على الرغم من الجهود الرسمية والدولية في مكافحة تمويل الإرهاب في إفريقيا، لا يزال تجفيف منابع التمويل للجماعات المتطرفة يمثل تحديا كبيرا، لاسيما مع استغلال الجماعات المسلحة للثغرات في الأنظمة المالية التي تُستخدم من قِبل عصابات التهريب وغسيل الأموال.

وعلى الرغم من كل تلك الجهود لا تزال عملية تدفق الأموال التي تديرها جماعات متخصصة مستمرة حتى الآن، بل أخذت بالتنامي مع مرور الوقت، بخاصة بعد تفشي جائحة كورونا في الربع الأول من العام 2020، وهو ما فتح باب السؤال حول أسباب ذلك.

 بالتالي وعلى هذا النحو، تتصاعد الخشية من أن العصابات المنظمة من المحتالين تتوسع في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مستغلة الفرص الجديدة نتيجة محددات الحياة الجديدة التي فرضتها جائحة “كورونا”، والتي دفعت بشكل كبير لتنشيط الحياة الإلكترونية، فضلا عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وما ساهمت به الأزمتين من خلق مساحات جديد لعصابات غسيل الأموال لكسب مبالغ ضخمة مع القليل من خطر الوقوع في قبضة العدالة.

وفي ظل هذا السيناريو الذي يعيشه العالم من النمو السريع في استخدام الإنترنت وإفريقيا في سياق ذلك، يبدو أن الزيادة في الجريمة السيبرانية في إفريقيا أخذت بالتصاعد مستفيدة من تلك العوامل، في وقت تراجعت فيه جهود أنظمة الرقابة في بلدان القارة السمراء بسبب العواقب الاقتصادية لسلسلة من التحديات الرئيسية.

في إطار ذلك، أشارت عدد من التقارير الاستخباراتية الدولية، أن الجماعات الإرهابية في إفريقيا لجأت في ظل هذا المشهد إلى تمول أنشطتها عن طريق الاتجار غير المشروع، والتي منها الاعتماد على المواد الأولية والمعادن النادرة، ومنها الذهب والفضة والماس، متعاونة مع عصابات متخصصة في مشروعات تلك الأنشطة، وعلى رأسها الاستثمار بعصابات الابتزاز الإلكتروني التي نشطت مؤخرا بشكل كبير، وهو ما جعل من الإرهاب في إفريقيا الشكل الإجرامي المنظم الأشد شيوعا.

اقرأ/ي أيضا: سياسات الإغلاق في الصين.. لماذا فشلت بالحد من تفشي “كورونا“؟

ما علاقة الإنترنت في تمويل الإرهاب بإفريقيا؟

بدوره، تحدث موقع “الحل نت“، مع استاذ الاتصال الجماهيري جاسم العقابي، حول مدى مساعدة تردي الوضع الاقتصادي في إفريقيا على تنمية وتصاعد الجرائم السيبرانية، فضلا عن السبب الرئيسي وراء بروز الدول الإفريقية كهدف مفضّل لمجرمي الإنترنت مع انتشار “كورونا”، وما علاقة ذلك بالإرهاب أو تمويله.

العقابي أشار إن “الإرهاب بمجمله يعتمد على عمليات التمويل غير الشرعية، فعلى سبيل المثال عندما استفحل داعش في منطقة الشرق الأوسط، كان إحدى أكبر المعوقات على الحد منه هو تعقب عمليات تمويله وشبكات التمويل التي يديرها ومصادر التمويل التي يعتمد عليها، وذلك لسببين، الأول هو ضعف النظام المالي في المنطقة التي استغلها داعش، وللمشكلات الاقتصادية في البلدان التي انتشر فيها“.

ولذلك، بحسب العقابي، إن “تنامي الجرائم الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني في القارة الإفريقية هو يرتبط ارتباطا وثيقا في شكل الأنظمة المعتمدة في تلك البلدان والتي بطبيعة الحال هي أنظمة متأخرة، ولصعود الإرهاب الذي بدوره يستغل هذه الثغرات ويلجأ إليها كسند أساسي في نشاطاته“.

أستاذ الاتصال الجماهيري، قارن في الوضع الذي شهدته سوريا والعراق، إبان سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة منها، وبما يحدث الآن في إفريقيا، قائلا إن “الوضع لا يختلف أبدا، ففي العراق وسوريا استغل داعش والجماعات المسلحة الإرهابية الأخرى ضعف الأنظمة الرقابية البالية، التي تعتمد عليها السلطات الرسمية في تلك البلدان، وأخذ بممارسة نشاطه في الفضاء الافتراضي بكل أريحية وثقة تامة، بأنه لا أحد يمكنه تتبع نشاطاته وهو ما حدث بالفعل، قبل أن توضع خطة رصينة للحد من ذلك“.

غياب الرقابة سمحت لتلك الجماعات، وفقا لحديث العقابي لـ “الحل نت“، بأن “تمارس عمليات الابتزاز بكل أريحية بل والتجنيد أيضا، وبثّ أنشطتها أيضا عبر الشبكة العنكبوتية“، فضلا عن “ما استثمرته في اتخاذ تلك الرقع الجغرافية، التي عادة ما تفتقد إلى البيانات ورصدها وتحويلها لقاعدة، لمهاجمة البنى التحتية الرقمية لدول أخرى“.

بحسب رأي أستاذ الاتصال الجماهيري، أن “الجماعات الإرهابية وبخاصة في مراحل نشأتها الأولى تعتمد بشكل كبير على عصابات الجرائم الإلكترونية وغسيل الأموال، في تنمية نشاطاتها، على اعتبار أنها لا تمتلك مصادر تمويل أخرى لذلك تلجأ لتمثل هذه الأنشطة مستغلة ضعف الأنظمة المالية التي يمكّنها من تتبع حركة الأموال ورصدها بشكل استخباراتي دقيق.

اقرأ/ي أيضا: رفضتها معظم الأطراف الدولية.. هل تطلق أنقرة عملية عسكرية شمالي سوريا؟

أنظمة رقابية متينة للحد من تمويل الإرهاب

بالتالي ومن وجهة نظر العقابي، إن الخطوة الأولى للبلدان التي تعاني من ضعف في الأنظمة المتحكمة في الشبكة العنكبوتية في بلدانها ومن تنامي الإرهاب، هي العمل على تعزيز أنظمتها الرقابية والعمل في ذلك بالشراكة مع البلدان المتقدمة والاستفادة من تجاربها، وتمتين نظامها المالي والمصرفي، وذلك على مرحلتين أن تكون خطة واضحة لتطوير النظام المالي بشكل خاص، ومن ثم الانتقال إلى تعزيز ترابط النظام المالي مع السلطة الأمنية، لافتا إلى أن ذلك من غير الممكن تطبيقه من دون العمل على نظام إلكتروني رصين بالدرجة الأولى، على حد تعبيره.

وفي وقت سابق، وصف تقرير لـ “الإنتربول الدولي”، عمليات الاحتيال عبر الإنترنت مثل الاحتيال المصرفي وبطاقات الائتمان بأنها التهديد السيبراني الأكثر انتشارا وإلحاحا في إفريقيا، وخلُص إلى أن وباء “كوفيد-19” أدى إلى زيادة مستمرة في حجم الهجمات السيبرانية، بما في ذلك أكثر من ضعف عدد المنصات المصرفية عبر الإنترنت المستهدفة.

بالإشارة إلى تلك الزيادة، أكدت عملية كبيرة في وقت سابق من هذا الشهر بتنسيق من “الإنتربول الدولي” في 14 دولة على حجم التهديد الناجم عن الجريمة السيبرانية في القارة الإفريقية وخارجها، حيث ألقت الشرطة القبض على أكثر من 70 محتالا مزعوما مرتبطين بشبكة إجرامية نيجيرية تُعرف باسم “الفأس الأسود” في جنوب إفريقيا ونيجيريا وساحل العاج، وتمتد أنشطتها إلى خارج القارة.

عقب العملية قال “الإنتربول الدولي”، إنه تم تفتيش ما يقرب من 50 عقارا وتم اعتراض حوالي مليون دولار في الحسابات المصرفية، فيما تمت مصادرة عقار سكني وثلاث سيارات وعشرات الآلاف نقدا و12000 بطاقة “إس أم إس“، مؤكدا أن تلك الجماعات أوسع وأوسع بكثير من هذه البلدان الأربعة عشر.

وفقا لتقرير “الإنتربول الدولي”، أن العملية الأخيرة استهدفت في جميع أنحاء إفريقيا أعضاء مزعومين في عصابة “الفأس الأسود” سيئة السمعة في نيجيريا، والتي بدأت كحركة طلابية في مدينة بنين في السبعينيات ولكنها تطورت منذ ذلك الحين إلى شبكة إجرامية عالمية متخصصة في الاحتيال.

اقرأ/ي أيضا: محادثات بين الإمارات وإسرائيل.. رؤية مشتركة في ملف أمن المنطقة؟

انتشار عصابات غسيل الأموال الإفريقية

مسار عميلة التعقب والقبض، بدأ الشهر الماضي في أيرلندا، عندما استعاد ضباط الشرطة المحليون الهواتف والأجهزة الأخرى المملوكة للمحتالين المرتبطين بـ “الفأس الأسود“، ومن خلالها تعرف المحققون على المفردات النموذجية للمجموعة وتمكنوا من تتبع الروابط إلى غرب إفريقيا.

علاوة على ذلك، عرج تقرير لصحيفة “الغارديان” على إعلان “الإنتربول الدولي”، بالقول إنه خلال العام تم الاستيلاء على أكثر من 120 مليون دولار، حرمت المحتالين من رأس المال الذي يمكن إعادة استثماره في أشكال أخرى من الجريمة، مثل إجبار الشابات في غرب إفريقيا على العمل في مجال الجنس في أوروبا أو شراء الأسلحة أو تزايد الاتجار الدولي بالميثامفيتامينات.

نتيجة لتنامي عمليات الجرائم الإلكترونية من قبل عصابات الابتزاز التي تستغلها جماعات إرهابية، أقرّ برلمان جنوب إفريقيا الثلاثاء الماضي مشروع قانون لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يراه المراقبون محاولة لتجنب إضافة الدولة إلى قائمة المراقبة العالمية للتمويل غير المشروع.

يأتي ذلك، بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في وقت سابق في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، عقوبات على أشخاص وكيانات عدة في جنوب إفريقيا، متهمين بالانتماء إلى تنظيم “داعش“، فيما عده خبراء بمثابة “جرس إنذار” لبريتوريا، ودليلا جديدا على اختراق النظام المالي من قِبل المنظمات الإرهابية لتمويل أنشطتهم في جنوب القارة الإفريقية.

في ظل تلك المؤشرات الخطيرة لتنامي أنشطة غسيل الأموال، اتفقت 17 دولة إفريقية في الثامن من الشهر الجاري، على العمل معا للحد من غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المنطقة، خلال اجتماع “وحدات الاستخبارات المالية للبلدان” في نيجيريا، لوضع خطة تهدف إلى التوصل لحلول فعالة للتعقيدات المالية المرتبطة بالإرهاب وانتشار الأسلحة في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.