة الرياض، استثمرت الحكومة السعودية، وبشكل أكثر تحديدا العائلة المالكة، مبالغ كبيرة من الأموال لامتلاك وسائل الإعلام في المنطقة، والتحكم في الرسائل التي يتم بثها أو طباعتها. اليوم، السعوديون هم أصحاب وسائل الإعلام الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط، وتعمل المؤسسة الدينية المحافظة في السعودية، كقوة ضغط قوية ضد التغطية الجريئة للأمور الاجتماعية والثقافية والدينية.

أثر التنافس الإعلامي بين السعودية وإيران

في بعض المناسبات تصور الرياض أن التدخل الإيراني ليس مدفوعا فقط بطموحات الهيمنة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، ولكنه أيضا رد على الضغوط الغربية ضد برامجها النووية. وبحسب وسائل الإعلام التي ترعاها السعودية، فإن طهران ستكون على استعداد “لنشر الفوضى في منطقة الخليج، وهي أكبر مخزون نفطي في العالم وحيوي للأمن القومي للولايات المتحدة”.

استهداف الحوثيين للسعودية “وكالات”

في إشارة إلى طموحات إيران النووية ورد الفعل الغريزي لإيران “نشر الفوضى في الخليج”، تناشد وسائل الإعلام مباشرة تدخل الحكومة الأميركية من خلال التلميح إلى أن إيران، هي أيضا تهديد ملموس لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

هذه القراءة، أكدته وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، المقربة من “الحرس الثوري”، يوم الإثنين الفائت، بعد أن نقلت عن سلامي قوله، “إنني أحذر نظام آل سعود من أن ينتبهوا إلى تصرفاتهم ويسيطروا على وسائل إعلامهم، وإلا نتائج وعواقب تلك التصرفات السيئة ستلحق بكم”.

فيما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” أن سلامي “حذر النظام السعودي، بأن يراقب سلوكه وسلوك وسائل الإعلام الممولة من قِبله والتي تحرّض ضد إيران”. ونقلت عن سلامي، “إنهم يسعون بوضوح إلى تحريض شبابنا على المشاركة في أعمال الشغب”، مضيفا “ننصحهم بالسيطرة على وسائل الإعلام الممولة من جانبهم وأن يكونوا حذرين”.

تصريحات سلامي، جاءت خلال مناورة عسكرية باسم “الاقتدار” للقوة البرية التابعة لـ”الحرس الثوري” في منطقة أرس العامة الواقعة شمال محافظتي أذربيجان الشرقية وأردبيل، وفقا لما ذكرته وسائل الإعلام الإيرانية.

سلامي قال، إن “الرسالة الأساسية لمناورة اليوم هي الصداقة والأخوة مع الجيران”، مضيفا “هذا هو مبدأ سياستنا، طالما أن الجيران لا يتآمرون علينا سنستمر في صداقتهم وفي غير هذه الحالة فإن سياستنا ستتغير، وطالما تتفاعل الدول المختلفة معنا ولدينا تعايش سلمي وعلاقات سياسية واقتصادية مناسبة، علاقاتنا ستكون معهم مبنية على الصداقة والتعاون”.

قد يهمك:“الحرس الثوري” يهاجم السعودية.. حرب من نوع جديدة؟

علاقة بُنيت على عداء كبير، وتعايش دبلوماسي هش بين السعودية وإيران، حيث لم ينجح الطرفان بالتقارب بشكل جَدّي خلال السنوات الماضية، فعوامل الخلاف أكثر من عوامل الاتفاق، كما أن الثقة تكاد تكون مفقودة بينهما، لكن من شأن حرف النظر من السياسة إلى الاقتصاد أن تغير شيئا خلال المرحلة القادمة فالاقتصاد بات يتحكم بسياسة الدول أكثر من أي وقت مضى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة