مخاطر كبيرة يواجهها النظام الإيراني تتمثل بآلاف المحتجين في الشوارع، ما يحفز السلطة في طهران على مواجهة الاحتجاجات بخطط قد تجنح نحو السيناريو السوري، الذي يعتمد على تأمين المركز بعد تهيئة الفرصة لتسليح الأطراف، ومن ثم القضاء عليها بالتدريج.

بعد هجومين صرحت طهران بمسؤولية “مجموعات إرهابية” عنها، يرى مراقبون أن هناك مؤشرات على إمكانية تصاعد العنف في البلاد، وهو توجه يتفق مع خطط السلطة الإيرانية في القضاء على الاحتجاجات.

اقرأ أيضا: استمرار الاحتجاجات في إيران.. ماذا بعد؟

المخاوف تتصاعد من انزلاق إيران نحو مزيد من أعمال العنف بعد حادثتي إيذة وأصفهان، اللتين أدتا لمقتل عشرة أشخاص بينهم امرأة وطفلان، إضافة إلى ضابط في الشرطة، خلال هجومين منفصلين في إيذة (جنوب غرب) وأصفهان (وسط)، وعزت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية الهجوم إلى “إرهابيين”. وفقا لـ “وكالة الصحافة” الفرنسية.

الهجوم هو الثاني الذي تنسبه السلطات إلى “إرهابيين” منذ اندلاع الاحتجاجات، بعد استهداف لمرقد ديني في مدينة شيراز في تشرين الأول/أكتوبر، أدى الى مقتل 13 شخصا وتبناه تنظيم “داعش” الإرهابي. غير أن محللين يقولون إنه “بغض النظر عن منفّذي الهجومين الأخيرين، فإنهما قد يتسببان برد أكثر عنفا على التظاهرات”.

احتجاجات وعقوبات غربية

 المؤشرات تدلل على عدم رغبة وقدرة النظام في طهران على التغيير، ومنح المحتجين أدنى درجات حرية التعبير عن الرأي في ظل أزمات مركّبة تعاني منها البلاد.

 معاناة الشعب الإيراني تشمل سلة من الأزمات، على رأسها الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف التومان الإيراني، وتعنت النظام الإيراني في الوفاء بالتزاماته بخصوص الملفات المعلقة (النووي – الباليستي – المسيّرات – الأذرع العسكرية)، وانعكاس ذلك على توجيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مزيدا من حزم العقوبات بحق إيران، ومدى تأثيرها على المواطن الإيراني. بحسب حديث الباحث في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب”، مصطفى النعيمي لـ”الحل نت”.

 الانشقاقات التي حصلت في المؤسسة الأمنية، ستمثل حافزا كبيرا لانشقاق المزيد من المنضويين تحت إمرتها، بحسب النعيمي، ولمنع ذلك سعى النظام الإيراني إلى احتواء تلك الأزمة بالنسبة له عبر مسارين. عدم زج المؤسسة الأمنية والاستعاضة عنها برجال الاستخبارات “الباسيج” من جهة، ومن جهة أخرى جلب عناصر من الخارج ممن لديهم خبرات في قمع التظاهرات، لا سيما الذين شاركوا في قمع التظاهرات في العراق وسوريا ولبنان، لمواجهة المحتجين. يتم نقلهم عبر رحلات جوية من مطار بغداد الدولي إلى طهران ومنها إلى المناطق التي تشهد احتجاجات كبيرة.

من جانب آخر، الحملة الإيرانية المستمرة لإسكات “الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد التي اندلعت في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد مقتل الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، إلى جانب دعم طهران للحرب الروسية في أوكرانيا، قد أدتا إلى إضعاف احتمالات إحياء الاتفاق النووي”. بحسب تقرير لموقع “المونيتور” الأميركي.

 إدارة الرئيس جو بايدن أطلقت العنان لموجة من العقوبات، تهدف إلى معاقبة الحكومة الإيرانية على معاملتها للمتظاهرين، والتي تضمنت آخرها استهداف ستة موظفين كبار في “هيئة الإذاعة الحكومية الإيرانية”. استهدفت عقوبات أخرى “شرطة الآداب” الإيرانية وقادة “الحرس الثوري” ومسؤولي السجون. كما تلاحق الإدارة الأميركية الشركات التي تنقل طائرات مسلحة إيرانية بدون طيار إلى روسيا.

الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، يقولون إنه يجب على الولايات المتحدة أن تظهر رفضها أكثر للسياسات الإيرانية من خلال الانسحاب من محادثات الاتفاق النووي بشكل نهائي. وفق تقرير “المونيتور”، لكن المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم روبرت مالي، مبعوث بايدن بشأن إيران، يقولون إن الدبلوماسية لا تزال أفضل طريقة لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، حتى لو كان الاتفاق خارج جدول الأعمال في الوقت الحالي.

صراع المركز والأطراف

هناك فرضية يطرحها بعض المحللين حول إمكانية تطويق الأطراف الإيرانية التي تمثل بلوشستان، الأحواز، وأذربيجان للمركز أي طهران، خراسان، أصفهان، وقم، من خلال الضغط العسكري.

لا يمكن الحديث الآن عن نجاح هذه الفرضية، ما لم تتلقَ حركات التحرّر الوطني والقوى الوطنيّة الممثلة لهذه الشعوب دعما دوليا، وإن تلقت هذا الدعم، فهذا يعني أن الدول الداعمة تكون قد نفذت بالمواثيق الدولية التي التزمت بها ضمن إطار “هيئة الأمم المتحدة” و”الجمعية العامة” التابعة لها، والقرارات الصادرة عنها والتي تؤكد على ضرورة مناصرة الشعوب لنيل حقها في تقرير مصيرها، وكذلك مساندة حركات التحرّر الوطنيّة للشعوب المطالبة بالحرية والاستقلال. وفق تصريح للمتحدث باسم “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” عباس الكعبي، لـ”الحل نت”.

فكرة تطويق النظام الإيراني ومحاصرته من الأطراف، وفق الكعبي قائمة وواردة، خاصة أن القوى الوطنية الممثلة للشعوب المذكورة أعلاه، تتواصل وتنسق فيما بين بعضها البعض، فهي تتشارك في وحدة النضال والمصير والهدف، وهو التخلّص من الاحتلال، وفق تعبيره. لكن في حال لجأت الأطراف إلى هذا السيناريو هل يلجأ النظام الإيراني لخطة حماية المركز، وحصر الأطراف في كانتونات متفرقة بما يشبه ما جرى في سوريا.

من المبكر جدا أن نفكر باستراتيجية النظام الإيراني في مواجهة مناوئية، وفق مصطفى النعيمي، وذلك نظرا لمجموعة من العوامل، فلدى النظام الإيراني القدرة على التكيف مع كافة المتغيرات من خلال استثمار جهود من ينتمون إلى مشروعهم، سواء ضمن الجغرافية الإيرانية أم خارجها، وهو لا يعتبر أن هنالك حدودا بينه وبين العراق وسوريا ولبنان، لذلك يتحكم بنقل المقاتلين ضمن مشروعه وفقا للحاجة.

لكن النظام الإيراني قد يُقدم على ترك العديد من مواقعه الهامة خارج العاصمة طهران، ويعزز قدراته في تأمين الحماية الكاملة للمركز، إضافة إلى تعزيز قدراته العسكرية لحماية المفاعلات النووية المنتشرة في كامل البلاد، لاسيما المفاعلات التي تنتج أجهزة الطرد المركزي.

في حال لم تُخمد الاحتجاجات في إيران واستمرت لفترة أطول، من المتوقع ستكون هناك 3 خطط للنظام الإيراني، للفت انتباه المجتمع الدولي والداخل الإيراني، وحرف الأنظار عما يحصل بالداخل وتشمل قيام النظام الإيراني بمجزرة بالداخل، أو أن تقوم إيران بعمليات خارج حدودها، أو من خلال القيام بتفجيرات واستهداف السفن في البحار، بحسب موقع “الحرة” الأميركي.

السيناريو السوري

ما يحدث في إيران عبارة عن تراكمات سابقة واحتقان في الشارع الإيراني، ربما لن تقود في الوقت الراهن لإسقاط النظام الإيراني، لكنها سوف تحدث نوعا من الخلخلة في بنية السلطة.

 في ظل تعامل السلطة مع المحتجين الذي يكاد يتفق مع تعامل دمشق، مع محتجي ثورة 2011 السورية، فإن انزلاق مستوى الاحتجاجات إلى السيناريو السوري ممكن جدا، وفقا للكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي.

النظام الإيراني رد على الاحتجاجات بحزمة من الاتهامات التي تشمل التعامل الخارجي واستخدام العنف بالتدريج إضافة للاعتقالات وتشويه صورة المعارضين، وهي خطة ينتهجها النظام الإيراني لدفع البلاد نحو السيناريو السوري، مستغلا عدم وجود دول محيطة يمكن أن تدعم المحتجين ما يعني تأمين الحدود الإيرانية، وهذا ما يدعم الموقف الإيراني أكثر.

في حال تصاعد النزاع ليغدو حربا بين الأطراف والمركز، فإن الأطراف سوف تطرد السلطة وتعلن نفسها مناطق محررة، وهذه الأطراف يسهل تسليحها كونها تحمل نزعات انفصالية عن المركز. الكلام عن هذا الموضوع لا يزال مبكرا، وهو يعتمد على مدى قدرة المتظاهرين في الشارع على الصمود. وفق علاوي.

قد يهمك: محاولات إيرانية للتغطية على الفشل في قمع الاحتجاجات.. كيف ذلك؟

تعامل السلطات الإيرانية مع المحتجين يؤشر إلى وجود خطط لدى طهران للتصعيد، والاتجاه نحو المزيد من أعمال العنف ما يعني وقوع البلاد في فخ الحرب الأهلية.

مؤشرات العنف واضحة للعيان وتستند إلى حاملين، رغبة السلطات في شيطنة الحراك، ووجود نزعة استقلالية لدى بعض الأعراق المتمركزة في الأطراف. وعليه، يمكن تكرار السيناريو السوري لكن مع فارق كبير لصالح طهران وهو تأمين حدودها من الدول الإقليمية المعادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.