مع وصول أرقام التضخم إلى مستويات قياسية في المملكة المتحدة، تواجه بريطانيا احتمالات دخول اقتصاد البلاد في ركود، ذلك ما دفع الحكومة البريطانية لإعلان إجراءات من شأنها تخفيف حدّة الأزمة الاقتصادية في البلاد، والتي تعصف بمعظم دول العالم.

أرقام تضخم جديدة

تضخم أسعار المستهلك السنوي في بريطانيا، قفز إلى 11.1 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صعودا من 10.1 بالمئة في أيلول/سبتمبر السابق له، وذلك حسب بيان مكتب الإحصاء الوطني في البلاد الذي نشره الأربعاء، وأشار إلى أن هذه الأرقام هي الأعلى في بريطانيا منذ 41 عاما.

بالطبع فإن ارتفاع هذه الأرقام رافقه زيادة في أسعار الغذاء والطاقة، وسط مخاوف من زيادات أكبر في أسعار المشتقات مع دخول فصل الشتاء، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى ارتفاع أصوات تطالب بزيادة الأجور لتوازي هذه الارتفاعات.

مكتب الإحصاء الوطني أشار إلى أن وضع الحكومة لحد أقصى لفواتير الطاقة، ساهم بانخفاض وتيرة تصاعد أرقام التضخم، ما يعني أن النسبة كانت ستصل ربما إلى 13.8 بالمئة خلال الشهر الماضي.

حدة المطالب الموجهة للحكومة تصاعدت في البلاد باتخاذ مزيد من الإجراءات، لتخفيف أزمة تكلفة المعيشة، في وقت تواجه فيه الأُسر نفقات غير مسبوقة وتراجعا في القيمة الحقيقية للأجور.

بالطبع فإن الغزو الروسي لأوكرانيا والآثار المستمرة لانتشار فيروس “كورونا”، هي من أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية في بريطانيا كما باقي الدول، في حين يتهم البعض السياسات الحكومية بمساهمتها بتفاقم الأزمة.

تقرير لمجلة “فورين أفيرز” الأميركية، أشار إلى أن بريطانيا تعيش توقفا مؤقتا من استمرار الاضطرابات السياسية مع تولي ريشي سوناك رئاسة الوزراء، لكن سوناك يواجه تحديات عديدة فيما يتعلق بخفض حدة تفاقم الأزمات الاقتصادية.

بحسب تقرير المجلة، فإن التحديات أمام الحكومة البريطانية، تتمثل بأن حوالي مليوني أسرة بريطانية ستواجه زيادات حادة في تكاليف الرهن العقاري خلال العامين المقبلين، وهناك تحذيرات من احتمال انقطاع التيار الكهربائي في الشتاء وزيادة كبيرة في أسعارها.

اقرأ/ي أيضا: من شرق القارة السمراء إلى غربها.. الإرهاب يتصاعد عبر إفريقيا؟

يسعى مسؤولو الحكومة البريطانية إلى استعادة مصداقية المملكة المتحدة في الأسواق العالمية بعد أسابيع من الاضطرابات. ويتوقع نادي “إي وآي آيتم كلوب“، وهي مجموعة تنبؤ اقتصادية رائدة في المملكة المتحدة، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة العام المقبل، بانخفاض عن التقديرات السابقة لنمو بنسبة واحد في المئة، على رغم أن مخاطر الانكماش الحاد قد تم تخفيفها من خلال تدخل الحكومة في فواتير الطاقة، بحسب ما نقلت صحيفة “اندبندنت” عربية.

إجراءات حكومية

وزارة الخزانة البريطانية بدورها، إعادت صياغة ما يسمى بالميزانية المصغرة التي تسببت في اضطراب السوق مؤخرا، حيث سيعود الاهتمام اليوم إلى أسواق السندات، بالتوازي مع اختتام بنك إنجلترا أيضا إجراءاته بعد شراء ما يقرب من 19 مليار جنيه استرليني (21.4 مليار دولار) من السندات الحكومية “غيلتز” (سند ينطوي على مخاطر منخفضة جدا للتخلف عن السداد ومعدل عائد منخفض مقابل ذلك يطلق عليها اسم “غيلتز” لأن الشهادات الأصلية الصادرة عن الحكومة البريطانية كانت ذات حواف مذهبة).

وزير المالية البريطاني جيريمي هانت، قال إن الحكومة ستضطر لرفع الضرائب في خطة الميزانية هذا الأسبوع من أجل إصلاح المالية العامة وتخفيف ركود طويل محتمل.

هانت يحاول استعادة مصداقية بريطانيا بين المستثمرين في أول خطة ميزانية منذ أن حلّ ريشي سوناك محل ليز تراس رئيسا للوزراء الشهر الماضي، مع تعهد بالتراجع عن أخطائها في السياسة الاقتصادية وعلى رأسها سلسلة من التخفيضات الضريبية غير الممولة.

أسواق المال في بريطانيا شهدت حال ركود في حركة السندات خلال الأسابيع الماضية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وأجبرها في النهاية على الاستقالة.

هانت قال في تصريحات نقلتها صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية السبت، “ستكون هذه لحظة اختبار كبيرة للبلاد، وسنضع الناس في مقدمة الأيديولوجيا“.

الصحيفة أشارت إلى أن هانت يخطط لسد فجوة تبلغ 55 مليار جنيه إسترليني (65.1 مليار دولار) في الميزانية البريطانية، من خلال تجميد حدود وزيادات ضريبة الدخل والتأمين العام وضريبة الميراث والمعاشات لمدة عامين آخرين.

الصحيفة ذكرت أيضاً، أن وزير المالية البريطانية يعتزم خفض الإعفاء الضريبي لضريبة الأرباح الرأسمالية إلى النصف، وخفض حدود دفع المعدل الإضافي لضريبة الدخل من 150 ألف جنيه إلى 125 ألف جنيه سنويا.

هانت أضاف في تصريحاته “ما يمكنني أن أتعهد به للناس هو أنني سأكون صادقا بشأن حجم المشكلة، وأن أكون منصفا في الطريقة التي أعالج بها تلك المشكلات. نعم، هذا يعني أن الأشخاص ذوي الدخول الأكبر سيتحملون العبء الأكبر“.

هانت لم يستبعد أن تدخل البلاد في حالة ركود خلال الفترة المقبلة، لكنه وعد بالعمل لجعل هذا الركود أقصر وأقل عمقا، حسب قوله.

وأضاف أنه سيسعى إلى العمل بالتعاون مع بنك إنجلترا للسيطرة على التضخم والارتفاع العالمي في أسعار الفائدة، وهو ما يزيد الضغوط على الاقتصاد البريطاني. وتابع “أول شيء يمكنني فعله هو مساعدة بنك إنجلترا على خفض التضخم“.

ووفق تقرير “صنداي تايمز” فإن هانت يدرس تقديم حزمة دعم بمليارات الجنيهات لحماية أرباب المعاشات الذين يحصلون على إعانات بطالة من ارتفاع فواتير الكهرباء.

وزير المالية البريطاني كان قد حذّر من أنه سيتخذ قرارات “مثيرة للدهشة” بعد انكماش الاقتصاد، فيما يُخشى أن يكون بداية أطول فترة ركود على الإطلاق.

كما حذر هانت من “طريق صعب” للمملكة المتحدة، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 بالمئة.

حيث أكّد إنه سيعمل على جعل الركود المحتمل “أضعف وأسرع” في ميزانيته الخريفية، والتي سيكشف النقاب عنها يوم الخميس.

كما أضاف في تغريدة له على “تويتر”، أن بريطانيا ليست محصّنة من التحديات العالمية المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم والنمو البطيء بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

بنك إنجلترا كان قد توقّع الأسبوع الماضي أطول ركود في البلاد منذ بدء السجلات قبل نحو مئة عام، مما يشير إلى أن الانكماش الذي بدأ في الربع الثالث من العام الجاري، من المرجّح أن يستمر حتى عام 2024، ويرفع البطالة إلى 6.5 بالمئة خلال العامين المقبلين.

المركزي البريطاني أشار إلى أنه حتى بدون المزيد من رفع الفائدة، فإن الاقتصاد سينكمش في خمسة من الستة أرباع حتى نهاية عام 2023.

يُذكر أن بنك إنجلترا قد قرر مؤخرا أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ عام 1989 إذ يحاول صنّاع السياسة ترويض التضخم المكون من رقمين.

وبين إجراءات البنك المركزي والتحديات التي تواجه الحكومة، وأبرزها الأزمات الخارجية المتمثلة بأزمات الطاقة والغذاء والتضخم، واستمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى الحكومة للخروج من عنق الزجاجة عبر إجراءات لا يمكن القول إنها ستنهي الأزمة بالتأكيد، بل هي في أفضل الأحوال ستخفف من تبعاتها القادمة.

قد يهمك: الانسحاب الروسي من خيرسون الأوكرانية.. مؤشر للتخلي عن جزيرة القرم؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.