على مدار أكثر من ثلاثين عاما، لم تنجح كافة الوساطات والمحاولات لحل الخلافات بين الجارتين العربيتين في إفريقيا المغرب والجزائر، فساهمت قضية الصحراء الغربية والاختلاف على الترسيم الحدودي ، في تعميق فجوة الخلاف بين الجارتين الواقعتين في إقليم شمال إفريقيا، على الرغم من أن الجانبين يشتركان بخط حدود يمتد لأكثر من 1500 كيلو متر، ويتشاركان نفس اللغة والتاريخ.

مدفوعة بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين في المنطقة، تسعى المملكة العربية السعودية لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية، من بوابة أكثر القضايا تعقيدا، عبر الدخول في وساطة من شأنها أن تساهم في حلحلة الخلافات بين الرباط والجزائر، ما يطرح التساؤلات حول قدرة الرياض على لعب هذا الدور في المرحلة القادمة.

المرحلة الأولى من الصراع، اتخذ شكلا دبلوماسيا في المحافل الدولية، وذلك من خلال التأثير على القرارات الدولية في محاولة لتحقيق المصالح بعيدا عن الحرب المباشرة، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت مناوشات عسكرية بين الجانبين، فيما يؤشر أن الخلاف اتخذ أشكالا أكثر حدة ومليء بالتهديدات، ما يشكل تحدّيا كبيرا بالنسبة للسعودية.

مبادرة سعودية

رغم مرور أكثر من 30 عاما على الخلاف الثنائي، يُعتبر دخول السعودية على خط الخلافات جديدا إلى حد ما، فالرياض لم يسبق لها أن تدخلت في الصراع الدائر بين المغرب والجزائر سوى بمبادرة لم تلقَ أي اهتمام قبل نحو عامين، بالتالي هي ليست على متابعة لأدق التفاصيل، الأمر الذي يصعّب من المهمة.

مصدر الصورة: صفحة رئاسة الجمهورية الجزائرية

مؤخرا زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، العاصمة الجزائرية، والتقى بحسب ما ذكرت صحيفة “العلم المغربية” ونقلت صحيفة “القدس“، عددا من المسؤولين في مقدمتهم الرئيس عبد المجيد تبون، وركّزت المباحثات على الأزمة مع المغرب، حيث أبدى بن فرحان استعداد بلاده لرعاية مشاورات مباشرة بين الرباط والجزائر، على هامش انعقاد القمة العربية في جدة خلال الأسبوع المقبل، مع التعهد بضمان سلامة وأمن الجزائر.

مشاورات بصفة غير رسمية، هي الصيغة التي اقترحها الوزير السعودي، على الرغم من أن المصادر التي نقلت تفاصيل الزيارة وهي مصادر مغربية، أشارت إلى عدم تجاوب يذكر من قبل المسؤولين الجزائريين، في حين لم تعلّق الحكومة الجزائرية على تفاصيل الزيارة حتى ساعة نشر هذا التقرير.

لا يبدو حتى الآن أن حل الخلافات العالقة بين المغرب والجزائر أو التخفيف من حدتها، سيتحقق عبر مبادرة عربية كانت أو دولية، فيما إذا لم يكن هناك رغبة حقيقية من الجارتين، بالجلوس على طاولة مفاوضات واحدة، وبالتالي استعداد كلا الجانبين لتقديم تنازلات للوصول إلى صيغة حل مشتركة.

الباحث المختص بالشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن أي تدخل خارجي أو مبادرة من طرف عربي أو دولي لحل الخلافات بين المغرب والجزائر، سيكون نجاحها ولو بشكل نسبي مقترن برغبة الجانبين في استعادة العلاقات، مشيرا إلى أن السعودية تسعى إلى تقديم نفسها كشريك إقليمي مؤثر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

شروط النجاح

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أي مبادرة،  لن تنجح إلا إذا كان الطرفان لديهم رغبة في استعادة العلاقات، التي كانت طوال الوقت متوترة على مدار تاريخ الدولتين، ودائما ما كانت هناك اتهامات وحالة من عدم الثقة بينهما، إما اتهامات بالتدخل بالشؤون الداخلية السياسية وإما التدخل في دعم قضية البوليساريو، حتى المعارك بينهم والنزاع وصل أحيانا لاستعدادات مباشرة من أجل المواجهة العسكرية”.

قد يهمك: شهران على اتفاق السعودية وإيران.. هل من آليات عملية لعودة حقيقية للعلاقات؟

الدخول الجديد للمملكة العربية السعودية على خط حل الخلافات بين المغرب والجزائر، عبر لعب دور لم تعتده من قبل، لن يمكّن السعودية من أن تقدم دور للوصول إلى حل حاسم ونهائي للأزمة، لكنه بالتأكيد يمكن لهذا الدور أن يكون مساهما بالوصول إلى صيغة أولية من أجل بدء الحوار بين الطرفين، خاصة وأن السعودية تدفع باتجاه أن يكون لها ثقل مهم في المنطقة.

حول ذلك أضاف زهدي، “الحل النهائي ما بين الدولتين يحتاج لأطراف متداخلة وعلى علم بتفاصيل دقيقة عن الموضوع، فتكون الوساطات إما إفريقية عربية مثل مصر، ولو كانت ليبيا في وضع جيد كان ممكن أن تكون جزء من الوساطة، ممكن أيضا تكون أوروبية مثل فرنسا. السعودية تحاول صحيح، لكنها تحتاج ربما الوقت لإدراك تفاصيل الخلافات المتجذرة بين الجانبين، لأن المشكلة متراكبة ومترابطة ومعقدة”.

في التوقيت الحالي وبالنظر إلى آخر تطورات الخلاف لا تبدو كل من المغرب والجزائر متعاونتين مع أي وساطة، وعلى الرغم من إعلان الجانبين أمام المجتمع الدولي وأمام الرأي العام الداخلي، أنهما متقبلان لأي وساطة تساهم في إنهاء الخلافات، لكن على أرض الواقع نجد أن كل طرف متمسك بمطالبه وشروطه لبدء أي نوع من أنواع المفاوضات.

العلاقات بين الجانبين، تشهد توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

ذروة الخلاف بين الجانبين كانت منذ تموز/يوليو عام 2021 حتى الآن، حيث تصاعدت حملات الهجوم اللفظي بين البلدين عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل في تقرير مصيرهم ردا على الدعم الجزائري لـ “جبهة البوليساريو”، وهو ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التي سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب للتشاور. 

أما عن خلاف الجارتين بشأن دعم جبهة “البوليساريو”، فأوضح المختص بالشؤون الإفريقية، أن هذه القضية ربما أعقد قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ سنوات، وهي القضية التي تجعل أمر حلحلة الخلافات بعيدا على المستوى الزمني.

لكن المملكة العربية السعودية في المقابل، يمكن لها بعد جهود طويلة أن تتقدم في ملف الخلافات بين الجزائر والمغرب، خاصة وأنها تسعى لتقديم نفسها كراعي للتهدئة ونشر الأمن والاستقرار في المنطقة، وعن ذلك أردف زهدي، “السعودية تعمل على فكرة تقديم نفسها كمؤثّر قوي وكلاعب بارز في كل الأزمات، لذلك سنراها في الشأن السوداني وفي قضايا إفريقية عميقة. السعودية الآن تغيّر استراتيجيتها  إزاء القارة الإفريقية، من سنوات جهزت وزيرا للشؤون الإفريقية وبالتالي أعتقد أن هناك تصاعدا للدور السعودي في الأيام القادمة”.

جذور الخلاف

في الوقت نفسه أكدت تقارير إعلامية ونفتها المغرب حول تورط المغرب باستخدام برنامج “بيغاسوس” للتجسس الإلكتروني؛ لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين الجانبين، وأدى إلى اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “رشاد” و”ماك” الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلته بدون دليل مادي، مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر. 

أساس الخلاف بين الجانبين تمثّل خلال العقود الأخيرة، بصراع على الحدود المشتركة، لكن دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” فاقم أزمة الصراع الثانية، وأفضل مرحلة من العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر كانت المرحلة التي يمكن وصفها بـ”مرحلة الفتور”، بخلاف ذلك فقد كانت العلاقات متوترة جدا حتى وصلت في بعض الأحيان إلى المناوشات العسكرية.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

الجزائر تتهم المغرب بممارسة أعمال عدائية ضدها اضطرتها لقطع العلاقات كليا، وتمّ إعلان ذلك في 24 آب/ أغسطس 2021، تتمثل هذه الأعمال بـ”الاستيلاء على أراض جزائرية إلى قيام دبلوماسي مغربي بالحديث عن حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع”، في حين تبرر المغرب هذه التصرفات بدعم الجزائر لجبهة “البوليساريو”.

التوتر بين المغرب والجزائر زاد حدته، إثر عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ضمن صفقة تضمنت اعترافا أميركيا بمغربية الصحراء وافتتاح الإمارات والبحرين لقنصليتين لهما لدى المغرب في الصحراء، إضافة لإقامة الرباط علاقات مع تل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية، كما أوقفت الجزائر تصدير الغاز إلى المغرب، وأغلقت أجواء البلاد أمام الطائرات المغربية في أيلول/سبتمبر من العام 2021.

لكنّ الخصومات بين المغرب والجزائر تعود إلى بداية الاستقلال، فكان هناك حرب عرفت بحرب “الرمال” عام 1963، وقد بدأت جذور الخلاف بين البلدين بعدما ضمَّت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتَي بشار وتندوف إلى الأراضي الجزائرية، وهما منطقتان يرى المغرب حقه التاريخي فيهما، وأنهما جزء من أراضيه التاريخية.

حتى الآن لا يبدو أن هناك مؤشرات توحي بنجاح أي مبادرة لحل الخلافات العالقة والمتجذرة بين الجارتين الإفريقيتين، بانتظار ربما ما يمكن أن تؤول إليه المبادرة السعودية، في ظل رغبة الرياض تعزيز دورها لإنهاء بؤر التوتر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تعتبر المنطقة المشتركة بين الرباط والجزائر أبرزها في الوقت الراهن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات