في ظل استمرار محاولات روسيا في مدّ نفوذها داخل القارة الإفريقية، معتمدة على قوة السلاح ودعم الأنظمة “الديكتاتورية” والقوى القمعية، صار السؤال لزوما عن ما مآلات ذلك التمدد، بخاصة مع ما تشهده المنطقة من تدافع دولي.

منذ العام 2017، بدأت تظهر ملامح المساعي الروسية في التوغل داخل المنطقة الإفريقية، وتجلى ذلك من خلال دعم الانقلابات العسكرية، والاعتماد على الصادرات العسكرية، التي تخلق من خلالها موسكو سوقا من الفوضى الذي لا يمكن إيجاد أي نوع من الحلول له سوى عبر الشركات العسكرية الخاصة وأسلحتها.

موسكو ماضية في دعم تلك الشركات دون مراعاة كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، الذي لا يمثل وازعا بالنسبة لأصحاب شركات التعاقد العسكرية الروسية الخاصة التي لدى العديد منها صلات قوية بـ “الكرملين”، وخاصة مرتزقة “فاغنر” التي تحاول وضع يدها على ثروات هائلة في عدد من الدول الإفريقية.

في أواخر عام 2021، وصلت قوات “فاغنر” إلى دولة مالي غربي إفريقيا، للعمل ظاهريا مع القوات الفرنسية على مجابهة تزايد عنف الحركات الإسلامية الذي انتشر في معظم أرجاء المنطقة، لكن توترا حادا اشتعل على خلفية العنف المتصاعد بين المجلس العسكري المالي وفرنسا صاحبة الامتداد التاريخي في المنطقة، أدى إلى انسحاب الأخيرة، لتستثمر روسيا ذلك جيدا لتعزيز نفوذها وملء الفراغ الذي خلفته فرنسا.

اقرأ/ي أيضا: لبنان يفشل بانتخاب رئيس جديد للمرة الخامسة.. من سيخلف عون؟

بدايات التمدد الروسي في إفريقيا

بعد مالي جاء الدور على بوركينا فاسو التي سعت روسيا إلى تكريس وجودها داخلها كنفطة مرتبطة بمالي، وهو ما حصل نسبيا، لاسيما بعد تصاعد موجة الغضب ضد الفرنسيين، لتتنقل موسكو إلى مرحلة أبعد من ذلك بالتركيز على دولة النيجر، بالتالي أثارت هذه التحركات حفيظة باريس وعدد من دول الاتحاد الإفريقي.

تاريخيا تُعد منطقة غرب إفريقيا محل تواجد فرنسي تاريخي، إذ تُعد مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها من الدول المحيطة لها مستعمرات فرنسية، غير أن روسيا تحاول خلق منطقة صراع جديدة من خلال تدخلها في الغرب الإفريقي، كذلك بمحاولة لإحكام قبضتها على مصادر الطاقة التي تعد المنطقة إحدى أهم حاضناتها، وهو ما مثل نذير شؤم على المنطقة، وبادرة إلى صراع وكالات يمكن أن ينتج عنه هذا التدافع.

بدوره، تحدث موقع “الحل نت” إلى أستاذ الخبير في شؤون العلاقات الدولية مهند جهاد، بمحاولة لفهم أبعاد الخطوات الروسية المستقبلية، وقال، إن “التدخلات الروسية في القارة الإفريقية تحمل أبعاد كثيرة، لاسيما مع ما تحاول من خلاله موسكو من خلق منطقة صراع جديدة ضد خصومها الغربيين، كذلك محاصرتهم بمصادر الطاقة التي تمثل العامل الأساسي في كل المشكلات الحالية التي تخوضها روسيا مع خصومها، بالتالي من المؤكد لن يقف الغرب وفرنسا تحديدا مكتوفي الأيدي أمام تلك المحاولات بل ستزيد من تركيزها على المنطقة“.

جهاد بيّن أن “مضاعفة التركيز على رقعة جغرافية يعني أن دعم اللوبيات السياسية والاجتماعية، إضافة إلى مضاعفة الجهود الاقتصادية، وهذا من دون شك يعني أنه سيدفع إلى زيادة حدّة الاستقطاب داخل المنطقة وتحفيز النزاعات بين الأطراف المتخاصمة التي ستسعى كلا منا إلى بسط نفوذها“.

اقرأ/ي أيضا: نتنياهو نحو تشكيل حكومة جديدة.. ما أبرز الملفات التي تواجهه؟

النفوذ الروسي ودره في تحفيز الإرهاب

كما لفت إلى أن “المنطقة تُعد تاريخا ضمن رقعة النفوذ الفرنسي، أي الغربي، وأن ما تحاول روسيا فعله يُعد تعدٍّ على المصالح الاستراتيجية الغربية، وهذا بحد ذاته من شأنه أن يخلق صراعا قد يجتاح ما لا يقل عن عشرة دول إفريقية، بخاصة وأن الغرب اليوم بحاجة ماسة إلى الطاقة“.

جهاد أردف، أن “ذلك السيناريو ربما سيحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات، وهو ما سيمهّد إلى خلق انقسامات داخلية ونزاع محاور تحتّم على الدول الداعمة والمتصارع فيه على زيادة حركة التسليح لوكلائها على الأرض وهو ينذر باقتتال داخلي“.

النفوذ الروسي في غرب إفريقيا بدأ عندما لجأ رئيس إفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا في العام 2017، إلى موسكو من أجل تأمين الأسلحة والمدربين العسكريين لتعزيز جيش جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما مهّد إلى دخول مجموعة “فاغنر” إلى الخارطة الإفريقية.

نجاح الاستراتيجية الروسية في إفريقيا الوسطى، فتح شهية موسكو على توسيع دائرة نفوذها، فتكررت التجربة في مالي، عقِب انقلاب الكولونيل أسيمي غويتا في 2020، من خلال دعم روسيا المجلس العسكري الحاكم في بماكو بالأسلحة ووجود مرتزقة “فاغنر“، لتصبح بوركينا فاسو بانقلاب تراوري الأخير أقرب للخضوع للنفوذ الروسي.

الروسية ديمتري أوتكين، التي ظهرت للمرة الأولى شرق أوكرانيا، وتعمل حاليا كشركة مستقلة في التعاقد على توريد مقاتليها لسوريا وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وأوكرانيا، لكن أجهزة غربية تتحدث عن علاقتها بأجهزة الاستخبارات الروسية.

على هذا النحو، استغلت روسيا التوترات الأمنية وتصاعد العنف في دول غرب إفريقيا لتفرض تمددها فيها من خلال دعم الانقلابات العسكرية على حساب الحكومات المنتخبة شعبيا، وعلى حساب إرادات الشعوب، معتمدة في ذلك على استغلال صفقات السلاح والاتفاقات الأمنية التي تتخذها ذريعة لترسيخ وجود شركاتها الأمنية المتصلة بشكل وثيق مع “الكرملين”.

اقرأ/ي أيضا: هل توافق دمشق على الدعوات اللبنانية لترسيم الحدود؟تحليلات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.