أفغانستان لا تزال تعاني من تردٍ في الأوضاع الأمنية، منذ عودة حركة “طالبان” إلى الحكم عقب سيطرتها على البلاد، حيث يبرز الصراع الداخلي بين الحركة من جهة، وتنظيم “داعش” الإرهابي من جهة أخرى، والذي يحاول إشعال الصرع مجددا في المنطقة.

يوم أمس الأحد، أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن استهداف سفارة باكستان في كابل، وهي الواقعة التي تسببت في أزمة بين باكستان و”طالبان”، حيث أكد بيان بثته إحدى القنوات التابعة لتنظيم “داعش” على تطبيق “تليغرام” أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن هجوم على السفارة الباكستانية في العاصمة الأفغانية كابل يوم الجمعة الماضي.

التنظيم ذكر في بيانه، أن الهجوم نفذه اثنان من أعضائه بالأسلحة المتوسطة وأسلحة القنص، واستهدف السفير الباكستاني وحراسه الذين كانوا في ساحة السفارة، مضيفا أن الهجوم أصاب حارسا واحدا على الأقل وألحق أضرارا بالمبنى.

عمليات التنظيم الإرهابي، تطرح العديد من التساؤلات، حول ما يريده التنظيم وهل يسعى لإشعال حرب بين باكستان و”طالبان”، ونتائج هذه الهجمات، وتطور الأوضاع في أفغانستان.

ماذا يريد “داعش”؟

الهجوم على سفارة باكستان جاء بعد حادث تفجير سفارة روسيا، الأمر الذي قد يدفع الدول التي فتحت سفاراتها إلى غلقها بسبب عمليات إرهابية كهذه، كما أن استهداف السفارة الباكستانية وقع في نفس اليوم الذي تم فيه استهداف مدرسة دينية تابعة لحركة “طالبان”، ومثل هذه الهجمات التي كانت تستهدف المساجد، ثم المدارس، والسفارات تعكس اختراقا أمنيا واضحا، وهو ما يمثل أزمة كبيرة بالنسبة إلى “طالبان”، خاصة في ظل إعلان جهات دولية قلقها من مثل هذه الهجمات، في إشارة إلى عجز الحركة عن حماية البعثات الدبلوماسية.

مقاتلون من حركة طالبان “وكالات”

هناء قنديل، الباحثة المتخصصة في الإسلام السياسي، ورئيس قسم الإسلام السياسي بصحيفة “البوابة نيوز”، ترى خلال حديثها لموقع “الحل نت”، أن “داعش” يريد تقويض حكم “طالبان” أو على الأقل إضعافها من أجل إفشال نموذج المهادنة الذي اتجهت إليه الحركة مقابل أن تسمح لها الولايات المتحدة بتولي الحكم، لذا يسعى تنظيم “داعش” إلى إظهار عدم قدرة الحركة على محاصرته وإيقافه، لتتحول إلى بديل فاشل لا يمكن التعويل عليه من قِبل الغرب الراغب باستعادة الأمن والاستقرار في تلك المنطقة.

كما أن تنظيم “داعش”، يرى أن نجاح “طالبان” في تجربتها سيجعلها أقوى بعد أن تتحول إلى نظام حكم حقيقي، وهو ما سيقلل من الدعم اللوجستي والمادي الذي يلقاه التنظيم، بل وقد يتحول عدد من أنصاره إلى “طالبان” للعيش تحت مظلتها وهو ما لا يريد قادة “داعش” حدوثه ولا يقبلون به.

أما بالنسبة لتأثير هجمات “داعش” على العلاقة بين “طالبان” وباكستان، ترى قنديل أن هجمات “داعش” لن تقود إلى صراع بين “طالبان” وباكستان، فإسلام آباد تعي جيدا أن إسقاط “طالبان” في الوقت الراهن سيجعلها أمام بديلين، الأول هو عودة القوى الغربية إلى أفغانستان وهو ما لا ترغب به لأنها ستدفع كلفته أمنيا واقتصاديا، كما أنها ستصبح هدفا للقوى المتشددة التي سوف تعتبر النظام الحاكم في باكستان مسؤولا عن إعادة “الاستعمار الغربي” لأفغانستان.

إقرأ:“طالبان” في مأزق بعد مقتل الظواهري.. ماذا يعني خرق “اتفاق الدوحة”؟

أما البديل الآخر فهو أن يؤدي فراغ السلطة في أفغانستان إلى عودتها للتمزق، وخضوع أراضيها لسيطرة فصائل متناحرة من الجماعات الإرهابية من بينها “داعش”، وهو ما يهدد الأمن الباكستاني ويعزز من قوة الجماعات الموجودة على الأراضي الباكستانية فعليا، لذا فإن باكستان ليس أمامها إلا أن تتعامل بهدوء مع “طالبان” وتساعدها في مواجهة “داعش”.

لا تحالف غربي مع “طالبان”

تقارير صحفية تشير إلى أن العمليات التي ينفذها “داعش”، تهدف إلى إقناع الشعب الأفغاني بأن التنظيم قادر على تنفيذ ضربات موجعة، كما أن التنظيم يسعى أيضا لإثبات قدرته على التنافس مع “طالبان”، وبسط سيطرته، إضافة إلى أنها تُثبت أن التنظيم عدو للجميع، لكن يبقى الشك في إمكانية حدوث تحالف أو دعم غربي عسكري أو لوجستي لحركة “طالبان” لمواجهة التنظيم.

بحسب هناء قنديل، فإن القوى الدولية القادرة على التأثير في ظل التطورات الاقتصادية الراهنة، والحرب الروسية الأوكرانية، لم تعد راغبة على دفع فاتورة التحالف مع حركة “طالبان” ضد “داعش”، خاصة أن القضاء على التنظيم يحتاج إلى نفقات عسكرية ضخمة لتسليح “طالبان”، هذا بالإضافة إلى أن القوى الغربية ما زالت لا تثق بـ”طالبان” وبالتالي لن تسمح لها أن تمتلك قدرات تمكّنها من حسم المعركة مع “داعش” لأن ذلك قد يدفعها للتمرد.

صراع طويل الأمد؟

حسب موقع “سايت” المتخصص في الجماعات المتطرفة، فقد أعلن “داعش” مسؤوليته عن 224 هجوما منذ تولي “طالبان” الحكم في آب/أغسطس 2021، وهذا ما يعطي مؤشرات تدل على أن الصراع بين “داعش” و”طالبان” لن يكون حسمه سريعا، إنما يحتاج لوقت ربما يطول خلال المرحلة القادمة.

في هذا السياق، ترى قنديل، أن هجمات تنظيم “داعش” سوف تستمر في أفغانستان، وأن أمد الصراع بين التنظيم و”طالبان” سيطول لافتقار الحركة إلى الإمكانات التي تمنحها القدرة لحسم المعركة ضد “داعش”، ولكن لن يصل الأمر إلى انهيار حركة “طالبان”، لأنها تمتلك خبرات واسعة في مجال الصراعات طويلة الأمد، خاصة في ذلك النوع من المعارك غير النظامية، والهجمات العشوائية، فقد تسقط “طالبان” في مواجهة جيش نظامي، لكنها لن تسقط بمواجهة هجمات “داعش”.

لماذا تلاحق “طالبان” تنظيم “داعش”؟

منذ سيطرتها على الحكم في أفغانستان في آب/أغسطس 2021، تسعى حركة “طالبان” إلى ملاحقة تنظيم “داعش” الذي استهدف الحركة والبلاد بعدد من الهجمات، بهدف تحسين صورتها التي اهتزت بعد سلسلة هجمات “داعشية” استهدفت الحركة ذاتها، والمدنيين، ومصالح أجنبية، كما أظهرت تلك الهجمات عجز “طالبان” عن تحقيق الأمن، ضمن مخطط “داعش” لإزاحتها عن الحكم والاستيلاء عليه وضم أفغانستان لخلافته المزعومة.

قيادات من حركة طالبان “فرانس برس”

مراقبون يرجحون أن تشهد عمليات “طالبان” ضد التنظيم تصعيدا بسبب، العمليات الكثيفة التي نفذها “داعش” بهدف هز الثقة في حكومة “طالبان”، وموقف المجتمع الدولي الذي رأى أن “طالبان” غير قادرة على مواجهة الإرهاب، ومواجهة الحرب النفسية والإعلامية التي يقودها “داعش” ضد “طالبان” في الداخل والخارج، لكن في الوقت نفسه يرون أنه من غير الممكن القضاء على التنظيم بشكل تام، متوقعا أن يحاول تنفيذ عمليات، ولو على فترات متباعدة، لإثبات وجوده.

أيضا فهناك خلاف قديم بين “طالبان” و”داعش”، بسبب رفض الحركة استراتيجية التنظيم الخاصة بتنفيذ هجمات ضد المصالح الأجنبية داخل أفغانستان، واتخاذ أراضيها قاعدة لشنّ هجمات على دول الجوار.

من الجدير بالذكر أن “داعش” في أفغانستان أو ما يُعرف بـ”داعش خراسان”، تأسس في أفغانستان عام 2015 وهو تابع للتنظيم الأم الذي تأسس في العراق وسوريا عام 2014، ويعتبر نطاق عملياته جنوب آسيا وآسيا الوسطى، ويتكون من جنسيات مختلفة، وتستهدف عملياته جميع الأطراف الموجودة في أفغانستان.

صراع بين طرفين يشكل “داعش” منهما العدو الأكبر للعالم، فيما يشكل الطرف الثاني حركة “طالبان” سلطة أمر واقع وافق الغرب على بقائها لكن دون أن يثق بها، أو يمنحها اعترافا شرعيا بالحكم حتى الآن، هذا الصراع يبدو أنه سيكون طويلا خلال المرحلة القادمة دون أن تكون هناك أي مؤشرات على حسمه.

إقرأ أيضا:إنهاء الهدنة مع “طالبان” باكستان.. تحدي واختبار لإسلام آباد وكابول؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة