المواجهات العسكرية في السودان تدخل شهرها الثاني، حيث تعيش البلاد قتالا بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” شبه العسكرية المدعومة من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، إذ لا تزال المعارك مستمرة في العاصمة السودانية الخرطوم والعديد من المناطق الأخرى.

العديد من المخاوف بدأت تظهر بدخول السودان في نفق إطالة أمد الصراع العسكري فيها، خاصة مع عدم قدرة أحد الجانبين على حسم النزاع بشكل عسكري، إضافة لعدم قبول أحد منهما تسوية تفضي إلى وقف القتال، فضلا عن عدم الالتزام بأي هدنة تم الإعلان عنها سابقا، فهل تدخل السودان مرحلة إطالة أمد الصراع.

الإطالة بأمد الصراع يعني مزيدا من زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة المضطربة أصلا، خاصة بعد تحول العاصمة السودانية الخرطوم إلى منطقة حرب، في ظل عدم وجود أي مؤشرات حقيقية على إمكانية التوصل إلى تسوية بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو.

قتال مستمر وتفاوض مستبعد

رغم إعلان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان فولكر بيرتس السبت، عن وجود مؤشرات على مزيد من الانفتاح على التفاوض، لكنه قال إنّ الخرطوم شهدت تجددا للقتال، كذلك فإن إعلان “حميدتي” والبرهان، استبعاد فكرة التفاوض مع بعضهما في تصريحات علنية منذ بدء القتال، يوحي بمزيد من التصعيد خلال الفترة القادمة.

مخاطر الصراع، ستكون وخيمة بالنسبة للسودان والدول السبع المجاورة له والتي قد يتزعزع استقرارها بسبب الصراع في بلد له تاريخ من الحروب الأهلية، ومنها الحرب التي استمرت عقوداً وانتهت بانفصال جنوب السودان في 2011.

السودان شهدت على مدى الشهر الماضي قتالا عنيفا بين الجيش والقوات شبه العسكرية في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني.

الخرطوم شهدت خلال الأيام الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا، في ظل عدم قدرة الجيش السوداني على حسم الصراع في العاصمة، وتقول تقارير حول التطورات في السودان إن الوضع أصبح “مرعب ومقلق”، من أن يتحول الأمر إلى حروب داخلية كما هو المعتاد.

تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، تحدثت عن تصاعد حدة القتال في العاصمة السودانية خلال اليومين الماضيين، حيث اشتدَّت الضربات الجوية والقصف المدفعي وسُمع دوي الانفجارات، والضربات الجوية، والاشتباكات، في جنوب الخرطوم، ومناطق أخرى بمدينتي بحري وأم درمان المجاورتين. كما شهدت منطقة شرق النيل اشتباكات بالأسلحة الثقيلة.

الصحفي والباحث السياسي أحمد سلطان، رأى أن المواجهات في السودان دخلت فعلا مرحلة إطالة أمد الصراع، وذلك بالنظر إلى جميع المؤشرات العسكرية والسياسية في البلاد، مشيرا إلى أن الوصول إلى تسوية يتطلب حلولا تبدو افتراضية حتى الآن، وذلك بالنظر إلى متطلبات وشروط الجانبين المتصارعين في البلاد.

السودان إلى نفق مظلم؟

سلطان قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بالنسبة للاتجاه إلى إطالة أمد الصراع. أولا الصراع في السودان ولد ليستمر ويبقى لفترة طويلة وليس ليُحلّ خلال وقت قصير، جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لا يستطيع حسم هذه المعارك في وقت قريب”.

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

المبعوث الأممي يجتمع مع وزير المالية وفريقه في بورتسودان لتنسيق المساعدات الإنسانية 14 أيار/مايو (رويترز)

برأي سلطان، فإن أقرب الفرص للوصول إلى تسوية تتعلق بأهداف لا يمكن تحقيقها، وأحدها أن يتمكن أحد طرفي الصراع بحسمه عسكريا ويهزم الطرف الآخر، وهو ما حاول كل طرف فعله منذ البداية، لكن حتى الآن كلا الطرفين عاجز عن الفوز بالصراع عسكريا، وهما يحاولان استنزاف الخصم والطرف الآخر بأكبر قدر ممكن.

الباحث السياسي رأى كذلك أن الأوضاع في السودان وصلت إلى نقطة “اللاعودة”، مستبعدا في الوقت ذاته نجاح مبادرات التهدئة في المرحلة الراهنة، فـ”قوات الدعم السريع” لن تقبل دمجها بالجيش السوداني، لأنها لا تثق بقيادته، كذلك فإن هناك دول عديدة تعمل على إطالة أمد هذا الصراع تحقيقا لمصالحها.

حول ذلك أضاف، “هناك دول إقليمية من مصلحتها أن يبقى السودان مضطربا في الوقت الحالي، لأنه يخدم بعض الأهداف لهذه الدول، سواء تلك التي تتعلق بالمصالح الذاتية أو تتعلق بصراع القوى الاستراتيجية على السودان. لذلك كل طرف يسعى للفوز وحسم الصراع بشكل نهائي، وإلا كل طرف يرى أن بديل الفوز في الصراع هو الخسارة الكاملة”.

انتهاء أمل العملية السياسية؟

استمرار العنف في السودان من شأنه أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن تُرسي أسس الديمقراطية في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير وقاعدته السياسية في 2019، بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.

مع استمرار الصراع في السودان، ارتفعت احتياجات البلاد للمساعدات، لا سيما مع تدفق اللاجئين وتوافد النازحين من مناطق الاشتباكات، حيث توقعت الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الفارين من البلاد مليون لاجئ خلال هذا العام، وأعلنت أن هناك حاجة إلى 3.03 مليار دولار لتقديم مساعدات عاجلة إلى الناس في البلاد الذي مزقته الصراعات.

المواجهات في السودان، بدأت منتصف الشهر الماضي، فبعد أيام من التأجيل الثاني لتوقيع اتفاق نهائي بشأن العودة إلى الحكم المدني، بسبب خلاف على دمج “قوات الدعم السريع” في الجيش النظامي، هزت انفجارات في 15 نيسان/أبريل العاصمة الخرطوم. وتبادل كل من القوات شبه العسكرية والجيش، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء الهجوم أولا.

المواجهات الدائرة حاليا في البلاد هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

يقترب عدد النازحين من مناطق مختلفة في السودان من المليون
 (رويترز)

على الرغم من اصطفاهما بخندق واحد أمام نظام البشير، إلا أن الخلافات بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” التي تشكلت عام 2013، وانبثقت عن ميليشيا “الجنجويد” التي اعتمد عليها البشير، في قمع التمرد في إقليم دارفور، بدأت تتصاعد تدريجيا منذ العام الماضي.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه “حميدتي”؛ هي الخلاف حول خطة ضم “قوات الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

على إثر ذلك تصاعدت حدة الخلاف حتى وصلت العلاقة بين جناحي المكوّن العسكري في السودان المتمثلين بالجيش، و”الدعم السريع” إلى مستوى غير مسبوق من التوتر وهو الذي تجلى في المعارك الدائرة الآن بين الطرفين، وبدأت القصة من تحذير الجيش من انتشار “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية في الخرطوم ومدن رئيسية.

قد يهمك: هل تتمكن السعودية من الوساطة بين الجزائر والمغرب؟

في تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” الصيف الماضي عن “حميدتي”، كمستفيد رئيسي من الدعم الروسي. كشفت كيفية استغلال روسيا، من خلال علاقتها مع دقلو والجنرال عبد الفتاح البرهان الحاكم العسكري للبلاد موارد السودان الذهبية في دعم التمويل الروسي ضد العقوبات الغربية ولتمويل حربها في أوكرانيا. كما تلقت قوات دقلو تدريبات عسكرية روسية أيضا.

مجموعة من الوثائق التي راجعتها “سي إن إن”، إلى جانب مقابلات متعددة مع مسؤولين سودانيين وأميركيين رفيعي المستوى، رسمت صورة لمخطط روسي مفصّل لنهب ثروات السودان، كما أظهر التحقيق أيضا كيف تواطأ دقلو والبرهان مع موسكو في العملية، مما حرم السودان أحد أفقر دول العالم على الرغم من كونه أحد أكبر منتجي الذهب في العالم من المورد الثمين. وفق ما نقله موقع “أخبار الآن”.

أنشطة التعدين التي تقوم بها مرتزقة “فاغنر” في السودان ساعدت في تكوين احتياطيات من الذهب في “البنك المركزي” الروسي، والتي كانت ضرورية لموسكو في أعقاب غزوها لأوكرانيا، حيث أفادت شبكة “سي إن إن” أن ما لا يقل عن 16 رحلة روسية هرّبت الذهب من السودان إلى روسيا على مدى عام واحد.

لا يبدو أن هناك حلا منطقيا يمكن للطرفين المتصارعين التوافق عليه لإنهاء المواجهات العسكرية في البلاد، ما يعني أن المواجهات أصبحت رهينة الدول الخارجية التي تدعم وتغذي أسباب استمرار الصراع، حيث إن كل المعطيات حتى الآن على الأقل تؤكد دخول السودان في مرحلة إطالة أمد الصراع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات