في الوقت الذي تشهد فيه الحدود بين العراق وتركيا وإيران وسوريا موجة توترات شديدة، واستمرار الضربات الصاروخية العابرة للحدود، تستعد العاصمة الأردنية عمَّان لاستضافة قمة إقليمية جديدة حول العراق، في 20 من كانون أول/ديسمبر الجاري، بمشاركة إيران وتركيا وبعض الدول العربية وفرنسا.

من غير المعروف إذا كانت دول الخليج ستشارك في هذه القمة أم لا، في وقت يقول فيه مراقبون إن هناك توجها لجلب العراق بعيدا عن الخليج المشغول بترتيباته مع الدول الكبرى، وأن إيران تعمل على جعل القمة الخاصة بالعـراق قمة بلا خليجيين، مستفيدة من انفتاحها على الأردن، وسعيها إلى الانفتاح على مصر، كما أن وجود تركيا وإيران في مؤتمـر يُعنى بالعراق، سـيكون هدفه إضفاء الشرعية على تدخلاتهما شمال العراق وشـرقه ضد الكُرد، واستباحة أراضيه دون أي رد عملي، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية.

وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أعلن الأربعاء، أن هذه القمة هي الثانية بعد قمة بغداد التي انعقدت في آب/ أغسطس 2021، وهي نسختها الثانية.

من جهته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن مؤتمر بغداد انعقد لدعم العراق، وبالتالي العنوان الرئيسي لهذا المؤتمر، هو “كيف نعمل معا من أجل دعم العراق الشقيق”.

جاء إعلان حسين والصفدي بعد بيان صدر من قصر الإليزيه، الأحد الماضي، حول عقد قمة إقليمية في الأردن قبل نهاية العام، تجمع العراق والدول المجاورة بمشاركة فرنسا.

ما هي أبزر ملفات القمة؟

القمة الثانية التي تُعقد بشأن عمل إعادة إعمار العراق، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، لـ”الحل نت” ستبحث بمواضيع عدة، اقتصادية، سياسية، وأمنية، ستكون حقيقة على جدول أعمالها، إضافة لأزمة المياه العراقية ستكون واحدة من الأمور التي سيتم بحثها بالذات، بحضور تركيا وإيران، وهما جزء من بلاد المنابع للمياه العراقية.

 العراق يعاني خلال الفترة الأخيرة من هيمنة هاتين الدولتين، ومصادرها المائية، وفق الحوارات، وبالتالي اتخاذهم القرارات بدون الرجوع إلى دولة المصب وهي العراق، أدى إلى تجفيف العديد من الأنهار، وتصحّر الكثير من المساحات الزراعية، وأدى إلى أزمات إنسانية كبيرة، فيما يتعلق أولا بالعاملين في قطاعات الزراعة، وثانيا على مستوى المزروعات ذاتها، وأيضا على مستوى توفير مياه للشرب.

 هذه أصبحت مشكلة يعاني منها العراق، وبالتالي كونها واحدة من الأزمات التي تمر بها بغداد، ستكون مطروحة على جدول الأعمال وستتم مناقشتها في القمة القادمة، لأن هذه القمة يُفترض أن تُناقش كل هذه الأمور التي تعني للعراق والتي تؤثر عليه وعلى مستقبله، وفق تعبيره.

قد يهمك: قمة بغداد لدول الجوار: مهمة لنزع فتيل أزمات المنطقة

من جهة أخرى، يقول الكاتب والصحفي العراقي محمود جمعة في حديثه لـ”الحل نت”، إنه في الحقيقة، لم يذكر أيٌّ من المشاركين في القمة جدول أعمالها، لكنه يرجح، أنها ستناقش التوتر الأمني على الحدود المشتركة بين العراق وتركيا وإيران، ومحاولة طهران السيطرة على أزمتها الداخلية بتصديرها إلى دول الجوار، كما فعلت بقصف أراضي إقليم كردستان، مسوِّغة ذلك بأنها تحاول حماية أمنها القومي من المعارضة الإيرانية الموجودة في مدن الإقليم، أمن العراق مهم لدول الجوار بسبب الموقع الجغرافي والمكانة الاستراتيجية، لهذا من المتوقع أن تناقش القمةُ أوضاعه الأمنية، إلى جوار ملفات أخرى، قد تكون اقتصادية ونفطية، أو ما يخص إعمار المدن المحررة من تنظيم “داعش” الإرهابي.

القمة القادمة في عمان خلال الشهر الجاري، تمثل استكمالا وتواصلا لسياسة العراق الخارجية المنتهجة في زمن حكومة الكاظمي، بحسب حديث الباحث السياسي نبيل جبار التميمي، لـ”الحل نت”، وهي اعتماد مبدأ التوازن والحوار لحل المشاكل الاقليمية إيمانا بانعكاس ذلك على الأمن العراقي.

أهداف القمة بحسب التميمي، تكمن، بإجراء أجواء دبلوماسية دافئة تمكن العراق من إجراء مجموعة من التفاهمات مع الدول الإقليمية، لوضع معالجات لأزماته، قد يكون التحدي الأمني في شمال العراق، أبرز الملفات التي سوف يتم مناقشتها مع كلا من إيران وتركيا، وتفاهمات أخرى بشأن المياه، وقد يتم التطرق للفرص الاقتصادية بين بلدان جوار العراق كواحدة من الملفات المحفّزة للدول للدخول في تفاهمات مع العراق.

الاعتداءات على العراق

الاعتداءات على الأراضي العراقية، ليست فقط اعتداءات تركية بل هنالك أيضا اعتداءات إيرانية، بحسب الحوارات، هنالك ضربات تركية في شمال العراق وأيضا ضربات إيرانية في ما يتعلق بأزمة المعارضة لكلا الدولتين، فكليهما يقول هنالك عناصر من المعارضة الكردية بالدرجة الأولى موجودة على أراضي إقليم كردستان، وبالتالي الحكومة العراقية لا تستطيع صدها أو ردعها حسبما يقولون، وبالتالي هم يجب أن يتصدوا لها وأن وصل الأمر إلى الضرب في الداخل العراقي أو حتى بالدخول العسكري، وبالتالي يجب على هذه القمة التركيز على إيجاد حل لهذه التدخلات، يضمن أمن وسيادة العراق.

اقرأ أيضا: العراق يسجل حضوره في القمة الإقليمية بالسعودية.. الأسباب والنتائج

 من جهته علّق جمعة على موضوع الاعتداءات بالقول، أن أي قمة تُعقد في المنطقة، فإنها لن تعود بأي فائدة على الدول المشاركة فيها ما لم تتضمن صياغةَ معادلة أمنية جديدة، تواجه الصعود المستمر للفصائل المسلحة المدعومة من إيران. دول الجوار ومنها السعودية والأردن والكويت لا ترغب بصعود نموذج “حوثي” جديد في العراق على غرار ما حدث ويحدث في اليمن، ويرجّح محمود أن القمة المرتقبة ستناقش الاعتداء على العراق، لأن الدول المشاركة فيها لها حدود مشتركة في العراق، فضلا عن ارتباطها بمصالح تجارية واقتصادية معه.

ماذا ستقدم القمة الجديدة؟

في الأعوام الماضية عقدت قمم عديدة تتعلق بإعادة إعمار العراق وإعادة تأهيلها، ولكن لم تطبّق على أرض الواقع، بحسب منذر الحوارات، وهذا يتعلق حقيقة بالوضع الداخلي العراقي، هنالك استعصاء سياسي شديد داخل بغداد، حالة المحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري والسياسي أيضا، تعيق الأقدام باتجاه الأمام لمؤسسة العمل التطويري في بغداد، لأن الأطراف في جلّها مستفيدة في الوضع الحالي، لأنه يتيح لها استثمار الأموال العراقية الداخلية، لمصلحتها سواء على الصعيد الحزبي والطائفي أو على الصعيد الإقليمي.

يتفق محمود جمعة مع الحوارات في هذه النقطة، حيث يستبعد جمعة، أن تقدم القمة المرتقبة أيّة حلول، لأن الدول المشاركة فيها لا تمتلك موقفا واضحا أو سياسية مدروسة لمواجهة التمدد الإيراني في العراق الموازي للتغول التركي في أراضيه، فمشاكل العراق مرتبطة بمعادلات سياسية واقتصادية وتجارية وأمنية لدول الجوار، وإذا لم يتم تبني مشروع لمواجهتها، فإن كل القمم والمؤتمرات لا فائدة منها، لكن القمة بوصفها حدثا الظاهرُ منها هو العلاقات الثنائية بكل مستوياتها، وقد تكون الرسائل أبعد من ذلك، وفق تعبيره.

وجهات النظر بين بغداد وأنقرة وطهران متقاربة بحسب الظاهر والمعلن بشأن علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، وفق جمعة، لكن بغداد ضعيفة أمام هذه العواصم، ولا تمتلك أي إرادة لحماية مصالحها، ليس بدأ بالحدود الملتهبة بالاختراقات الأمنية من جهة تركيا وإيران، ولا انتهاء بتدخلاتها المباشرة وتأثيراتها القوية في القرار السياسي العراقي الداخلي، بغداد غير قادرة على صياغة أي منهاج لمواجهة الأجندة الخارجية المستثمرة في جميع مفاصل العراق الأمنية والسياسية والتجارية.

مثل هذه القمم قد تساهم بخلق فرص دبلوماسية بين دول الجوار العراقي، وتمييع التقاطعات بينهم، ألا أن مثل هذه القمة لا يعوّل عليها كثيرا في تسوية جميع الخلافات القائمة، ما زال الوقت مبكّرا لكي يكون العراق محورا إقليميا، يستطيع من خلاله فرض أو تقديم رؤاه إلى المجتمع الإقليمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة