مجددا، أخفق البرلمان اللبناني، للمرة الثامنة على التوالي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفا للرئيس السابق ميشال عون، رغم شغور المنصب منذ شهر، جراء انقسامات سياسية عميقة في لبنان، في خضم انهيار اقتصادي متسارع تعجز السلطات عن احتوائه.

أبرز نتائج فرز الأصوات في جلسة أمس الخميس، جاءت في حصول المرشح عصام خليفة على 4 أصوات، وزياد بارود على صوتين، و52 ورقة بيضاء، في حين حصل النائب ميشال معوض، الذي يحظى بدعم حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وكتل أخرى بينها كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على 37 صوتا، وذلك وفقا لما ذكرته “وكالة الإعلام الوطنية” اللبنانية.

الدورة الأولى من التصويت، انعقدت بحضور أكثرية الثلثين، قبل أن ينسحب العديد من النواب ليطيحوا بالنصاب في الدورة الثانية، “حيث انتقد النائب عن حزب القوات” اللبنانية، أنطوان حبشي في بداية الجلسة تكرار السيناريو ذاته في كل جلسة لانتخاب الرئيس، مما “يضع مجلس النواب خارج دوره”، بحسب وصفه.

انقسامات داخلية

كتل رئيسية بينها “حزب الله” اللبناني، تعارض القوة السياسية والعسكرية الأبرز، المرشح ميشال معوض، وطالبت بضرورة تحقيق التوافق مسبقا على مرشح قبل التوجه إلى البرلمان لانتخابه.

من الصعوبة أن ينجح المجلس بانتخاب رئيس جديد، جراء الانقسام وعدم توفر أغلبية لأي من الفريقين لإيصال مرشحه، هذا من جهة ومن جهة ثانية التوافق على رئيس جديد ليس بالأمر السهل، وخصوصا في بلد مثل لبنان، بحسب حديث المحلل السياسي والمستشار السياسي السابق لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، خلدون شريف، لـ”الحل نت”.

من جهة أخرى، يرى شريف بأنه يجب تحديد أركان التوافق، فهل تشمل عودة لبنان إلى العرب وتحديدا السعودية أو عودة العرب إليه وبأي ثمن. من يملك الأثمان التي يجب دفعها. هل “حزب الله” حاضر لدفع أثمان للحفاظ على البلد، حيث يستبعد ذلك. ويضيف، هل تقبل الرياض أن تمد يد العون للبنان دون أن تحصل على شيء بالمقابل، ويطرح المحلل السياسي تساؤل أخير. مَن الذي يهتم بأمر لبنان من الخارج هذه الأيام، والكل مشغول بمشاكله وهمومه وحروبه، وفق تعبيره.

فشل البرلمان

على غرار كل أسبوع، انعقدت الدورة الأولى بحضور أكثرية الثلثين، قبل أن ينسحب نواب ليطيحوا بالنصاب في الدورة الثانية، وهو تكتيك يتبعه “حزب الله” وحلفاؤه، إذ لا يملك أي فريق سياسي أكثرية برلمانية تخوّله فرض مرشحه.

فشل البرلمان في انتخاب رئيس حتى الآن، يشير إلى أن “العملية الانتخابية قد تستغرق وقتا طويلا، في بلد نادرا ما تُحترم المُهل الدستورية فيه”.

في لبنان، من الصعب للغاية جمع كل الأطراف حول القضايا السياسية في وقت ما، حتى القادة المنتخبون لمنصب رئيس الوزراء يعملون لأشهر طويلة لإعداد الحكومة، محاولين إقناع كل حزب على حدة، لقد رأينا ذلك بشكل خاص في عمليات رئاسة الوزراء برئاسة سعد الحريري، بحسب حديث الباحث التركي المتخصص بالشأن اللبناني والجماعات المسلحة جاغاطاي جيبه، لـ”الحل نت”، المرشحون للرئاسة ومن يعارضونها لديهم خلافات خطيرة من الماضي. على هذا الأساس كانت الصراعات والاغتيالات.

بطبيعة الحال، هناك مخاوف من أنه إذا تم انتخاب المرشح المدعوم من جانب واحد رئيسا، فقد تتعرض كتل أخرى للضغط، وفق جيبه، حيث كان على سعد الحريري، الذي عمل على تنفيذ المهمة قبل أن يكون نجيب ميقاتي رئيسا للوزراء، الانسحاب من عملية الترشح بسبب المشكلة التي واجهته مع الرئيس السابق ميشال عون، وحل محله نجيب ميقاتي، الذي كان بإمكانه إرضاء كل من السعودية ودمشق وإيران.

في الوقت الحالي، لا يوجد اسم سُنّي بديل يمكن أن يرضي الجميع، ومن الواضح أن “حزب الله”، يصر على أنه يريد رئيسا لا يكون ضد “المقاومة”، بينما رغبة الأحزاب المناهضة له، هي نزع سلاح الحزب بشكل كامل، وإذا تم انتخاب مرشحيهم الرئاسيين، فإن ذلك بمثابة الضغط عليه بخصوص السلاح أو تقييد أنشطته الأخرى، بحسب جيبه.

“حزب الله” لا يريد نزع السلاح منه أو تحجيم دوره، وقد حارب من أجل ذلك في الماضي. لأن إسرائيل هي سبب تسليح الحزب، لكنه يحاول حماية قوته بصفته الجماعة المسلحة الرسمية الوحيدة في البلاد، من خلال توسيع هذه القضية (مواجهة إسرائيل) وإطالة أمدها في كل مرة. ونوه جيبه على أن رغبة “حزب الله” في التسلح هي أيضا رغبة طهران.

اقرأ أيضا: لبنان يخاطب الأمم المتحدة محذرا من انفجار الأوضاع.. ما السبب؟

بينما يريد “حزب الله” رئيسا لا يزعجه، فإن الجبهة المقابلة بقيادة “القوات اللبنانية” التي هي على خلاف معه، تريد العكس من ذلك فهي تهدف إلى إضعاف الحزب من خلال انتخاب رئيس فاعل يكون توجهه ضد الحزب.

القرار اللبناني من الخارج؟

“البنك الدولي” رجّح في أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، مما يعمّق محنة الشعب اللبناني، ونبّه في تقرير نشره الأسبوع الماضي إلى أنّ “الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ 37.3 في المئة، يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، قد قضى على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدار 15 عاما، بل ويقوض قدرة الاقتصاد على التعافي”.

كل حزب سياسي وزعيم لبناني لديه دولة واحدة أو أكثر يدعمونها في واقع الأمر، في حين يتم اتخاذ خطوة سياسية في البلاد، بحسب جاغاطاي جيبه، فإن السياسة الخارجية تفوق السياسة الداخلية، ومختصر ذلك أن القرار في لبنان يصدر من الخارج.

بينما حدد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، موعدا لجلسة جديدة مقررة، الخميس المقبل، فقد طالبه حبشي، بـ”دعوة رؤساء الكتل والنواب لممارسة واجباتهم والبقاء داخل البرلمان لتطبيق الدستور”.

قد يهمك: شغور رئاسي في لبنان.. ما المصير؟

نظام التسويات والمحاصصة الطائفية، القائم بين القوى السياسية والطائفية، يؤخر اتخاذ القرارات المهمة، وبينها تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس، ويحتاج المرشح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتا للفوز، في حين تصبح الغالبية المطلوبة إذا انعقدت دورة ثانية 65 صوتا من إجمالي عدد النواب الـ 128.

الفراغ الرئاسي في لبنان، يتزامن مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ القرارات الضرورية، وفي وقت يشهد فيه لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا، صنفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.