رغم التصريحات المتفائلة من الجانب التركي والخطوات المتسارعة التي شهدها ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن خطواتٍ عديدة لم تتمكن أنقرة من تحقيقها بعد، أهمها ربما اللقاء على المستوى الرئاسي بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد.

دائما ما كانت المبادرات تنطلق من أنقرة، فالحديث عن لقاء بين الرئيسين أعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أواخر شهر نيسان/أبريل الماضي، على أن يتم مطلع الشهر الحالي، في محاولة من أنقرة إنجاز هذا الملف قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا.

إلا أن فشل عقد هذا اللقاء، يطرح التساؤلات حول ما إذا خسر أردوغان الرهان على المضي قدما في ملف عودة العلاقات مع دمشق قبل الانتخابات، أم إنه حقق فعلا خطوات جيدة في هذا المسعى أبرزها لقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الأربعة وهي تركيا وسوريا وإيران وروسيا في العاصمة الروسية موسكو.

قضايا هامة في الاجتماع الرباعي

حتى الآن اجتماع وزراء خارجية الدول الأربعة هو الحدث الأبرز في طريق عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقد حضرت العديد من الملفات في المباحثات الأولى من نوعها بين الوزراء، والتي تدفع باتجاه عودة العلاقات بين البلدين، إلا أن الملف ما زال يتعثر بفعل الشروط التي يضعها الجانب السوري للقبول بالمضي قُدما بشأن ذلك.

يبدو أن الحكومة السورية تسعى لاستغلال تعجّل أنقرة لإنجاز ملف التطبيع، هذا فضلا عن عدم تفاعل دمشق مع الدعوة للقاء على مستوى الرئيسين، إذ ربما لا يرغب الرئيس السوري بشار الأسد بلقاء رجب طيب أردوغان في هذه الفترة، خاصة وأن بقاءه على كرسي الرئاسة ليس مضمونا بعد الرابع عشر من شهر أيار/مايو الجاري.

تركيا من جانبها تواصل محاولات دفع روسيا من أجل الضغط على دمشق بشأن الشروط التي تضعها، حيث وصفت الخارجية التركية قبل انعقاد الاجتماع اليوم الأربعاء الشروط المسبقة التي تضعها دمشق في مناسبات مختلفة بأنها “ليست واقعية”، في وقت أكدت على أهمية بحث موضوع “العودة الآمنة للاجئين السوريين”، والدفع باتجاه “إحلال الأمن والاستقرار الدائمين في المنطقة”.

دمشق تشترط لقبول التطبيع مع سوريا، انسحاب القوات التركية من كامل الأراضي السورية، وعلى الرغم من رفض تركيا لهذه الخطوة، إلا أن التصريحات التركية الأخيرة، أشارت إلى أن الانسحاب العسكري يمكن أن يكون من آخر الخطوات لتركيا في هذا الشأن، ما يدل على أن مؤشر الثقة بين الجانبين ليس في أفضل حالاته، إذ إن أنقرة لا يمكن أن تُقدم على هذه الخطوة قبل ضمان مكاسبها من عودة العلاقات مع دمشق.

روسيا التي تلعب دور الوسيط في عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، اقترح وزير خارجيتها سيرغي لافروف خلال اللقاء الرباعي وضع خارطة طريق من أجل تقدّم ملف تطبيع العلاقات بين الجانبين، حيث يتم تحديد مواقف سوريا وتركيا بوضوح بشأن القضايا  ذات الأولوية بالنسبة إليهما، ما يعني حل مشكلة استعادة سيطرة الحكومة السورية على جميع أراضي البلاد، و”ضمان الأمن الموثوق به للحدود المشتركة بطول 950 كيلومترا مع تركيا، ومنع وقوع هجمات عبر الحدود وتسلل إرهابيين”.

بالنظر إلى الشروط التي يضعها كلّا من الجانبين، وطريقة مضي الملف قدما حتى الآن، كان واضحا أن أنقرة لن تستطيع إنجاز أيّا من هذه الخطوات قبل موعد الانتخابات، كما كان يتمنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن يقدم ما هو ملموس في هذا الملف للتأثير على الناخب التركي.

أهداف أنقرة

الباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، استبعد وجود أي مؤشرات على نجاح ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق في المدى المنظور، مشيرا إلى أن مساعي أردوغان في التطبيع مع دمشق، مدفوعة برغبة في قطع الطريق على المعارضة التركية، التي بادرت وفتحت الملف ولقيت الترحيب من الرئيس السوري بشار الأسد.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أردوغان لم يكن يرى أي حاجة للتقارب مع النظام السوري، لكن قبل الانتخابات الرئاسية استغلت المعارضة التركية هذا الملف، وقالت إنها ستتقارب مع النظام السوري وستزور الأسد، لذلك لاحظنا التدخل الروسي للضغط على دمشق من أجل أن يكون التقارب مع الحزب الحاكم، وهنا ظهرت قوة العلاقة بين تركيا وروسيا”.

بالتالي فإن جميع محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقارب مع دمشق، كانت مدفوعة بسد ثغرة متعلقة بالوضع السياسي الداخلي، وليس بمدى الحاجة لخدمات دمشق، خاصة وأن الأخيرة لا تملك ما تقدمه لأي من أطراف المعادلة السورية بالنظر إلى الوضع السياسي في سوريا.

المالكي رأى أن حركة العلاقات الدولية، تؤكد أن الوضع في سوريا  أخذ وضعية الجمود منذ فترة وكافة اللاعبين في الساحة السورية، “رأوا أن الوضع يجب أن يبقى كما هو عليه لأنه لا يوجد منسحب من هذا الصراع ولا أحد يستطيع تحمّل تبعات المجازفة والتهور الزائد” .

أما عن الآليات المجدية لتقارب حقيقي بين أنقرة ودمشق، فيؤكد المالكي أن ذلك لا يمكن أن يتم في ظل وجود مصالح انتخابية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأردف قائلا “إذا أراد الطرفان التقارب الفعلي، فيمكن أن يتم ذلك بعد انتهاء الانتخابات، إذ من الممكن أن يجلس الطرفان، ليقيّما حقيقة ما يريدانه من بعضهما”.

هل ينجح التطبيع؟

حتى الآن لا توجد مؤشرات حقيقية على نجاح هذا التقارب، إذ إن ملف عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، ربما هو الأهم بالنسبة لأنقرة، وتستطيع حلّه وقد بدأت فعلا بحله عبر إقرار آليات عودة السوريين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري، وبذلك فهي ليست بحاجة لأي تعاون مع دمشق بهذا الشأن.

حول ذلك أضاف المالكي، “لو كان هناك نيّة حقيقية للتقارب، أو أن هناك أي ضغط دولي لهذا التقارب، لتمّ منذ فترة ولكن تباعد أوقات الاجتماعات، والعمل على هذا الملف بشكل روتيني بطيئ، ويفيد فرضية أن هذا الشكل ليس للتقارب وإنما لتجاوز وقت الانتخابات وخاصة أن الطرفين يختلفان في أُسس العلاقات، فمن ناحية يريد النظام السوري خروج الجيش التركي كبداية لأي نقاش، والطرف التركي يقول إن الخروج لن يكون إلا بعد تحقيق كافة الطلبات التي يريدها الأتراك”.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فشل في الرهان على لقاء الرئيس السوري بشار الأسد قبل الرابع عشر من أيار/مايو الجاري، لكنه ربما نجح في المقابل في إيصال رسائل إلى الداخل التركي، تؤكد أنه جاد في التقارب مع دمشق، لضمان أمن واستقرار بلاده، إضافة إلى عودة السوريين إلى بلادهم.

المالكي استبعد أي أثر لنتائج الانتخابات على ملف التطبيع التركي مع دمشق، إذ إن النتائج لن يكون لها ذلك التأثير على الخطوات التركية لعودة العلاقات، وهنا أكد الباحث الدولي أن المؤشرات حتى الآن ليست في صالح الملف، “فما تريد تركيا أن تفلعه تستطيع فعله بدون أخذ الإذن أو حتى التعاون مع دمشق التي تضع الشروط والعراقيل”.

من المتوقع أن تُطرح على طاولة التباحث اليوم الأربعاء في موسكو العديد من الملفات الأمنية والعسكرية الشائكة، خاصة لجهة الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، والذي تعتبره دمشق “احتلالاً”، بينما تؤكد أنقرة أنه لدرء المخاوف على الأمن القومي التركي بسبب وجود “قوات سوريا الديمقراطية”.

إصرار دمشق على شروطها السابقة يعني دخول ملف عودة العلاقات مجددا في طريق وعرة، ويعني كذلك تجاهل الجهود الروسية التي أدت في وقت سابق إلى تراجع دمشق عن شروطها، بعد القبول بحضور الاجتماعات الرباعية لبحث آليات وسبل عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة.

دمشق تشترط الانسحاب العسكري التركي، ويصطدم هذا الشرط برفض معلن من الجانب التركي الذي يتحدث عن انسحاب مشروط بالتوصل إلى حلّ سياسي، بين دمشق والمعارضة السورية يسمح بـ”تحييد” التهديد الذي تشكله “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تسيطر على مناطق واسعة في الشمال الشرقي من سوريا. 

 لا يبدو أن ملف التطبيع سيشهد تطورات ملموسة خلال الأيام القليلة الماضية، إذ إن المؤشرات أكدت فشل مساعي تركيا في تسريع وتيرة عمليات التطبيع قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، وربما ستكون الصورة والموقف التركي أوضح بعد صدور نتائج الانتخابات، حيث ستظهر الرغبة الحقيقية لتركيا من وراء هذه الجهود التي بدأتها منذ مطلع العام الجاري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.8 4 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات