بعد أن  أعلنت لجنة الصحة الوطنية في الصين أن “البر الرئيسي” الصيني سجل أكثر من 31000 إصابة بـ “كوفيد” يوم أمس الأربعاء، بما في ذلك الحالات التي لم تظهر عليها أعراض، يرجح أن يتم إغلاق مدينة تشنغتشو، موطن أكبر موقع التصنيع بما فيها منتجات شركة “آبل” الأميركية إلى حد كبير لمدة خمسة أيام، حيث يلجأ المسؤولون في المدينة الصينية إلى قيود أكثر صرامة لقمع تفشي “كوفيد-19”.

البيانات الرسمية أظهرت اليوم الخميس، أن حالات الإصابة بفيروس “كورونا” اليومية في الصين ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الوباء، على الرغم من إصرار الحكومة على نهج عدم التسامح المطلق الذي ينطوي على عمليات إغلاق قاسية وقيود على السفر.

رغم أن الأرقام صغيرة نسبيا عند مقارنتها بسكان الصين الهائل البالغ 1.4 مليار وعدد الحالات التي شوهدت في الدول الغربية في ذروة الوباء، ولكن في ظل سياسة بكين الصارمة لعدم انتشار فيروس “كوفيد19” التي أغلقت مدنا بأكملها وتضع المصابين في حجر صحي صارم، تثار التساؤلات حول ما أثر ذلك على الصناعات العالمية الكبرى التي تعطلت في الصين، وما علاقة فشل اللقاحات الصينية ورفض حكومة الصين طلب مساعدة بلقاحات جديدة بذلك.

مع تشديد القيود الصناعات تتعطل

في بيان لـ “صندوق النقد” الدولي، اليوم الخميس، قال إن الصين بحاجة إلى تعزيز التطعيمات للاستعداد لمزيد من تعديل إستراتيجيتها الخاصة بـ “صفر كوفيد” وكذلك مساعدة مطوري العقارات بشكل أفضل على إكمال المنازل التي تم شراؤها مسبقًا. 

جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام للصندوق الدولي، توقعت أن يتأثر النمو في الصين، وهذا التباطؤ الاقتصادي في البلاد سيؤثر على بقية العالم. فبعد نصف يوم فقط من قمة الصين لتطوير السيارات بالخارج في شنغهاي، ألغى المنظمون الجلسات بسبب الاضطرابات المفاجئة من “كوفيد”، وقالوا إن “أشكالًا مختلفة من العروض التقديمية” ستُستخدم لإكمال جدول الأعمال الذي يستمر يومين.

الخبير في سلوك الحكومة الصينية، تيموثي تشيك، أوضح لـ”الحل نت”، أن سياسة الصين في القضاء على فيروس “كورونا” تسببت بغضب شعبي واستياء بين شرائح واسعة من السكان مع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة للوباء، مما أثار احتجاجات متفرقة وضرب الإنتاجية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

تشيك بيّن أن احتجاجات عنيفة اندلعت في مصنع تجميع أجهزة “أيفون” الضخم التابع لشركة “فوكسكون” في وسط الصين، بعد أن شددت العديد من المدن بما في ذلك بكين وشانغهاي وغوانغتشو وتشونغتشينغ قيود “كوفيد” مع زيادة الحالات، حيث كشف مكتب الصحة الوطني أن البلاد سجلت 31454 حالة منزلية، 27517 بدون أعراض يوم أمس الأربعاء.

سلطات بكين قالت إن العاصمة تجبر الآن جميع من يسعون لدخول الأماكن العامة مثل مراكز التسوق والفنادق والمباني الحكومية، لإجراء اختبار “بي سي آر” في غضون 48 ساعة، كما انتقلت المدارس في جميع أنحاء المدينة إلى التعليم عبر الإنترنت.

في المنطقة الصناعية جنوبي مدينة غوانغتشو، تم بناء الآلاف من غرف المستشفيات المؤقتة لاستيعاب المرضى، ويبدو أن سلسلة القواعد الجديدة التي أعلنتها الحكومة المركزية في وقت سابق من هذا الشهر التي كانت تشير إلى تحول بعيدا عن “صفر كوفيد”، وتخفيف متطلبات الحجر الصحي لدخول البلاد وتبسيط نظام تحديد المناطق عالية الخطورة لم تجد نفعا.

طبقا لهذه الحقائق، يرجع تشيك سبب عودة الإصابات بشكل مفاجئ وكبير إلى فقدان الثقة عند الشعب الصيني حول فعالية اللقاح المحلي، فبعد عدم موافقة بكين على طلب المساعدة في دعهما بلقاحات خارجية أكثر فعالية للاستخدام، لم يتلقَ سوى 85 بالمائة فقط من البالغين فوق سن الستين جرعتين من اللقاحات المحلية بحلول منتصف آب/أغسطس الماضي، وفقا للسلطات الصحية.

الصين عالقة في الفخ

مع مرور أكثر من أسبوع على بدأ الزعيم الصيني شي جين بينغ فترة ولايته الثالثة في السلطة بتأييد صارم لسياسته التي لا هوادة فيها حول “صفر كوفيد”، إلا أن ذلك عزز مشاهد الفوضى والبؤس في جميع أنحاء البلاد.

في مدينة شينينغ الشمالية الغربية، قضى السكان الأسبوع الماضي في طلب المساعدة للحصول على الطعام حيث عانوا من أحدث عمليات الإغلاق الصارمة في البلاد؛ وإلى الغرب في لاسا، عاصمة التبت الإقليمية، احتجت حشود غاضبة في الشوارع بعد أكثر من 70 يوما من أوامر البقاء في المنزل.

في مقاطعة خنان بوسط البلاد، هرب العمال المهاجرون من مصنع “فوكسكون” المغلق بشكل جماعي، مشيا لأميال هربا من تفشي المرض في أكبر موقع لتجميع “أيفون” في الصين. وفي المركز المالي الشرقي لشنغهاي تبدو الأمور ضبابية، وحتى في “ديزني لاند” أغلقت الحديقة أبوابها فجأة يوم الاثنين الفائت، للامتثال لإجراءات الوقاية من “كوفيد”، وحبس الزوار بالداخل لإجراء الفحوصات بشكل إجباري.

أيضا في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد، تستمر عمليات الإغلاق والحجر الصحي الإلزامي وقرارات الاختبارات الجماعية المستمرة وقيود السفر في شل الأعمال والحياة اليومية، حتى مع تجاوز بقية العالم للوباء.

دورات الإغلاق المتكررة والحجر الصحي والاختبارات الجماعية أدت إلى خسائر فادحة في الاقتصاد سواء على المستوى المحلي أو حتى على سلاسل التوريد والتجارة العالمية، فاعتبارا من يوم الاثنين الفائت، أثرت ضوابط “كوفيد” الصينية سلبا على 12.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، وفقا لنموذج “نومورا” الياباني.

كلاوس زينكل، نائب رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين ورئيس فرعها في جنوب الصين، قال يوم الثلاثاء الفائت، ”لقد تم إلغاء وتأجيل الكثير من الأحداث التجارية، كيف سنحافظ على علاقاتنا مع العملاء عندما لا نستطيع أن نلتقي وجها لوجه”.

مؤشر “مديري المشتريات الرسمي للتصنيع” انخفض إلى 49.2 هذا الشهر، انخفاضا من 50.1 في أيلول/سبتمبر الفائت، حسبما ذكر مكتب “الإحصاء الوطني” الصيني، وهذه الحصيلة أعلى من الرقم القياسي المسجل في منتصف نيسان/أبريل الماضي، عندما كانت شنغهاي، ثالث أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، ترزح تحت إغلاق عام وكان سكانها يكافحون لشراء الطعام والحصول على الرعاية الطبية.

ماذا يحدث في الصين؟

الأمور أصبحت غامضة في الصين مع تزايد حالات الإصابة بفيروس “كورونا”، إذ تبين أن اللقاحات المصنعة في الصين غير فعالة، مما يجعل الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالفعل عرضة للإصابة بعدوى جديدة.

سابقا، تنافس العمالقة الآسيويون الصين والهند مع بعضهما البعض لإيجاد لقاح لـ”كوفيد-19″، وكانت الصين أول من طور اللقاحات ومع ذلك، أثبتت اللقاحات الهندية أنها حققت نجاحا كبيرا حيث حررت نيودلهي مواطنيها من الإغلاق والقيود الأخرى، حيث تبين أن فعالية اللقاحات الهندية كانت 99.30 بالمئة، من ناحية أخرى، لم تتجاوز فعالية اللقاحات الصينية 79 بالمئة، كما تقول منظمة “الصحة” العالمية.

الدراسة التي أجرتها جامعة “هونغ كونغ”، خفضت من فعالية اللقاحات الصينية بشكل أكبر، وحددتها بـ 60 بالمئة فقط، وكشفت أيضا أن أولئك الذين تم تطعيمهم بمطعوم “سينوفاك” كانوا أكثر عرضة للوفاة بثلاث مرات مقارنة بمن تم تطعيمهم بلقاح “فايزر” الأميركي.

وفقا للخبير في سياسة الحكومة الصينية، تشيك، فإن السلطات الصينية جربت كل الإجراءات الممكنة بما في ذلك سياسة “صفر كوفيد” المثيرة للجدل لخفض انتقال الفيروس، لكنها أخفقت في ذلك، وارتفع عدد الإصابات بمعدل أكثر، مما أعاق الحياة الطبيعية في الصين. 

حوالي 400 مليون شخص في الصين، وهو ما يمثل أكثر من ربع سكان البلاد يتأثرون بالسياسة الحالية، حيث تم وضع ما يصل إلى 45 مدينة، بما في ذلك المركز المالي لشنغهاي، تحت الإغلاق الصارم في الآونة الأخيرة في أعقاب فشل اللقاحات الصينية في كبح انتشار الفيروس. 

الوضع المتدهور في الصين أثر سلبا على الشركات العالمية وكذلك الشركات المحلية في البلاد، ويخشى العديد من الاقتصاديين حدوث ركود اقتصادي في الصين الآن، وموجة الإصابات الأخيرة تشكل اختبارا لمدى قدرة هذه السياسة على الصمود، في وقت يسعى فيه المسؤولون لتجنب إغلاق على مستوى مدن بأكملها كما حصل في شنغهاي لمدة شهرين في نيسان/أبريل الفائت.

عمليات الإغلاق الصارمة في شنغهاي تهدد الإنتاج في مئات المصانع في المناطق الصناعية القريبة التي تعتمد على التدفق المستمر للمعادن من أكبر مركز تجاري للسلع في الصين، ويتوقع الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 3 بالمئة فقط هذا العام، أقل من الهدف الرسمي لبكين وهو 5.5 بالمئة، فيما يتوقع محللون آخرون هبوطا أكبر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة