على خلاف دول أخرى بدأت تتعايش مع فيروس “كورونا”، لا تزال الصين منذ أكثر من عامين تتبع نهجا متشددا في التعامل مع الجائحة ينطوي على إجراءات صارمة تشمل إغلاقات متكررة للمدن وفرض حجر صحي على ملايين السكان، الأمر الذي تسبب في تذمر شعبي كبير وفوضى عارمة، طرحت تساؤلات عن أسباب تمسك الحكومة بنهج “صفر كوفيد”، على الرغم من فشل هذه السياسة في وضع حد للوباء.

إذ أنه وعلى الرغم من سياسة الإغلاق التي تبناها وفرضها الحزب “الشيوعي” الصيني بزعامة رئيس البلاد شي جين بينغ على البلاد، لا يزال الفيروس يربح في الصين، بحسب تقرير أعده محرر الشؤون العلمية في صحيفة “التايمز“، توم ويبل، وهو ما يؤشر عدم فاعلية إجراءات الإغلاق التي اتبعتها السلطات.

بحيث أنه ومنذ ظهور الفيروس وبدء انتقاله من إنسان إلى آخر، في مدينة ووهان قبل نحو 3 سنوات، لم يكن هناك أي هدف لإجراءات الإغلاق إلا كسب المزيد من الوقت، أو على الأقل هذا ما كان يفترض، كما يشير التقرير.

التقرير يضيف أيضا، أنه الآن أصبحت إجراءات احتواء الفيروس مرتكزة على الجوانب السياسية، أكثر من أي شيء آخر، فالأمم تراوحت سياساتها بين صفر عدوى، وما يتبعها من إجراءات شديدة من جانب، ومناعة القطيع شديدة التسامح من جانب آخر، بينما حاولت العديد من الدول التوسط بين هذين المنهجين، بحيث تقلل معدلات العدوى، وتحافظ قدر الإمكان على معدلات النمو الاقتصادي.

الصين التي تعتبر أكثر دول العالم سكانا، وفقا للتقرير، تحوي ملايين المواطنين الذين تلقوا جرعتي اللقاح، والجرعة المعززة، بينما لا زالوا ينتظرون الإصابة بالفيروس بشكل طبيعي، فيما تقترب فترة حمايتهم من الانتهاء، بعدما حصل الفيروس على 3 سنوات قام فيها بتغيير جلده، والكثير من خصائصه.

العبرة من فيروس “كورونا”، أنه إذا لم يلتقي الناس لا يمكن أن تنتقل العدوى بينهم، غير أنه ليس من الممكن تقييد حياة الناس بشكل كامل مثل ما تفعل سياسية الحزب “الشيوعي” الصيني مع الصينيين، بخاصة وأن الناس والفيروس، سيجدون طريقة حتما لتجاوز هذه الإجراءات، لكن فقط دولة مثل الصين، هي التي بإمكانها الحفاظ على إجراءات الإغلاق، بشكل متواصل، والإصرار على سياسة “صفر كوفيد”، بحسب “التايمز“.

اقرأ/ي أيضا: خطر الهجوم الصيني على الفلبين.. ما احتمالية تفعيل “الدفاع المشترك” لواشنطن؟

الصين والنظام العكسي

فيما أستدرك أن الصين لم تكن محظوظة بطبيعتها الجغرافية مترامية الأطراف، في هذه الحملة الصحية، لا سيما وأن الخبراء الدوليين لاحظوا أن هذا النظام القوي في الصين، الذي يستمر في فرض إجراءات إغلاق قاسية، هو النظام نفسه الذي يفشل في تلقيح جميع المواطنين، ويفشل أيضا في توفير الرعاية الصحية الكافية لجميع المرضى.

على الرغم من استمرار سياسات الإغلاق، التي أكد عليها الرئيس شي، في المؤتمر الـ 20 الذي عُقد في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سجلت الصين أول أمس الأربعاء، أكبر عدد لحالات الإصابة اليومية بـ” كوفيد” منذ بدء انتشار الجائحة، كما شهدت العديد من المدن الكبرى حالات تفشي المرض، من بينها العاصمة بكين ومقاطعة قوانغتشو، المركز التجاري جنوبي البلاد.

عدد الإصابات بلغ 31527 حالة إصابة، وهو المعدل الأعلى من ذروة الإصابات التي سجلت في شهر نيسان/أبريل والتي قُدّرت بنحو 28 ألف حالة إصابة، عندما فرضت الصين تدابير إغلاق في مدينة شنغهاي، أكبر مدنها، كما يأتي ذلك في وقت تواصلت فيه تدابير الإغلاق الصارمة في إشعال فتيل الاضطرابات.

نتيجة ذلك، فرضت السلطات الصينية التي تطبق وصايا الرئيس شي، بشكل صارم، أمس الخميس إغلاق في مدينة تشنغتشو وسط البلاد بسبب تفشي الفيروس، ويشمل الإغلاق المناطق الحضرية الرئيسية لمدة 5 أيام في الفترة من 25 حتى 29 من الشهر الجاري.

قبل مدينة تشنغتشو، كانت آخر المناطق التي ضربها الوباء في الصين هي مدينة شينزن الجنوبية، التي تشهد منذ مطلع أيلول/سبتمبر الماضي إغلاقات متكررة وعزلا عن باقي المدن الصينية بسبب زيادة حالات الإصابة بـ” كورونا” خلال الأسابيع الماضية.

وتُعد هذه المرة الثانية خلال العام الحالي التي تخضع فيها المدينة البالغ عدد سكانها 17 مليون شخص، لإغلاق تام، وكانت قد خضعت في شهر آذار/مارس الماضي للإجراء نفسه بسبب تفاقم أزمة كورونا وظهور بؤر جديدة للفيروس في أحياء سكنية عدة.

اقرأ/ي أيضا: الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.. العقبات والتداعيات

الصين وسياسات الإغلاق

بموجب التعليمات الحكومية، أُوقف عمل وسائل النقل والمواصلات العامة في المدينة، وأُغلقت جميع الشركات والمؤسسات، وأجبر الموظفون على العمل من منازلهم، بالإضافة إلى حثهم على إجراء اختبارات الحمض النووي يوميا، وشكلت لجان شعبية في كل مجمع سكني لمراقبة حركة السكان وتتبع حالتهم الصحية عبر تطبيق “ويه كانغ” المعروف باسم “كيو آر“، وتظهر نتيجة فحص “كورونا” في اليوم التالي عبر التطبيق مصحوبة بعداد زمني يبدأ من آخر اختبار للمستخدم.

في وقت سابق كان يمكن للأفراد التنقل والدخول إلى جميع الأماكن المغلقة في المدينة خلال 72 ساعة من إجراء الاختبار، أما الآن ومع عودة تفشي الفيروس بشكل كبير في الصين، وجب ألا تتجاوز مدة الاختبار 24 ساعة، الأمر الذي أدى إلى طوابير كبيرة أمام اللجان الصحية طوال اليوم، وأصبح اختبار “كورونا” ضرورة ملحة كي يتمكن الأفراد من قضاء حاجاتهم اليومية بصورة طبيعية.

وفقا لتقرير سابق لمنصة “تساي شين” الاستقصائية في بكين، فأن 73 مدينة صينية (تشمل 15 عاصمة إقليمية) وضعت تحت الإغلاق الكامل أو الجزئي بسبب جائحة “كورونا” منذ أواخر آب الماضي/أغسطس، الأمر الذي أثر على أكثر من 300 مليون شخص من قاطني هذه المناطق.

في السياق، ذكرت نشرة العمل الصينية، وهي منظمة غير حكومية مقرها هونغ كونغ، وتعنى بشؤون العمال الصينيين، أنه منذ ظهور فيروس “كورونا” نهاية عام 2019، خضعت حوالي 250 مدينة صينية لإغلاقات جزئية أو شاملة، أي ما يمثل حوالي 38 في المائة من مدن البر الرئيس الصيني، ويقطن هذه المدن نحو 700 مليون صيني، ما يعني أن حوالي نصف سكان الصين خضعوا لحجر صحي إلزامي.

وسط ذلك، كان العديد من السكان يتوقعون أن تبدأ البلاد في رفع القيود على السفر ووقف عمليات إغلاق المدن المتكررة، واختبارات الحمض النووي اليومية، بعد تصريحات حكومية صدرت في شهر تموز/يوليو الماضي، تحدثت عن تخفيف إجراءات الرقابة، وتقليص مدة أيام الحجر للمسافرين القادمين من خارج الصين، ولكن سرعان ما عادت السلطات إلى الإفراط في التشديد على المدن والمناطق التي تشهد تسجيل حالات إصابة جديدة بفيروس “كورونا”.

