في ظل تراجع حدة الغزو الروسي لأوكرانيا، تمكنت الجهود الدولية من إنجاح مساعي تمديد اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود من الموانئ الأوكراني، وذلك في ظل مخاوف من أزمة غذاء عالمية، بسبب تبعات الغزو الروسي وما سببه من توقف تصدير الحبوب إلى دول العالم.

مسؤولون في أوكرانيا وتركيا أكدوا الخميس، تمديد الاتفاقية مدة أربعة أشهر إضافية، وهي الاتفاقية التي تم التوصل إليها في تموز/يوليو الماضي، لتسهيل نقل الحبوب عبر البحر الأسود، بعد توقفها بسبب العوائق الروسية.

بحسب ما نقل موقع “فرانس 24”، فإن الاتفاق سيبقى ساريا وفق الأحكام الحالية، حيث سمح الاتفاق حتى الآن بإخراج أكثر من 11 مليون طن من الحبوب من المرافئ الأوكرانية خلال أربعة أشهر.

من جهته، قال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف عبر “تويتر“، إن “مبادرة حبوب البحر الأسود سيتم تمديدها 120 يوما“، واصفا ذلك بأنه “خطوة مهمة أخرى في المعركة العالمية ضد أزمة الغذاء“.

تحذيرات كانت قد انطلقت في الأسابيع الأخرى بشأن أزمة غذائية خانقة ستضرب العالم، بسبب توقف حركة تصدير الحبوب من البحر الأسود، وذلك بعد إعلان روسيا مطلع الشهر الجاري انسحابها من المبادرة.

بدوره، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن ترحيبه باتفاق جميع الأطراف على التمديد، حيث قال في بيان، “أرحب باتفاق جميع الأطراف على مواصلة مبادرة الحبوب في البحر الأسود لتسهيل الإبحار الآمن لتصدير الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة من أوكرانيا“.

اتفاق نقل الحبوب وفرّ ممرا بحريا آمنا لمرور السفن المحملة بالحبوب، من البحر الأسود باتجاه البحر المتوسط وممر البوسفور في تركيا ومن ثم إلى كافة أنحاء العالم، وذلك بهدف التخفيف من أزمة غذاء محتملة بدأت تطرق أبواب العديد من الدول حول العالم.

تبعات تمديد الاتفاق

منذ الإعلان عن المبادرة تم شحن نحو 11 مليون طن من المنتجات الزراعية، وبلغت شحنات القمح 3.2 ملايين طن أو 29 بالمئة من الإجمالي، بينما تشمل السلع الأخرى المشحونة بذور اللفت وزيت عباد الشمس ودقيق عباد الشمس والشعير.

قبل هذه المبادرة توقفت جميع قنوات تصدير الحبوب بفعل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولعب انخفاض كميات الحبوب المصدرة من أوكرانيا دورا في بدء أزمة في أسعار الغذاء في مختلف أنحاء العالم.

ورغم عودة حركة التصدير هذه، فإن التحذيرات بشأن أزمة غذاء محتملة لم تنخفض كثيرا، لا سيما في ظل استمرار تبعات انتشار فيروس “كورونا” على اقتصاد العالم، والتغيرات المناخية التي ساهمت بخفض الإنتاج الزراعي، إضافة إلى موجات الجفاف التي ضربت مواقع عديدة في كوكب الأرض.

حول تأثيرات حركة التصدير على الأسعار، فقد أشار تقرير لصحيفة “العربي الجديد”، إلى “ارتفاع أسعار القمح في مجلس شيكاغو للتجارة بشكل حاد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها الآن عند مستويات ما قبل الغزو“.

لكن أسعار المواد الغذائية الأساسية القائمة على القمح مثل الخبز والمعكرونة لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الغزو في العديد من البلدان النامية رغم انخفاض العقود الآجلة في شيكاغو، بسبب ضعف العملات المحلية وارتفاع أسعار الطاقة، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف مثل النقل والتعبئة والتغليف.

يواجه العالم احتمال تفجّر أزمة غذاء عالمية، وسط تحديات غير مسبوقة، في ظل التهديدات المحدقة بالأمن الدولي من جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وتلويح موسكو باستخدام السلاح النووي، كذلك على الصعيد الاقتصادي فإن ارتفاع التضخم بنسب مخيفة، يشكل تحديا آخرا أمام مواجهة أزمة الغذاء.

برنامج الأغذية العالمي، التابع لمنظمة الأمم المتحدة أكد، أن العالم يواجه خطر خوض عام آخر من وصول الجوع إلى مستويات قياسية. ويبدو أن الأزمة لا تثبت على وصف محدد، ففي كل يوم هناك مؤشرات وتداعيات تطفو على السطح، تؤكد أن أزمة الغذاء العالمية تستفحل، وتزداد تعقيدا.

والأزمة القادمة المحتملة، لن تكون مقتصرة على دول فقيرة أو تعاني حروب، فها هي أوروبا التي لم يكن أحد يتخيل أنها ستعاني من أزمة غذاء، أصبحت تبحث عن بدائل وخطة لمواجهة الأزمة القادمة.

خطة أوروبية لمواجهة الأزمة

الخطة الاستراتيجية بشأن الغذاء، التي أجرى الاتحاد الأوروبي تعديلات عليها، كانت قد نُشرت في العام 2015، حيث جاءت التعديلات في ظل المخاوف من تدهور الوضع الغذائي على مستوى العالم، لاسيما ضمن الدول محدودة الدخل.

وبحسب تقرير نشره “مركز الإمارات للسياسات“، فإن ورقة تعديل خطة الغذاء في أوروبا، “تسعى لتحليل مضمون الخطة الأوروبية الاستثنائية الجديدة، والكشف عن أهدافها وركائزها، والتحديات التي يمكن أن تعترض طريق تنفيذها في سياق دولي متغير، وظروف مناخية واقتصادية غير مستقرة“.

يُعدّ القطاع الزراعي الأوروبي مستوردا كبيرا لمنتجات معينة، مثل بروتينات الأعلاف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المدخلات مثل الأسمدة والوقود الأحفوري، الأمر الذي يخلق صعوبات في الإنتاج للمزارعين، ويهدد برفع أسعار المواد الغذائية.

اقرأ أيضا: مخاوف من ركود.. إجراءات حكومية لمواجهة التحديات الاقتصادية في بريطانيا

بناء عليه تقترح المفوضية الأوروبية مجموعة واسعة من الإجراءات القصيرة والمتوسطة المدى لتحسين الأمن الغذائي العالمي، ودعم المزارعين والمستهلكين في الاتحاد في مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، أبرزها دعم الفئات الضعيفة من السكان؛ وتكثيف الإنتاج الغذائي المحلي؛ وإزالة القيود المفروضة على تجارة المواد الغذائية وتعزيز المنافسة. كما سيتم إضافة مبلغ 500 مليون يورو إلى المخصصات الوطنية لتقديم الدعم المباشر للمزارعين الأكثر تضررا من زيادة تكاليف المدخلات وإغلاق أسواق التصدير.

كذلك تسعى الدول الأوروبية لتجنب “كارثة إنسانية“، متعلقة بارتفاع أسعار المواد الغذائية في دول الأطراف، ما قد يؤدي إلى اختلال التوازن الأمني والاجتماعي في هذه الدول القريبة من أوروبا، وبالتالي احتمالية تصاعد التهديدات الإرهابية وموجات الهجرة غير الشرعية.

وفضلا عما سبق، فإن استمرار عمليات غزو روسيا لأوكرانيا، قد تدفع إلى مزيد من القيود العالمية على صادرات الغذاء، ونزوع الدول المصدرة إلى الحمائية، الأمر الذي يرفع بشكل مباشر الأسعار إلى مستويات قياسية في بعض المواد، مثل الزيوت. ففي آذار/مارس الماضي، حظرت أوكرانيا تصدير عدد من المنتجات الغذائية (الشعير، والحنطة السوداء، والسكر، واللحوم) حتى نهاية عام 2022.

وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، زاد مؤشر الجوع العالمي بشكل كبير من 135 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2019، إلى 345 مليونا في عام 2022. منهم نحو 50 مليون شخص في 45 دولة يعانون مجاعة حقيقية.

روسيا تستخدم منذ بدء غزوها للأراضي الأوكرانية، الغذاء كسلاح عسكري في مواجهة العالم بأثره، فالهجوم الذي تتحدث عنه موسكو كذريعة للانسحاب من المبادرة، حدث فعلا من قِبل القوات الأوكرانية، التي تحاول ردع الهجمات الروسية التي بدأها الجيش الروسي مستهدفا المنشآت الحيوية بما فيها محطات الطاقة، وتسببت في العديد من المناطق بينها العاصمة كييف بانقطاع التيار الكهربائي.

قد يهمك: الانسحاب الروسي من خيرسون الأوكرانية.. مؤشر للتخلي عن جزيرة القرم؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.