في ظل انقسامات عميقة بعد عشرة أيام من دخول البلاد في فراغ رئاسي، إثر انقضاء ولاية الرئيس ميشال عون، فشل البرلمان اللبناني الخميس، للمرة الخامسة على التوالي، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو ما يؤشر أن العملية السياسية والانتخابية في لبنان ما تزال تمر بمخاضات عسيرة ما يعني أن انتخاب رئيس جديد سيستغرق وقتا طويلا.

عدم الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يزيد من تعقيدات الوضع في لبنان الغارقة في أزمة اقتصادية خانقة، وحيث نادرا ما تحترم المهل الدستورية المحددة، بينما فشلت جلسة اليوم الخميس، برغم توافر نصاب انعقادها بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، قبل أن ينسحب نواب ليطيحوا النصاب في الدورة الثانية، وهو ما ترك السؤال مفتوحا على من سيخلف الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون؟

جلسة اليوم الخميس شهدت انقساما في التصويت، حيث اقترع 47 نائبا بورقة بيضاء، فيما حظي النائب ميشال معوض مرشح الأحزاب المعارضة التقليدية المتمثلة بـ “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع، “التقدمي الاشتراكي” برئاسة وليد جنبلاط، و”الكتائب اللبنانية” برئاسة النائب سامي الجميّل، بـ34 صوتا، فيما صوت ستة نواب للمؤرخ والأستاذ الجامعي عصام خليفة.

فيما كانت ورقة واحدة حملت اسم “الخطة ب”، بينما حصل زياد حايك على صوت واحد، وزياد بارود صوتا واحدا، و”لبنان الجديد” 7 أصوات، و”لأجل لبنان” صوتا واحدا، كما اعتُبرت ورقة ملغاة.

اقرأ/ي أيضا: بين الاتهامات والدعوات للصلح.. ما هي فرص إنهاء الخلافات بين المغرب والجزائر؟

محاولة جديدة

بعد فشل الجلسة عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري ليعين موعدا للجلسة السادسة يوم الخميس المقبل، حسبما ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام، ويحتاج المرشح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين، أي 86 صوتا للفوز، وإن جرت دورة ثانية فالغالبية المطلوبة عندها 65 صوتا، في حين لا تلوح في الأفق حلول قريبة.

المشكلة حول المرشحين، تأتي من أن كتل رئيسية بينها “حزب الله” تعارض المرشح لرئاسة الجمهورية معوض، وتصفه بأنه مرشح “تحدي”، فيما تدعو إلى التوافق على مرشح، ويعتمد نواب “حزب الله” وحليفته “حركة أمل” برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، استراتيجية التصويت بورقة بيضاء، ثم الانسحاب من الجلسة لإطاحة نصاب الدورة الثانية، ما يفشل عملية انتخاب الرئيس

على نطاق واسع ينظر إلى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة إلى “حزب الله”، وإن كان لم يعلن دعمه علنا له، لكن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، صهر عون والطامح بدوره إلى الرئاسة والمتحالف مع الحزب، أعلن معارضته لفرنجية.

وسط تلك الأزمة، يتهم كل فريق الآخر بالعرقلة، في حين أن لأزمة تكمن في أن كل فريق يريد مرشحا من جانبه، فيما يرى كثيرين أنه يجب التفكير بطريقة مختلفة وأن يجري التفاهم على اسم يشكل حلا وسطا، ويقبل به على الأقل ثلثا المجلس.

اقرأ/ي أيضا: من خلع الحجاب إلى إسقاط العمائم.. تصاعد للمظاهرات في إيران

نظام التسوية ودوره في تعطيل انتخاب الرئيس

يأتي ذلك في بلاد عادة ما يؤخر نظام التسويات والمحاصصة القائم بين القوى السياسية والطائفية، القرارات المهمة، وبينها تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس، إذ أنه وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين من فراغ في سدة الرئاسة، انتخب عون رئيسا بعد 46 جلسة إثر تسوية بين الأفرقاء السياسيين.

لكن الأزمة الحالية وبحسب خبراء، تعد هي الأكثر صعوبة، على اعتبارها تأتي في ظل حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، وذلك بالرغم من أن عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان

بناء على الوضع المأساوي، يرى مختصين أنه لا يجوز أن يبقى منصب رئاسة الجمهورية خاليا، لأن خلو السدَة الأولى في الحكم يعطب الحياة الدستورية، ويعيق تعافي البلاد، لاسيما وأن هواة التعطيل يجاهرون بالسعي لشل الحكومة، وهذا التعطيل والشلل في مطلق الأحوال لن يصيب إلا شؤون البلد والمواطنين، وفق ما تحدث به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

ومنذ العام 2019، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وهبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.

محاولات فشل سابقة

منذ نهاية أيلول/سبتمبر، فشل البرلمان أربع مرات في انتخاب رئيس جديد للبلاد، مع عدم وجود أي فريق في مجلس النواب يملك أكثرية تخوله باختيار رئيس، وبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني ينتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائبا، ويكتفى بالغالبية المطلقة في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائبا.

وفي الرابع والعشرين من الشهر الماضي، أخفق مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفا لميشال عون، وسبق وأن أخفق البرلمان، يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في انتخاب رئيس للجمهورية خلال جلسة حضرها 119 نائبا من أصل 128

وتدوم فترة ولاية الرئيس 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى، ولا يلزم الدستور الراغبين في خوض انتخابات الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، إذ يمكن لأي نائب أن ينتخب أي لبناني ماروني، بشرط ألا يكون هناك ما يمنع أو يتعارض مع الشروط الأساسية مثل العمر والسجل العدلي.

في غضون ذلك، تستمر قوى المعارضة بالتحشيد إلى انتخاب عوض، حيث يعتقد زعماء في المعارضة أن إمكانية التوافق من أجل انتخاب رئيس للجمهورية يعد أمر بسيط. أي 65 نائبا يتفقون على مرشح هذا يعني أنه صار رئيسا للجمهورية، وبغض النظر عن كل النظريات الأخرى.

بالتالي أنه مع ما يزيده الفراغ الرئاسي والنزاع السياسي الجديد من الانعكاسات على الواقع المعيشي والأمن الاجتماعي للبنانيين، يمكن أن يؤدي بلبنان إلى اضطرابات غير محسوبة، كالفوضى الاجتماعية، وهو ما سيدفع الجميع مجبرين نحو تسوية مبكرة سابقة للتسوية الإقليمية.

اقرأ/ي أيضا: هل توافق دمشق على الدعوات اللبنانية لترسيم الحدود؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.