خطوة غير متوقعة لرئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تمثلت بزيارة رسمية للأردن، تفتح الأبواب على تساؤلات حول ماهية الزيارة وأهميتها، خاصة للجانب العراقي، الذي يسعى إلى توطيد علاقاته عربيا ودوليا.

السوداني توجه إلى الأردن في 21 من الشهر الجاري، حيث جرت مراسم استقبال رسمية تبعها مباحثات مع العاهل الأردني حول العلاقات بين البلدين، وآليات تعزيز التعاون الاقتصادي واستكمال المشروعات المشتركة بينهما، وفق بيان نشرته وسائل إعلام أردنية رسمية.

لكن اختيار السوداني (المقرّب من طهران) الأردن في أول زيارة خارجية له بعد توليه رئاسة الحكومة، ولقائه الملك عبد الله الثاني، لم يأت عن محض الصدفة، بل يدل على استراتيجية واضحة في سياسته باستكمال ما بدأه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بالانفتاح عربيا ودوليا.

عمَّان بوابة بغداد

زيارة استمرت بضع ساعات لكنها تحمل في أجندتها ملفات سياسية واقتصادية وأمنية مهمة، وتشير إلى أهمية الأردن بالنسبة للجار الشرقي، الذي يسعى إلى العودة إلى الحضن العربي، وهو هدف عربي ودولي، بعدم ترك العراق لقوى إقليمية مثل إيران.

الأردن هي بوابة العرب، وفق حديث المحلل السياسي الدكتور غالب الدعمي لـ”الحل نت”، ومن هنا ينطلق السوداني لتحسين علاقاته، وهو يدرك جيدا أن عدم رضى الأردن أو تأزيم العلاقات من قبل بغداد، سيؤدي إلى إغلاق أبواب كثيرة أمام حكومة السوداني.

الزيارة، وفق الدعمي، هي تمهيد لزيارات أخرى كثيرة لمنطقة الخليج العربي والعالم، إذ أن هناك رؤية واضحة لدى حكومة السوداني بالانفتاح على الدول العربية لأجل استقرار العراق، والذي يبدأ من الأردن.

 الأردن مع العراق يرتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة، مهدت الطريق أمام السوداني، الذي وجد إرثا مناسبا بعد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، إذ نجح في تعزيز العلاقات مع الأردن ودول الخليج، وجرى التوقيع على اتفاقيات عديدة في مختلف المجالات، وتأسيس مجالس تنسيقية مشتركة.

الملك عبد الله الثاني أكد، خلال لقاء السوداني، على ضرورة مواصلة التنسيق والتشاور بين الأردن والعراق حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يحقق مصالحهما ويخدم القضايا العربية، وأهمية دور العراق في محيطه العربي والإقليم، مشددا على أن أمن العراق يُعد ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها.

بينما أكد السوداني حرص العراق على إدامة العلاقات المتميزة مع الأردن، وشدد على استمرار التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين، وبما ينعكس على أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها.

الكاظمي رسم خط انفتاحه تجاه الدول العربية، وتمكن من القيام بحالة من التوازن سواء في علاقته مع إيران، أو الانفتاح باتجاه الدول العربية واستطاع أن يحافظ على ذلك؛ وبالتالي مهمة السوداني ليست سهلة للحفاظ على ما بدأه الكاظمي، بحسب حديث المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، لـ”الحل نت”.

الأردن بحاجة للعراق والعراق بحاجة للأردن، وبالتالي ما وضِع كمشروع (بعيدا عن التجاذبات السياسية الإقليمية)، له أهمية استراتيجية للطرفين، ناهيك عن أن الوضع في إيران أيضا يدفع العراق للبحث عن إيجاد علاقات استراتيجية مع دول عربية، وبالتالي فكرة تفعيل الحدود ستنتقل إلى السعودية، وفق السبايلة.

هناك علاقات واتفاقات كثيرة بين الأردن والعراق ستكون بداية حقيقية لاستكمال ما بدأه الكاظمي في تحسين العلاقات مع الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التفاهمات والتعاون، بحسب ما يراه الدعمي.

هذه الزيارة بادرة جيدة بالنسبة للدول العربية، خاصة وأن حكومة السوداني تضم فعليا قوى محسوبة على إيران، وهي تعيد التأكيد على دور الجغرافيا السياسية في صياغة العلاقات بين البلدين، وفق حديث أستاذ العلوم السياسية، خالد شنيكات، لـ”الحل نت”.

قد يهمك: أسباب عقد النسخة الثانية من “مؤتمر بغداد” في الأردن

الأموال المنهوبة

ملف الأموال المنهوبة من العراق خلال السنوات الماضية لم يغب عن طاولة مباحثات السوداني مع الملك الأردني، وهو الملف الذي أعاد السوداني التأكيد على المضي قدما فيه.

أجندة السوداني، واضحة باسترجاع الأموال المنهوبة من العراق واعتقال بعض المطلوبين ومكافحة الإرهاب”، وفق شنيكات.

الاجتماع تناول ملف استعادة الأموال العراقية المنهوبة خلال السنوات الماضية، حيث رحب الملك عبد الله الثاني بالإجراءات التي تقوم بها العراق لاسترداد الأموال المنهوبة، مؤكدا للسوداني أن الأردن دولة مؤسسات وقانون ولا يمكن أن تسمح بإدخال الأموال إليها إلا عبر الطرق القانونية وتحت مظلة الرقابة، وفق ما نقلت صحيفة “عكاظ” عن مصادر في ديوان الرئاسة العراقية.

بحسب ذات المصدر، فإن الأردن لم يغلق أبوابه أمام العراق، مبديا استعداده لإبرام مذكرة تفاهم قانونية لمتابعة الإجراءات المتعلقة بحركة الأموال بين البلدين.

 معلومات كانت قد أفادت بتهريب الأموال المنهوبة إلى خمس دول هي (الأردن ولبنان والكويت وتركيا وبولندا)، وتجري بغداد مع عواصم هذه الدول مفاوضات من أجل التوصل إلى تفاهمات، لاستعادة الأموال المهربة وفق معايير محددة توسع آفاق التعاون وتبادل المعلومات عن الأشخاص المطلوبين وأموالهم وتنظيم طلبات المساعدة القانونية، مع التركيز على الدول التي تضم مطلوبينَ على أراضيها.

اقرأ أيضا: الأردن غير قادر على التعايش مع الوضع.. جهود متزايدة للحل في سوريا

اتفاقيات وتبادل تجاري

فترة رئاسة برهم صالح للعراق وحكومة الكاظمي تعتبر من أفضل ما مرّ على العراق بعد سنة 2003، إذ شهدت عودة التواصل والانفتاح مع دول عربية وتوقيع اتفاقيات استثمارية واقتصادية، خاصة في مجال الطاقة، إضافة إلى فتح معبر “عرعر” الحدودي بين العراق والسعودية المغلق منذ حرب الخليج الثانية.

حضور محافظ الأنبار علي الدليمي، الذي شهد إطلاق أعمال مشروع الربط الكهربائي الأردني العراقي في تشرين أول/أكتوبر الماضي، بصحبة السوداني في زيارة الأردن تشير إلى رغبة العراق بمواصلة هذا المشروع.

أجندة السوداني بالنسبة للأردن هي زيادة حجم التعاون وتنفيذ الاتفاقيات وتعزيز الاستثمار، خاصة أنه رغم حجم الاتفاقيات الاقتصادية، إلا أن القليل ينفذ منها بالمقارنة مع الجانب السياسي. الأردن يراهن على حدوث تغيير في سياسات السوداني والحكومة العراقية لعلها تنفذ هذه الاتفاقيات الموقعة منذ أمد ليس قصير، خاصة وأن العراق جزء من مشروع “الشام الجديد” ومشاريع أخرى، وفق شنيكات.

الأردن والعراق يجمعها مشاريع اقتصادية عدة تتعلق بقطاع الطاقة والتجارة وغيرها، أبرزها مشروع المدينة الاقتصادية على الحدود بين البلدين، ومشروع الربط الكهربائي الذي سيزود الأردن العراق بموجبه بقدرة كهربائية تصل لـ 150 ميجاواط، ورفعها إلى 900 في المرحلة الثالثة، إضافة إلى استيراد الأردن 10 آلاف برميل نفط عراقي يوميا بسعر مفضل.

خلال زيارة وفد اقتصادي أردني إلى العراق العام الحالي، تم توقيع اتفاقية بين غرف الصناعة الأردنيّة ومجلس الأعمال العراقي، لتأسيس مجلس رجال أعمال عراقي أردني، بهدف تعزيز التبادل التجاريّ بين البلدين.

بعد زيارة السوداني، يأمل تجار وصناعيون أردنيون أن تعود بالنفع على زيادة حجم التبادل التجاري بين الأردن والعراق، الذي وصل العام الماضي إلى نحو 471 مليون دينار، منها نحو 412 مليونا صادرات أردنية مقابل 59 مليون دينار مستوردات، وفق بيان لرئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان المهندس فتحي الجغبير.

الأردن والعراق ومصر ترتبط بشراكة ثلاثية بدأت من القاهرة في آذار/ مارس 2019، عندما أطلقت الدول الثلاث آلية للتعاون، تلتها قمة ثانية في أيلول/ سبتمبر 2019، في نيويورك، ثم قمة ثالثة بعمان أيلول/ سبتمبر 2020، تلتها قمة رابعة في بغداد في حزيران/يونيو 2021، طغت الصفة الاقتصادية على أجندتها.

لم يتوقف السوداني عند زيارة الأردن فحسب، بل توجه في 23 من الشهر الحالي، إلى الكويت حيث التقى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، بحضور رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، وأبدى السوداني حرص العراق على بناء علاقات متوازنة مع جيرانه، تُبنى على أساس الاحترام المتبادل وحفظ سيادة البلدين، والسعي لحل العديد من الملفات وفق ما يدعم المصالح المشتركة، ويحقق الاستقرار في المنطقة.

السوداني، حسب المعطيات، خالف كل التوقعات بتوجهه إلى الدول العربية، على الرغم أنه انبثق من “الإطار التنسيقي” المحسوب على طهران، لكن ذلك يبقى رهن التوجهات المقبلة لحكومة السوداني، فيما إذا كان سيحافظ على استكمال ما بدأه الكاظمي أم لا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.