منذ نهاية العام الفائت 2022، وتونس تشهد تصعيدا سياسيا هو الأعنف ربما منذ عقود بين السلطة الحاكمة برئاسة قيس سعيّد من جهة وأحزاب المعارضة ومن ورائها بعض الحركات المدنية من جهة أخرى، وسط مخاوف تطور هذا التصعيد إلى منطقة اللاعودة ودخول البلاد في نفق لا يُعرف نهايته.

المخاوف من التصعيد برزت منذ اختارت السلطة الحلّ الأمني لمواجهة الحركات الاحتجاجية الرافضة لطريقة إدارة سعيّد للبلاد لا سيما على المستويين السياسي والاقتصادي، فأخذت السلطة تعتقل الشخصيات البارزة في أحزاب المعارضة وتوجه لهم اتهامات مختلفة لزجهم في السجون.

مع دخول الأزمة التونسية شهرها السادس، ورغم تعرض السلطة لاتهامات تتعلق بـ الارتهان إلى الدول الخارجية وتحديدا إلى روسيا والصين، اللتان تدعمان الحكومة التونسية للبقاء في السلطة بغض النظر عن أية اعتراضات داخلية، فقد عمدت بعض الجهات الداخلية إلى طرح مبادرات لعقد حوار بين السلطة والمعارضة، ما يطرح التساؤلات حول فُرص نجاح هذه المبادرات.

دعوة للحوار

آخر هذه الدعوات جاءت عبر “اتحاد الشغل التونسي”، الذي شارك سابقا بالاحتجاجات ضد السلطة، حيث وجّه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، رسالة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد، دعاه فيها إلى “الابتعاد عن التفرّد بالرأي والقبول بالحوار كسبيل وحيد لحل مشاكل البلاد”.

خطاب الاتحاد، اعتبر أن سياسة القرار الواحد وخاصة فيما يتعلق بـ “صندوق النقد الدولي” مؤخرا تعطي للجميع في تونس عدة دروس، منها أن “عصر الأنبياء المعصومين ولّى والإتيان بالمعجزات انتهى، ويجب تقاسم التضحيات في مشروع تقدمي مشترك يعتمد على القدرات الوطنية”.

دعوات الحوار التي تنطلق في تونس، تؤكد معظمها أن هدف الحوار يرتكز بالدرجة الأولى، على تجنب التدخل الخارجي في الشؤون التونسية، في وقت تتهم فيه أحزاب المعارضة القيادة التونسية، بالارتهان لأطراف عدة في الخارج وتنفيذ أجنداتها في البلاد

ليس واضحا موقف السلطة أو الرئيس قيس سعيّد ومدى تفاعله مع هذه المبادرة، خاصة أنه سبق وأن رفض مبادرة تقدمّ بها “اتحاد الشغل” مطلع العام الجاري، تنص على إطلاق حوار وطني يضم كل الجهات الوطنية والسياسية “لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في البلاد”.

فالرئيس التونسي قيس سعيّد يرفض منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في تونس في 25 تموز/يوليو 2021، التحاور أو التفاوض مع أي طرف، ويؤكد أن لا مجال للتفاوض خارج أطر مؤسسات الدولة، وقد قال سابقا إنه “لا حاجة للحوار ما دام ثمّة برلمان منتخب ويمارس مهامه”، وهو ما فهم على أنّه رافض لأيّ مبادرة للحوار مع المنظمّات النقابية أو مع الأحزاب السياسية.

هل ينجح الحوار؟

المستشار السياسي ورئيس المنتدى الدولي للحرية والديمقراطية المنصف زيد، رأى أن الواقع التونسي أصبح معقدا بسبب توجهات السلطة، حيث أن المناخ العام لا يوحي بإمكانية عقد حوار يمكن له أن يفيد تونس بين المعارضة والسلطة، مشيرا إلى أن التفرد بالسلطة وإقصاء الآخر وغيرها من السياسات التعسفية ينسف أيّ أمل ممكن للحوار.

زيد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا بد من الوقوف على الأحداث و ومسبباته، فالواقع التونسي أصبح معقدا و العامل الخارجي أصبح هو المحدد في المسار السياسي الداخلي، بعكس ما تعلنه السلطة في تونس من سيادة وطنية و عدم الخضوع الى تدخل القوات الخارجية في كلّ كبيرة و صغيرة”.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

وفق رؤية زيد فإن كل الأحداث و التقارير تثبت انزلاق تونس نحو المعارك بالوكالة بين “الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الداعمة للمسار الديمقراطي، والشرق بقيادة روسيا والصين الداعمين لفلسفة القوي المستبد الذي تدفع له الإمارات في كافة الوطن العربي”.

السلطة التونسية، ترى من جانبها أنها تستهدف الأشخاص والأحزاب التي تعيق عمل الدولة، وتبرر لنفسها الإجراءات التعسفية وحملات الاعتقالات وإسكات المعارضة، أن ذلك لمصلحة تونس ومواطنيها ولمصلحة جهود الإصلاح، التي لم يرَ منها التونسيون شيئا منذ أشهر، بل على العكس فإن سياسات الرئيس التونسي وحكومته ساهمت بزيادة معاناة المواطنين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

في تونس ترفض السلطة صعود أي من التيارات المحسوبة على “الإخوان”، لذلك فهي تبرر تصرفاتها ضد أحزاب المعارضة، فضلا عن حملة الاعتقالات التي طالت شخصيات سياسية بارزة خلال الأشهر الماضية.

عملية الاستهداف من وجهة نظر الحكومة منطقية لأنها لا تفترض أن هذه الأحزاب سوف تستقيم مع جهود الإصلاح الدائرة الآن التي لم تؤتِ ثمارها لأن تونس تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية، وبعد أن كانت تونس أحد أهم معاقل الديمقراطية في منطقة شمال إفريقيا، تعاني من حروب داخلية بين المعارضة والسلطة.

حول فرص نجاح عمليات الحوار في تونس أضاف زيد، “الحوار يفترض وجود متحاورين من وجهات نظر مختلفة و هذا ممنوع في واقع السياسة في تونس، ليس هناك أجواء للحوار بل هناك أجواء للاعتقال والسجن و تلفيق التّهم التي قد تؤدي إلى الإعدام”.

أسباب الحراك السياسي

الحراك السياسي في تونس منذ أشهر، يتركز بشكل أساسي على رفض سياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، كما يتناول قضية الحريات والمعتقلين السياسيين، وما تعتبره المعارضة “عبث الرئيس بالدولة ومؤسساتها وهياكلها في مختلف المجالات”.

الاحتجاج الشعبي ضد السلطة التونسية لا يقتصر فقط على الجانب السياسي، فهناك حالة من عدم الرضا على طريقة إدارة البلاد من الناحية الاقتصادية، وقد تصاعدت حدتها منذ إعلان سعيّد عن الموازنة التونسية مطلع العام الماضي، ومحاولة سد العجز عبر فرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الأوساط التونسية.

منذ أن اتجه الرئيس للتعديلات في الدستور ومنح نفسه صلاحيات غير محدودة وسحب الصلاحيات من “البرلمان”، “كان واضحا أنه يريد حكم البلاد بالطريقة الأمنية بعيدا عن الديمقراطية، فأصبح الرئيس وحده يختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وهذا يرسّخ الحكم باتجاه واحد بعيدا عن الديمقراطية والتعددية، حيث أن التونسيين فقدوا الثقة بالسلطة” بحسب معارضين تونسيين.

مع ازدياد وتيرة الأزمة السياسية، بدأت تونس تفقد هامش الديمقراطية التي كانت تتمتع به منذ سنوات، وهو ما يميّزها عن جيرانها شمالي إفريقيا، إذ إن هناك هامش من حرية التعبير كانت تتحرك فيه أحزاب المعارضة، إلا أن التعديلات الدستورية تهدد ما تبقى من الديمقراطية في البلاد.

السلطة التونسية لا يبدو أنها تستطيع إنهاء حركات الاحتجاج السياسي بالإجراءات التعسفية والاعتقالات، إذ يؤكد سياسيون أن ” الأمور بحاجة لمواجهة فكرية وحلول جذرية وتوافقات نهائية في الخلافات، لأنه إذا أوقفت حزب ما، سيخرج حزب آخر، وإذا اعتقلت أحد سيخرج آخر، فضلا عن الاحتجاجات المستمرة في الشارع ضد السلطة”.

لا يبدو أن هناك مؤشرات توحي بقبول السلطة التونسية التحاور مع أحزاب المعارضة للوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف، ما يعزز المخاوف بشأن زيادة احتمالية التصعيد في البلاد خلال الأشهر القليلة القادمة، الأمر الذي سيكون بالتأكيد ليس في صالح التونسيين، الذين سيكونون ضحية تعنت السلطة وإصرارها على الحل الأمني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات