واقعيا، يبدو أن لبنان اقترب أكثر من أي وقت مضى للدخول في شغور رئاسي، بعد فشل البرلمان 4 مرات في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني أن بيروت مقبلة على أزمة جديدة تُضاف إلى الأزمة الاقتصادية، رغم المساعي الخارجية لحلحلة ملف الرئاسة.

“يدخل لبنان مرحلة جديدة مختلفة بعد 31 تشرين الأول/أكتوبر، علينا التهيؤ لها بما تحمله من معطيات جديدة وتحرك خارجي مكثف”، هكذا قال “التيار الوطني الحر”، حزب رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون.

ولاية عون الرئاسية تنتهي نهاية الشهر الجاري، أي بعد أقل من أسبوع من الآن، وحينها سيدخل لبنان في فراغ رئاسي؛ لأنه بحسب الدستور يُفترض أن يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل نهاية ولاية الرئيس.

الدخول في الشغور الرئاسي، يعني تحول صلاحيات الرئاسة إلى رئيس مجلس الوزراء، في حين أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال؛ لأن رئيس الوزراء المكلّف نجيب ميقاتي، لم ينجح بعد في تشكيل حكومة لبنانية جديدة.

تعويل على “الفاتيكان”

عون قال أول أمس الثلاثاء، في بيان رئاسي، إن حكومة تصريف الأعمال الحالية، منقوصة الصلاحيات، ولا يمكنها ملء الفراغ الناجم عن شغور منصب رئاسة الجمهورية.

لبنان ومنذ أيار/مايو الماضي، من دون حكومة جديدة؛ نتيجة خلافات القوى السياسية على تقاسم الوزارات، ومع أزمة الحكومة، من المتوقع أن تصبح الأزمة مزدوجة نهاية هذا الشهر بحصول الشغور الرئاسي، خاصة بعد فشل البرلمان في 4 جلسات عقدها في أيلول/سبتمبر الماضي وتشرين الأول/أكتوبر الجاري بانتخاب رئيس جديد للبلاد. 

مع تلك الأزمة، يشهد لبنان سجالا حول أهلية حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي؛ في تولي صلاحيات رئيس البلاد في حالة حصول شغور رئاسي، وعدم انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية عون.

الدستور اللبناني ينص على تولي الحكومة مجتمعة صلاحيات رئيس البلاد في حال شغور منصب الرئيس، إلا أن هناك خلافا حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال في تولي صلاحيات الرئيس؛ لكونها مستقيلة منذ بدء ولاية البرلمان الحالي في 20 آيار/مايو الماضي، وتتولى مهام تصريف أعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة.

لبنان شهِد في السابق شغورا رئاسيا لمدة 29 شهرا من أيار/مايو 2014 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2016، نتيجة تجاذبات سياسية وطائفية، لتم بعد ذلك وضع حد له بتسوية أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد.

نجيب ميقاتي، قال إنه يعول على جهود “الفاتيكان” للخروج من أزمة الشغور الرئاسي وذلك إثر التّعثر في التوافق على مرشح يستطيع الحصول على أصوات ثلثي البرلمان في الدورة الأولى في جلسة الانتخاب، أو تأمين حضور ثلثي النواب الأعضاء في الدورة الثانية.

ميقاتي أكد مؤخرا خلال لقائه مع السفير البابوي لدى لبنان، المونسنيور باولو بورجيا، أنه “يعول على جهود الفاتيكان، بما له من سلطة معنوية وعلاقات مع الأطراف كافة، للدفع باتجاه التوافق بين اللبنانيين وإجراء الانتخابات الرئاسية”.

خلاف حول مواصفات الرئيس

ما يعرقل انتخاب رئيس جديد للبنان، خلافات حول مواصفات الرئيس بين طرفين، الأول يسعى لأن يكون الرئيس توافقيا كي يحظى بإجماع وبالتالي يستطيع أن يحكم، وهو ما يدفع له “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” و”حزب الله”.

بينما ينظر الطرف الآخر إلى إمكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالأكثرية العددية، وأن “يكون سياديا وإصلاحيا”، وهو ما تدفع له “القوات اللبنانية” وحلفاؤها.

حتى الآن، ليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية نجاح المشاورات المتعلقة بتحصين الحكومة الحالية لتواكب الشغور الرئاسي، الأمر الذي يُزيد من حدة التشظي السياسي، بحسب تقرير لموقع “لبنان 24”.

ولوج لبنان إلى الشغور الرئاسي، سيستنفر القوى الخارجية، سواء من أجل الضغط لملء هذا الفراغ بسرعة، أو كما يتوقع البعض، أن تنزل دول كبرى ومؤثرة بثقلها من أجل التوصل إلى تسوية على اسم الرئيس المقبل، حسب تقرير لموقع “اندبندنت عربية“.

الوسط الدبلوماسي والمراقبون السياسيون يربطون بين جملة تحركات يمكن أن تؤسس لخطوات ما بعد حصول الفراغ، آخر هذه التحركات هي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “الفاتيكان” ولقائه البابا فرنسيس، ثم أمين سر دولة “الفاتيكان” الكاردينال بيترو بارولين، ووزير الخارجية الأسقف بول ريتشارد غلاغار.

عقِب زيارة ماكرون، من المنتظر أن تحصل زيارة يقوم بها أمين سر مجلس الكنائس الشرقية في “الفاتيكان”، الكاردينال ليوناردو ساندري، أواخر الأسبوع الجاري، إلى بيروت مستبقا الفراغ الرئاسي بيومين أو 3 أيام.

حسب “اندبندنت عربية”، ثمة تنسيق فاتيكاني فرنسي أميركي سعودي، لإنهاء الأزمة الرئاسية في لبنان، استنادا إلى جملة وقائع، منها الزيارة التي قامت بها وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا، إلى واشنطن، وبحثت مع نظيرها الأميركي أنطوني بلينكن، الأزمة اللبنانية.

تحرك دولي لإنهاء الشغور الرئاسي

ثمة تقييم فرنسي أميركي متطابق، بأن لبنان لا يمكنه أن يتحمل الفراغ الرئاسي مجددا؛ بفعل تفاقم أزمته المالية الاقتصادية وانعكاساتها المعيشية المقلقة.

محادثات كولونا في واشنطن التي جرت بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، جاءت بعد أسبوع على زيارتها بيروت في 13 و14 تشرين الأول/أكتوبر من أجل الحث على انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، قبل انتهاء المهلة الدستورية، داعية القادة اللبنانيين إلى تحمّل مسؤولياتهم أمام الاستحقاق الرئاسي.

الجانب الفرنسي يميل سابقا، إلى الوفاء بالاستحقاق كائنا من كان الرئيس، لكنه عاد فعدل عن هذه النظرية، وبات يدعو إلى انتخاب رئيس قادر على محاورة اللبنانيين كافة، وعلى تسريع الإصلاحات المطلوبة ولا يكون منحازا.

زيارة ماكرون إلى “الفاتيكان”، سبقتها أيضا زيارة للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، إلى الخارجية الفرنسية، وبحث بخاري مع باريس موضوع الاستحقاق الرئاسي والخطوات الممكنة من أجل الإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي المرتقب في لبنان.

بخاري يجري في بيروت سلسلة اتصالات وتحركات للحث على انتخاب رئيس للجمهورية وثم تشكيل رئيس الحكومة المكلف، كي يعمل مع الرئيس على منع تحويل لبنان ساحة تنطلق منها الأعمال العدائية للدول العربية عموما والخليجية خصوصا.

السفير بخاري سيرعى في بيروت، في 5 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، مؤتمرا حول “اتفاق الطائف”، وذلك بمناسبة الذكرى الـ 33 على التوصل إليه في العام 1989 في مدينة “الطائف”، يكون المتحدث الرئيس فيه، الوسيط العربي المكلف من الجامعة العربية آنذاك الأخضر الإبراهيمي.

الرياض تتمسك في البيانات المشتركة كافة، التي تصدر عنها وعن الجانبين الأميركي والفرنسي، بتنفيذ مدرجات “الطائف” وعدم تعديله أو الانتقاص من بنوده، إزاء محاولات تغيير النظام السياسي اللبناني، لمخاطر ذلك على العيش المشترك.

بري نحو حل الأزمة؟ 

الدول الخليجية تخشى من توجه إلى تعديل التوازنات التي أرساها “الطائف”، عبر بعض القوى السياسية الطامحة إلى تعديلات دستورية تحت ستار إدخال تحسينات عليه، مع أن هذه القوى تزعم أنها تريد الحفاظ على الاتفاق، بينما تسعى إلى رئيس للجمهورية يَقبل معها بتعديله.

“اتفاق الطائف” الذي حدث في السعودية عام 1989، أسفر عن إنهاء الحرب اللبنانية الأهلية التي استمرت 15 عاما، وتم من خلاله تقاسم السلطة في لبنان، عبر منح رئاسة الجمهورية للموارنة من الطائفة المسيحية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية، ورئاسة البرلمان أُسندت إلى الطائفة الشيعية.

“الأمم المتحدة” هي الأخرى تتحرك على الملف اللبناني، لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي، وذلك عبر ممثلة الأمين العام، يوانا فرونتسكا، التي زارت الرياض في 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إذ التقت بوزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، وأكدت أهمية الحفاظ على سلام لبنان وأمنه واستقراره وإنهاء أزمة الرئاسة.

فرونتسكا تلعب دورا نشطا في التواصل مع الفرقاء اللبنانيين ومع الدول المعنية بلبنان، وهي تنسق اجتماعات “مجموعة الدعم الدولية للبنان”، التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في “مجلس الأمن” ودولا أوروبية أخرى و”الاتحاد الأوروبي” و”الجامعة العربية”.

لقاءات ممثلة الأمين العام لـ “الأمم المتحدة” فرونتسكا، تتم وفق اتفاق دولي على ضرورة إيجاد محرك يتولى السعي إلى إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان بسرعة، حسب مصادر متعددة تحدّثت لموقع “اندبندنت عربية”.

كل التحركات الدولية، انتهت إلى تأكيد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، نيته التحرك في اليوم الأول بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، من أجل الدعوة إلى اجتماع حوار وطني بين الفرقاء اللبنانيين، للتفاهم على المرحلة المقبلة، والسعي إلى الاتفاق على اسم رئيس الجمهورية المقبل.

في النهاية، تحرك بري سيجري بعد نهاية ولاية عون، أي فعليا مع دخول لبنان في الشغور الرئاسي بشكل رسمي، وتحرك بري يأتي عبر تسلّحه بالضغوط الدولية الداعية لتكوين السلطة مع نهاية عهد عون، إضافة إلى تسلّحه بالضغط الشعبي لأجل تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.