بعد مرور أكثر من شهرين على توقيع اتفاق إنهاء القضية بين المملكة العربية السعودية وإيران، لا يبدو حتى الآن أن هناك خطوات جدّية وحقيقية لعودة العلاقات بين الجانبين، على الرغم من التصريحات المتكررة على لسان المسؤولين من الجانبين، بضرورة استئناف عمل البعثات الدبلوماسية والعمل على تعزيز التعاون في مختلف المجالات خلال الفترة القادمة.

هناك العديد من التحديات والعراقيل التي تواجه نجاح استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، خاصة وأن السعودية شرعت بفتح قنوات الاتصال مع إيران مدفوعة بكسب التحديات الأمنية في المنطقة، فضلا عن محاولاتها احتواء تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، واقتراب طهران أكثر من حصولها على السلاح النووي.

الإشكال الإيراني السعودي، يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية، هذا فضلا عن الرغبة الدولية  في عزل النظام الإيراني بعد تحالفه مع روسيا، إضافة إلى انعدام الثقة بين الجانبين اللذان بقيا أعداء لمدة زادت عن 40 عاما، ما يطرح التساؤلات حول وجود آليات عملية وجدّية من أجل عودة العلاقات وفق اتفاق آذار/مارس الماضي.

حل عملي لإنهاء الخلافات؟

الاتفاق الذي تم منذ شهرين، ركز على عودة العلاقات الدبلوماسية عبر استئناف عمل البعثات الدبلوماسية، وبنود عامة مثل احترام السيادة المتبادل والابتعاد عن اللهجة العدائية في الخطابات، وقد خلا الاتفاق من أي  إشارة إلى الملفات التي تشكل أساس التوتر والخلاف بين البلدين، وفي مقدمتها الملف اليمني والملف النووي الإيراني.

الاستراتيجيات السعودية في الوقت الراهن لعلها تكمن في تعزيز ترساناتها الأمنية، سواء كانت مساعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي العسكري أو الحصول على السلاح النووي، عبر عدة مسارات. أما الاستراتيجيات الأخرى فهي فكرة توسيع وتنويع علاقاتها مع عدة دول، لتحصين أمنها وتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لاقتراب الخطر من أمنها.

التصريحات المتبادلة المتعلقة بعودة العلاقات الثنائية، توحي فعلا بوجود الرغبة، لكن الأخيرة وحدها بالتأكيد لا تكفي لحل العديد من المشاكل والخلافات العالقة على الرغم من التصريحات المتفائلة، والتي كان آخرها قول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إن “إيران لن تقبل اعتبار السعودية عدو، أو أن تكون إيران عدوة لها”.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، رأى أنه من الصعب التكهّن بنتائج الاتفاق الإيراني السعودي في ظل عدم الإفصاح عن كافة بنوده، لكن أبرز النتائج بدأت تظهر في خفض التصعيد والتحريض من قبل إيران على السعودية في الأطر السياسية والإعلامية على وجه التحديد، مشيرا إلى أن الرياض تسعى بكل ثقلها لإنهاء بؤر التوتر في المنطقة العربية مستثمرة في قوة نفوذها ومكانتها الدولية.

أبرز نتائج الاتفاق

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أعتقد أن من أهم نتائج اتفاق بكين هو خفض التصعيد والتحريض من قبل إيران على المملكة العربية السعودية، وبات ذلك ملاحظا في إطاره العسكري والسياسي والإعلامي، وأعتقد أن الخطوات القادمة ستكون بوقف إيران نشاط أذرعها المنتشرة في المنطقة العربية لا سيما في اليمن التي تقودها ميليشيا أنصار الله الحوثية”.

كذلك في العرق بدأت ملامح المطالبة بتخفيض التحريض عبر وسائل الإعلام التي تمثل مشروع الأذرع الإيرانية، خاصة بعدما نشرت “هيئة الاعلام والاتصالات” العراقية الثلاثاء 9 أيار/مايو الجاري قائمة بالمخالفات موجهة للقنوات الفضائية، تتضمن قواعد البث الإعلامي المتعلقة بالحض على العنف والتحريض والكراهية.

حول ذلك أضاف النعيمي، “أعتقد بأن هنالك مجموعة من القنوات التي تُصنّف ضمن التوجه الإيراني ستلاقي ذات المصير تدريجيا، وستنتقل التجربة إلى اليمن ولبنان وسوريا وحتى الخطاب الرسمي في البيانات التي تصدرها الدول العربية التي يشهد فيها هيمنة إيرانية مثل العراق – سوريا – لبنان – اليمن، وربما قد ينتقل مسار التهدئة من الإعلام إلى حلقة السياسة ومن ثم إلى الميدان وتكون انعكاسات اتفاقية بكين قد حققت الخطوات الأولى في طريق التهدئة التي ترى فيها السعودية بأنها مستدامة”.

المملكة العربية السعودية، تسعى خلال الفترة الأخيرة وحتى ضمن أهداف التهدئة مع إيران، إلى ضمان استقرارها بالدرجة الأولى واستقرار منطقة الشرق الأوسط، مستخدمة أدواتها السياسية الناعمة التي من شأنها تصفير العداء في منطقة الشرق الأوسط عموما.

لكن النعيمي يعتقد أن الملف السوري ما زال يشكل حجر عثرة كبيرة في وجه عودة العلاقات الثنائية، وما زال بحاجة إلى المزيد من الخطوات التي يجب أن تلتزم بها إيران، التي ما تزال تمسك بيدها العصا وتلوح بها تجاه من تصفهم خصومها في سوريا ولن تفرط بتلك المكتسبات التي حققتها على مدار 12 عاما من دعمها لحليفها الاستراتيجي الرئيس السوري بشار الأسد.

عن ذلك أردف قائلا، “كذلك فإن الديون المترتبة على النظام السوري من جراء التدخل الإيراني، تجعل الطريق مفتوحا أمام طهران للتمدد في سوريا، خاصة في ظل عدم قدرة دمشق على دفع الديون، بسبب حزم العقوبات الدولية والأميركية، التي تزداد وتيرتها يوما بعد يوم وقانون مكافحة الكبتاغون الذي سيدخل حيز التنفيذ ربما سينعكس سلبا على النظام السوري، ولم يعد بمقدوره سداد الديون المترتبة عليه والتي بلغت قرابة 30 مليار دولار وفق الإعلام الرسمي الإيراني”.

أين تتجه الأمور؟

حتى الآن لا يمكن ربما معرفة إلى أين سيتجه الاتفاق السعودي الإيراني، وهل سيقدم حلولا عملية للملفات الأمنية العالقة في المنطقة أم لا، وهنا أوضح النعيمي أن السعودية عمدت إلى تنفيذ سياسة “خطوة مقابل خطوة”، وذلك عبر إعادة دمشق إلى الجامعة العربية، لكن حتى الآن لا يوجد أي تقدم حقيقي بسبب تعقيدات العديد من الملفات ومن أبرزها الملف السوري.

أما عن تعامل السعودية مع زيادة النفوذ الإيراني، فزاد النعيمي “أعتقد بأنها ستعمد على إلزام الصين بضرورة تنفيذ اتفاقية التهدئة في المنطقة وإنهاء حالة الفوضى الخلاقة، وصولا للعمل بشكل جدّي على تنفيذ مقررات مجلس الأمن الدولي لما يخص المناطق التي تشهد توترا إثر التواجد الإيراني والهيمنة الإيرانية على مقدرات الدول، وتعزيز روح الكراهية وبث الفتن بين الشعوب العربية تحت بنود المظلومية وصولا إلى التهدئة الكاملة وفق الرؤية والرغبة الدولية بضرورة إنهاء بؤر التوتر والتوصل إلى تسويات تنهي الحالة المأساوية التي ألمّت بالمنطقة والتي باتت أرضا خصبة لكل شذاذ الآفاق ليستثمروا فيها”.

الاتفاق بين الرياض وطهران كان قد تم في العاصمة الصينية بكين، وقد وقّع وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني على بيان مشترك اتفقا فيه على “إعادة فتح بعثاتها الدبلوماسية خلال المدة المتفق عليها، والمضي قدما في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد”.

 الاتفاق تضمّن “مواصلة التنسيق بين الفرق الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرات العمرة”.

بعض المراقبين يرون أن الرياض لديها مكاسب من الاتفاق شرط أن يترسخ التعاون الجديد، حيث يمكن لاستئناف العلاقات بين البلدين أن يهدّأ من التوترات الإقليمية التي أشعلت الحروب وأثارت خلافات إعلامية وأرسلت طائرات مسيّرة وصواريخ عبر شبه الجزيرة العربية، لكن يبقى الأهم في نتائج هذا الاتفاق وتحديدا فيما يتعلق بإنهاء بؤر التوتر وتعزيز أمن واستقرار المنطقة في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات