اليوم الثلاثاء تبدأ في العاصمة الأميركية واشنطن، القمة “الأميركية- الإفريقية” الثانية، والتي تستمر حتى الخامس عشر من الشهر الجاري، حيث يتمحور هدف القمة حول إثبات استمرار اهتمام الولايات المتحدة بالقارة، في إطار استراتيجية “إفريقيا الجديدة”، التي كُشف عنها الصيف الماضي، وتأتي هذه القمة بعد 8 سنوات على انعقاد القمة الأولى خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.

القمة تأتي بعد اتساع رقعة التنافس الدولي على المصالح العسكرية والتجارية والدبلوماسية في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لتشمل قوى مثل روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة، بعد أن كانت الصين أكثر الدول نفوذا في القارة السمراء لفترة طويلة. ومن هذا الواقع يقرأ مراقبون سياق انعقاد القمة الأميركية الإفريقية يلتقي خلالها الرئيس، جو بايدن، زعماء دول القارة.

قمة تأتي في توقيت يدفع للتساؤل حول أهدافها، ومدى اهتمام الولايات المتحدة بالقارة الإفريقية، ومستقبل العلاقات الأميركية الإفريقية.

الأهداف من القمة

بحسب وسائل إعلام أميركية، فإن هذه القمة هي أحدث حملة دبلوماسية أميركية سعيا إلى تعزيز علاقاتها مع إفريقيا، وهي قارة نما نفوذها الجيوسياسي بشكل كبير في العقد الماضي. يقول مسؤولو “البيت الأبيض” إن الاجتماع الذي يستمر ثلاثة أيام سيشمل اجتماعات رفيعة المستوى ومبادرات جديدة وصفقات تجارية وحفل عشاء في “البيت الأبيض”.

الزراعة في إفريقيا “وكالات”

أما هدف القمة الأساسي قد يكون أيضا إثبات أن الولايات المتحدة لا تزال مهتمة بإفريقيا بعد ثماني سنوات على أول قمة من نوعها عقدت عام 2014 في ظل رئاسة، باراك أوباما.

الدكتور إسماعيل تركي، الخبير في العلاقات الدولية، يبيّن خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن القمة تهدف إلى تحديد سبل التعاون المختلفة بشأن الأولويات المشتركة بين الطرفين، من خلال التركيز على عدد من الأهداف يأتي على رأسها تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال التركيز على التجارة والاستثمار في إفريقيا، وتسليط الضوء على التزام واشنطن بأمن إفريقيا، والتأكيد على الالتزام بقضاياها وتطلعاتها التنموية بعد أن كانت مساحة لنهب الثروات الطبيعية وإبقائها في حالة العوَز منذ الحقبة الاستعمارية.

ثاني هذه الأهداف، هو تحقيق السلام والأمن، والحوكمة الرشيدة حيث تحاول الولايات المتحدة مساعدة الدول الإفريقية على تجديد ديمقراطيتها لتكون أكثر تجاوبا مع تطلعات شعوبها، وكوسيلة لمنع حدوث الصراعات وإتاحة المساحة للجماعة الإرهابية والمتطرفة، لاستغلال سوء الإدارة للسطو على مقدّرات الدول والشعوب.

إقرأ:ما التحديات أمام اتفاق “بريتوريا” بين إثيوبيا وجبهة تيغراي؟

أما ثالث هذه الأهداف، بحسب تركي، تعزيز الأمن الغذائي حيث سيتم طرح مسألة الأمن الغذائي في إفريقيا على جدول الأعمال في القمة، حيث يعاني أكثر من 25 بالمئة من سكان القارة من انعدام الأمن الغذائي بسبب النزاعات، واستخدام الأدوات التقليدية، والآثار السلبية للتغيرات المناخية التي تسبب ظواهرا كالتصحر والجفاف ما فاقم من الأزمة بشكل كبير.

التنمية جدول أعمال القمة

واشنطن استبقت الافتتاح الرسمي للقمة “الأميركية-الإفريقية” بالإعلان عن مساعدات واستثمارات بقيمة 55 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن الولايات المتحدة ستقدم مبلغ 55 مليار دولار لإفريقيا على مدار السنوات الثلاث المقبلة، لمواجهة التحديات والتأكيد على الشراكة الأميركية الإفريقية في تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي والأمن في إفريقيا.

في هذا السياق، يشير تركي إلى أن أحد أهم أهداف القمة، وخاصة من قِبل القادة الأفارقة المشاركين، هو لفت انتباه واشنطن نحو حاجتهم العاجلة للتنمية ودعم دول القارة في التصدي للتغيرات المناخية وإجراءات التكيف، لا سيما أن دول القارة لم تتلق دعما ماليا وقروضا كافية من جهات التمويل العالمية لمساعدتها في إجراءات التكيف مع التغيرات المناخية والالتزام بما تم الاتفاق عليه في قمة المناخ “كوب 27” في شرم الشيخ في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأهم ما جاء فيه اعتماد صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول المتضررة.

أما فيما يتعلق بالتعاون الصحي، يشير تركي إلى أن القمة تمثل فرصة لتعزيز التعاون الصحي بين دول القارة والولايات المتحدة، لا سيما في خطط التعافي من آثار جائحة “كورونا”، وكذلك توفير الفرصة للاستفادة من الخبرات الخارجية في التعامل مع الأوبئة في المستقبل، خاصة أن القارة لا زالت تعاني نقصا حادا في الإمكانيات الصحية، ومن هنا يسعى القادة الأفارقة لتحقيق هدف إحلال مبدأ المشاركة والتجارة بدلا عن المساعدة، إذ بدأت الولايات المتحدة تسهم في عدة مشروعات خلال انتشار مرض “الإيدز”، والتي أسهمت في تقديم علاجه، كما أنها تقدم مصلا لمرض “الملاريا المتجددة” كل عشر سنوات.

دعم الديمقراطية والتنافس على القارة الإفريقية

جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، أشار إلى أن القمة تضم عددا كبيرا من القادة الأفارقة ومسؤولي المجتمع المدني ورجال الأعمال، إضافة إلى تمثيل قوي للمرأة والشباب.

تركي يرى أن القمة فرصة مهمة لفتح حوار مباشر بين الطرفين لتمكين الفئات المهمشة في القارة الإفريقية كالنساء والشباب، وتعزيز الديمقراطية حيث تعتبر واشنطن ذلك جزءا مهما من استراتيجيتها في التعاطي مع إفريقيا والتي ترتكز على دعم المجتمع المدني والفئات المهمشة، وهو ما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي ويوقف مدّ التنظيمات والحركات الإرهابية، وهو ما حرصت عليه القمة من إقامة منتدى للمجتمع المدني على هامش القمة.

أما بالنسبة للتنافس على القارة الإفريقية، يرى تركي، أن التنافس الدولي يظهر حاليا على إفريقيا حجم الفرص الواعدة التي تزخر بها القارة، حيث ‏تمثل القارة الإفريقية فرصة أمام الاستثمارات الخارجية، ورواد الأعمال في مجال صعود ‏تكنولوجيا الخدمات الصحية ، وتعتبر القارة مركزا للثروات الطبيعية، إذ تختزن إفريقيا في ‏باطن أرضها 40 بالمئة من ذهب العالم، و90 بالمئة من معدن الكروم والبلاتين، فضلا عن ‏احتياطيات الماس واليورانيوم والمياه العذبة، كما يعتبر قطاع الزراعة من أكثر الفرص ‏الاستثمارية الواعدة في القارة لما تمتلكه من مصادر مياه طبيعية في مناطق مختلفة، ‏ومساحات شاسعة تصلح للزراعة. وتأتي أهمية الحديث عن تطوير القطاع الزراعي في ‏القارة نتيجة تراجع الصادرات الأوكرانية من الحبوب، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، وهو ‏الأمر الذي زاد من مخاوف الاضطرابات الاجتماعية نتيجة تزايد الأسعار وانعدام بعض ‏السلع الحيوية في كثير من الأوقات. وتُعد القمة فرصة لاكتشاف إفريقيا في هذا المجال لا ‏سيما أن القارة بها فرص كبيرة فيما يتعلق بدعم الأمن الغذائي العالمي، وهو ما يبرز في ‏توجه العديد من الدول الخليجية في الاستثمار في مجالات الزراعة بإفريقيا.

أيضا فإن الولايات المتحدة، ترى أن لدى القارة الإفريقية فرصا واعدة مما يجعلها تمثل مستقبلا مهما للعالم، وتعتبر القارة من أكثر المناطق نموا من حيث عدد السكان، وهو ما يجعلها سوقا مهمة، ويعزز ذلك من فرص إقامة مناطق التجارة الحرة مع دول القارة، لا سيما أن إدارة بايدن ترفع شعار “الشراكة الحقيقية” في التعامل مع إفريقيا، بحسب تركي.

تحديات القمة وعدم ترك فراغ للدول الأخرى

لا تخلو القمة “الأميركية-الإفريقية” من وجود تحديات، منها استبعاد مجموعة من الدول المهمة من المشاركة مثل السودان على الرغم من توقيع الاتفاق الإطاري بين المكونين العسكري والمدني، والتوافق حول المرحلة الانتقالية، خاصة أن السودان في وضعه السياسي والاقتصادي حاليا أحوج ما يكون للانفتاح على العالم لتجاوز أزماته.

من الواقع الصحي في إفريقيا “وكالات”

من جهة ثانية، وبحسب تركي، هناك رغبة أميركية بعدم ترك فراغ للقوى الصاعدة كالصين وروسيا بالمزاحمة في إفريقيا عبر الاستثمارات، فالمؤشرات موجودة على تغير الاستراتيجية الأميركية تجاه إفريقيا، ما ينبئ بمسار لإدارة الرئيس بايدن، تختلف عن سلفه ترامب، الذي ابتعد بسياساته الخارجية عن إفريقيا وأزماتها، لافتا إلى أن النتائج هي ما ستحكم مسار العلاقة “الأميركية-الإفريقية” ومدى نجاحها وقدرتها على تحجيم النفوذ الصيني والروسي في إفريقيا.

قمة مهمة للغاية بين الطرفين في وقت مهم أيضا، تشهد فيه القارة الإفريقية نموا وازدهارا خاصة من الناحية البشرية، إضافة إلى الثروات والمياه والزراعة، وهو ما جعل التنافس بين دول العالم شديدا للاستثمار فيها، ولكن عودة الزخم الأميركي للقارة سيجعل ما تطمح إليه بقية الدول صعبا لحد كبير بالنظر لقوة الاقتصاد الأميركي من جهة، والعلاقات القديمة بين الطرفين من جهة أخرى.

إقرأ أيضا:الازدهار السكاني في إفريقيا.. النتائج والآثار لتعزيز الاقتصاد والأهمية العالمية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة