مع عودة الأحزاب السياسية العراقية المقربة من إيران، إلى سدّة الحكم مجددا بعد نحو ثلاثة أعوام من عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته البلاد، نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد عام 2019 مطالبة بإصلاح النظام السياسي ووضع حد للتدخلات الإيرانية، عاد السؤال مجددا عن طبيعة الدور الإيراني في ظل المشهد السياسي الحالي، الذي يشهد انقساما بين القوى الشيعية.

السؤال ينطلق مما أظهرت مرحلة ما بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، حالة الخلل الكبيرة التي تعرض لها الدور الإيراني في العراق، متمثلة في تعثر قائد “فيلق القدس” الجديد إسماعيل قاآني في ملء فراغ سليماني، فضلا عن متغيرات داخلية وخارجية عقّدت بدورها من فعالية الدور الإيراني في العراق.

أبرز تلك الضغوط التي واجهها النفوذ الإيراني في العراق هي الاحتجاجات الشعبية، والتي حاولت إيران تجاوزه عبر إجراء إعادة هندسة لأدوارها في العراق، بدء من سيطرة التيار المحافظ على الساحة الداخلية، ومن ثم الوصول إلى الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2021، والتي أفرزت بدورها فوز مرشح التيار المحافظ إبراهيم رئيسي بها، بحسب دراسة أعدها موقع “ستراتيجكس“.

حيث أرسى وصول رئيسي تحولا جديدا بالدور الإيراني في العراق، إذ أن اكتمال سيطرة المحافظين الثوريين على كل المؤسسات السياسية والأمنية في إيران، خلق حالة وحدة وتكامل في الأهداف الإيرانية بالعراق، بشكل أفضى إلى إعادة تموضع إيراني جديدة في الساحة العراقية، يختلف عما كان عليه خلال فترة الرئيس السابق حسن روحاني، حيث تعددت الجهات والخطابات والوسائل الإيرانية في العراق.

اقرأ/ي أيضا: بين التكتيك والاستراتيجية.. ما دلالات الانسحاب الروسي من خيرسون الأوكرانية؟

ترميم الدور الإيراني

“ستراتيجكس” فصّل ملامح النهج الإيراني الجديد على أربع مستويات رئيسة هي، أولا، على مستوى الخطاب السياسي الإيراني، وثانيا، على مستوى دور فيلق القدس، وثالثا، على مستوى دمج دور الخارجية بـ “الحرس الثوري”، رابعا، على مستوى الثنائيات السياسية الإيرانية.

إذ أدى وصول رئيسي إلى خلق وحدة في الخطاب السياسي الإيراني الموجّه للعراق، وهو ما سعى إليه المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، من خلال وضع حدّ للخلافات بين المؤسسات الإيرانية التي برزت خلال فترة الرئيس السابق، إضافة إلى استدامة نفوذ “الحرس الثوري“، الذي أخذ يتصدع ويخفت تأثيره، فضلا عن إعادة رسم السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق من خلال تعيين شخصيات تمتلك علاقات واسعة وخبرة في العراق، مثل وزير الخارجية عبد الحسين آل هيان، والسفير ببغداد محمد آل صادق.

علاوة على ذلك، أشارت ملامح النهج الإيراني الجديد في العراق، إلى صعود ثنائية “المحافظين والحرس الثوري” التوافقية، مقابل أفول ثنائية “الرئيس والحرس الثوري” الخلافية، ورأس الحربة في هذه النقطة هي بإعطاء الأمن أولوية مقدمة على أولوية الدبلوماسية في العراق، غير أن الوضع في الداخل العراقي ظل غامضا، وهو ما حاول موقع “الحل نت” الوقوف عليه، من خلال الحديث مع المهتم في الشأن السياسي باسم علي الخزرجي.

الخزرجي قال، إن “بعد الاحتجاجات العراقية وتعبير الجماهير العراقية بشكل صريح عن رفضها واستيائها للتدخلات الإيرانية ودور وكلاءها في السياسية التي أوصلت النظام السياسي إلى أيامه الأخيرة، وانتهت بالبلاد في أسوأ الأوضاع على كافة المستويات، شعرت طهران بخطر حقيقي لوجودها الذي استفحل بعد العام 2011، بشكل كبير لذلك لجأت لتخفيف حدة لهجتها تجاه العراق، وتدارك عناصر الخلل“.

اقرأ/ي أيضا: الدستور الانتقالي.. هل ينهي الأزمة السياسية في السودان؟

إيران والاعتماد على الوكلاء

كما بين، أن “هذه الخطوات الإيرانية واجهت تعقيدات كبيرة بسبب غياب قاسم سليماني، غير إنه وعلى ما يبدو سيطرة وكلاءها في الداخل سياسيا وميدانيا من خلال الميليشيات التي ترعاها، ساعد بالتخفيف من تلك المصاعب، من خلال المطاولة وامتصاص غضب الشارع، بل وحتى مؤخرا في إجهاض مشروع غريمهم الشيعي التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، لينجحوا في تشكيل حكومة على مقاساتهم، ووفق رؤيتهم وهي التي ستساعد كثيرا في إعادة رسم النفوذ الإيراني مجددا لكن بحذر شديد“.

الخزرجي أوضح، أن “إيران ومن خلال خطواتها الإصلاحية لإنقاذ مصالحها في العراق، توجت داخليا في الحفاظ على تماسك وكلاءها، وإبعاد خطر منافسيهم سواء كانوا مدنيين أو أي جسم سياسي أو اجتماعي آخر، في مرحلة يمكن وصفها بإعادة مدّ الجسور من جديد“، مشيرا إلى أن “طهران ستعمل حاليا على إعادة تأكيد حضور ما فقدته في السنوات الثلاثة الماضية، إضافة إلى استدامة دور الحرس الثوري وإعادة توحيد البيت السياسي الشيعي“.

كما لفت إلى أن، “طهران تعرف جيدا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لن يسمح بأي شكل من الأشكال في إقصائه من المشهد السياسي، والاستخفاف بحظوظ جماهيره، لكنها تعرف كذلك أن تفرّده بالسلطة كان يمكن أن يضر بمصالحها بشكل كبير، لذلك هي تدارك تلك الحقائق من خلال تجزئة المشهد إلى مرحلتين، الأول عاجلة وطارئة تقتضي بقاء وكلاءها في السلطة مهما كلّف ذلك، ومن ثم العودة إلى ترميم ما تسببت به المرحلة الأولى، ولملمة شتات الأطراف التي فرقتها المرحلة الأولى“.

بناء على ذلك، يقول المهتم في الشأن السياسي العراقي، أنه “يمكن اعتبار إيران نجحت في الخطوة الأولى، لكن ما تبقى ربما هو الأصعب، بخاصة مع غضب الزعيم الصدري“، مبينا أن “إيران تحملت كل هذه المخاطرة بدفع وكلاءها في التصدي للمشرع الصدري، والذي كان يمكن أن يصل بالبلاد إلى اقتتال داخلي، للحفاظ على البعد الاقتصادي الذي تمتلكه مع العراق، لاسيما في المرحلة الحالية التي تواجه فيها عقوبات دولية كبيرة، بالتالي سعت جاهدة إلى بقاء العراق سوقا استهلاكية لمنتجاتها، وذلك بغض النظر عن ما تكسبه عن طريق الميليشيات والأحزاب السياسية من مكتسبات“.

“الإطار التنسيقي” ودره في الحفاظ على وجود إيران

يذكر أن القوى السياسية المقربة من إيران، والمتمثلة بتحالف “الإطار التنسيقي“، قد نجحت في تمرير حكومة “توافقية” برئاسة مرشحها محمد شياع السوداني. والسوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قِبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية “الموالية” لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

اقرأ/ي أيضا: الطائرات المسيرة.. سلاح الإرهاب القادم في إفريقيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.