تلك السياسية أثارت غضب المواطنين، وظهرت الكثير من التعليقات والفيديوهات التي تظهر مواطنين غاضبين تحدثوا عن مبالغة الدولة في إجراءاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا إن الأمر يتجاوز حدود الخوف على صحة المواطنين، ويخضع لاعتبارات سياسية لها علاقة بصورة الحزب “الشيوعي” الصيني أمام الشعب والعالم، وخصوصا أن دولا غربية كانت قد انتقدت سياسة صفر كوفيد والطريقة التي يدير فيها الحزب الأزمة التي تسببت بها جائحة “كورونا”.

اقرأ/ي أيضا: الصين عالقة في فخ من صنعها.. ما أثر ارتفع إجمالي حالات “كوفيد” اليومية عالميا؟

سياسة الإغلاق وتأثيرها على حركة التجارة

يُشار إلى أنه الرئيس شي جين بينغ، كان قد أعلن عن سياسة “صفر-كوفيد” قبل أكثر من عامين ونصف، وعلى الرغم من أن دول العالم قد تعايشت مع جائحة فيروس “كورونا” منذ أكثر من عام تقريبا، لا تزال بكين متمسكة بتلك السياسة التي أضرت تدريجيا بحركة التجارة العالمية.

القصة هنا تتعلق بسياسة “صفر-كوفيد” التي يصر عليها الحزب “الشيوعي” الحاكم، فرغم أن عدد الحالات المسجلة هناك منخفض للغاية وفقا للمعايير العالمية، إلا أنه لا يزال متمسكا بتلك السياسة الصارمة التي تتضمن عمليات إغلاق وحجر صحي واختبارات متكررة للكشف عن المرض وتراجعا كبيرا في التنقل الداخلي.

طبقا لهذه السياسة فإن ظهور ولو حالة إصابة واحدة في مبنى سكني، على سبيل المثال، يجعل مسؤولي الصحة المحليين يفرضون رقابة مستمرة على السكان ويتابعون الموقف أولا بأول، مع فرض عزل على الحالة المصابة بطبيعة الحال، وإجراء فحوصات دورية للمخالطين، إلى آخر نفس الإجراءات التي كانت متبعة حول العالم عندما تفشت الجائحة، والطريقة الصينية كانت هي الأكثر صرامة بين جميع دول العالم.

وإذا ظهرت حالة أو حالات أخرى في نفس المبنى السكني، تبدأ على الفور إجراءات الإغلاق، سواء جزئيا أو كليا، فيمنع السكان من مغادرة المبنى إلا في أوقات محددة ولأغراض محددة وهكذا، هذه الإجراءات يتم تطبيقها على الشارع بأكمله أو على الحي بأكمله أو على المدينة، وربما المقاطعة ككل، على حسب حالات الإصابة المكتشفة، فيتم تقييد حركة المواصلات العامة والخاصة، ويحظر السفر خارج المدينة أو إليها، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وكان ذلك ما حدث في شنغهاي، المركز المالي للصين ككل.

جدير بالذكر، أنه بعيدا عن كل ما يُثار بشأن سياسة الإغلاق التي يتبعها الحزب “الشيوعي” الصيني، وما مدى رضا المواطنين عنها، إلا أن المؤكد أن المستثمرين العالمين عموما قلقون أكثر بشأن تأثير الإغلاقات والقيود الخاصة بكورونا على المصانع وسلاسل الإمداد في الصين، ومدى تأثير ذلك على حركة التجارة العالمية، خصوصا أن الاقتصاد العالمي يعاني بشدة، سواء بسبب تأثيرات الجائحة أو بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا والارتفاعات القياسية في أسعار النفط والغاز.

لكن على أية حال لا يبدو بالفعل أن المسؤولين في الحزب “الشيوعي” الصيني بزعامة شي جين بينغ، قد يقررون تخفيف تلك السياسة، فقد فعلوها في شنغهاي، وبالتالي إذا ما استمرت الحالات المسجلة في الارتفاع في مدينة تشنغتشو، مركز التصنيع العالمي، فإن فرض الإغلاق الكامل يصبح هو السيناريو المتوقع بالفعل، وما سيضاعف من تبعات تضرر حركة التجارة العالمية.

اقرأ/ي أيضا: هل ستنجح موسكو في تجنيد “الكوماندوز” الأفغاني لصالح حربها في أوكرانيا؟

هل ستنجح موسكو في تجنيد “الكوماندوز” الأفغاني لصالح حربها في أوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.