بعد الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية بين “قوة الردع الخاصة” و”اللواء 444″، القوتين العسكريتين الأكثر نفوذا في طرابلس، ثمة أحاديث تدور حول ضرورة تشكيل حكومة مؤقتة جديدة، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول دلالات وخلفيات الصراع بين “اللواء” و”الردع” في هذا التوقيت بالذات، وكذلك مستقبل وأوضاع التشكيلات المسلحة هناك.

اللافت في المشهد الليبي اليوم هو الاتفاق بين “مجلس النواب الليبي” و”المجلس الأعلى للدولة”، الذي يدعون فيه أيضا إلى تشكيل حكومة مؤقتة جديدة بدلا من “حكومة الوحدة الوطنية” منتهية الولاية التي يتزعمها عبد الحميد الدبيبة، وهو ما قد يجرّ البلاد إلى مزيد من الفوضى والعنف، نظرا لتمسك الأخير بكرسي السلطة.

لذلك فإن الساحة الليبية لا تزال محاطة بالعديد من المشاكل والتعقيدات، بل وتزداد يوما بعد يوم، نتيجة وجود مصالح وأهداف معينة لبعض الأطراف التي تخدم أجندات بعض الدول الأجنبية المتداخلة في الملف الليبي، مثل دولة تركيا. بمعنى أدق سعي كل طرف للسيطرة على الآخر وبالتالي تشكيل العديد من العقبات أمام خارطة الطريق السياسية في ليبيا، وهو ما يضع طرابلس أمام سيناريوهات عدة، أرجحُها غير واعدة لمستقبل البلاد.

خلفيات اشتباكات طرابلس

منتصف الشهر الجاري شهدت طرابلس أسوأ أحداث عنف هذا العام عندما اندلعت اشتباكات بين فصيلَين مسلحَين لكن يبدو أن القتال الدامي قد هدأ بعدما أطلق أحد الفصيلَين سراح قائد الجانب الآخر، حيث اندلع القتال بين “قوة الردع الخاصة” و”اللواء 444″ وهما من أقوى الفصائل المسلحة في طرابلس. وقال مصدران من الجانبين إن “قوة الردع الخاصة أفرجت عن محمود حمزة قائد اللواء 444 الذي أدى احتجازه إلى اندلاع الاشتباكات”، وفق ما نقلته “سكاي نيوز عربية“.

ظهرت مخاطر الصراع الليبي عندما وقعت اشتباكات بين فصائل مسلحة في طرابلس مما أدى إلى مقتل 55 شخصا_ “رويترز”

هذا وبدأ القتال بعد احتجاز” قوة الردع الخاصة”، التي تسيطر على مطار معيتيقة الرئيسي بطرابلس، لحمزة في أثناء محاولته السفر. ووضعت الاشتباكات بين الفصيلين وهما من دعما “حكومة الوحدة الوطنية” بقيادة الدبيبة خلال معارك قصيرة العام الماضي نهاية للهدوء النسبي الذي دام شهورا في طرابلس. وأسفرت عن هذه الاشتباكات مقتل نحو 55 شخصا وأكثر من 150 جريح، وفق ما أكده “مركز طب الطوارئ والدعم”.

في الصدد، لا يرى الباحث والمحلل السياسي الليبي إدريس أحميد، أن الاشتباكات التي شهدتها طرابلس بين “قوة الردع الخاصة” و”اللواء 444″ بقيادة العقيد محمود حمزة تأتي في إطار المصالح والبحث عن موطئ قدم وسيطرة التشكيلات المسلحة التي تختلف وتتقاتل فيما بينها داخل العاصمة.

أحميد في حديثه لموقع “الحل نت”، يرى أن هذه الفصائل المسلحة من بين الإشكالات التي تهدف إلى نسف الحل السياسي في ليبيا، وربما تكون هذه الاشتباكات بحثا عن مصالح ضيقة وتصفية حسابات بين التشكيلات المسلحة أنفسهم. واستدرك أحميد ذلك بالقول، “فقد حدث مثل هذه الاقتتالات الداخلية قبل نحو عام ونصف، حيث تمت تصفية بعض التشكيلات المسلحة في صراعها مع بعضها البعض”.

خلفيات الاشتباكات الأخيرة بين “قوة الردع الخاصة” واللواء 444″، قد تعود لهشاشة سيطرة حكومة الدبيبة على هذه الفصائل المسلحة، وهو ما يعني أن محاولة الدبيبة في فرض نفوذه على البلاد تبدو فاشلة وغير ممكنة، لا سيما وأن تكرار الاقتتالات بين هذه الفصائل العسكرية أمرٌ مكرر، وبالتالي مصالحهم ضيقة وتأتي من باب فرض كل فصيل هيمنته على الآخر، وفق المحلل السياسي الليبي.

ضرورة إنهاء الحالة الفصائلية

على مدار السنوات الماضية، تعقّد المشهد الليبي بشكل كبير، نتيجة تراكم الخلافات بين الأطراف السياسية وتدخلات الدول الأجنبية لتنفيذ أجنداتها وأطماعها، مثل تركيا وروسيا. ونتيجة لذلك، تصاعدت الأزمة الانتخابية بشكل كبير، لدرجة أن المضي قدما في المرحلة الانتقالية وتوحيد الصف والهيئات السياسية أصبح صعبا.

بالعودة إلى الباحث الليبي إدريس أحميد، فهو يرى أن التشكيلات العسكرية تُعد العائق الأكبر أمام الاستقرار في ليبيا، ولم يتم التعامل معها بحلها أو دمجها في القوات المسلحة. وهناك قرار دولي تحت الفصل السابع ضد المعرقلينَ للأمن والاستقرار، لكنه لم ينفّذ.

“نحن نعلم منذ البداية، أي في عام 2011، أن بعض الأحزاب والتشكيلات المسلحة رفضت تسليم أسلحتها. بل تزايدت هذه التشكيلات وأصبحت مسيطرة على العاصمة. وللأسف فإن الحكومات المحلية الليبية، حكومة الدبيبة، تحاول استمالة هذه التشكيلات واستخدامها لتنفيذ سياساتها وتواجدها، وهذا الأمر لن يساهم في حل الأزمة الليبية”.

الباحث الليبي إدريس أحميد لموقع “الحل نت”

لذلك لا يجوز استخدام هذه التشكيلات أو التعامل معها، وهذا أمر يستحق إجراءً أو حلّا سريعا من أجل استقرار البلاد، وهذه من أهم النقاط والمراحل في إنهاء المأزق الليبي اليوم، وفق ما يحلله الباحث الليبي، الذي أشار إلى أنه من أهم شروط الحكومة والمجلس الرئاسي حلّ التشكيلات المسلحة في المؤسسات العسكرية الرسمية، واللجنة العسكرية “5+5” والمكونة من ضباط في القوات المسلحة الحكومية، التي عملت ولا تزال تسعى في جهودها من خلال عقد اجتماعات بانتظام. ولهذه اللجنة قرارات مهمة في هذا الصدد، من حيث ضم هذه الفصائل للمؤسسة العسكرية الحكومية، لكن هذه التشكيلات المسلحة لا تريد الاندماج، ووجود المرتزقة من القوات الأجنبية يساعد على انتشار ودعم هذه الفصائل المسلحة المنفلتة.

المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا جوناثان وينر، رأى في مقال نشره موقع “ميدل إيست إنستيتيوت” يوم الإثنين الماضي، أن المواجهات المسلحة التي دارت في العاصمة طرابلس الأسبوع الماضي، مجرد قطعة دومينو أخرى سقطت في سلسلة من الأحداث المزعزعة للاستقرار التي بدأت في تموز/يوليو الماضي.

ضرورة تشكيل حكومة مؤقتة

قبل يومين، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي، أن كل الأطراف السياسية الرئيسية اتفقت على تعديل القوانين الانتخابية التي أقرتها لجنة “6+6” المشتركة، مشددا على أن وجود حكومة موحدة ومتفق عليها أصبح ضروريا لقيادة البلاد نحو الانتخابات.

الفصائل المسلحة في ليبيا لا تريد الانضمام إلى المؤسسة العسكرية الحكومية- “أ.ب”

كما وكشف باتيلي خلال إحاطة قدمها، يوم الثلاثاء الماضي، أمام “مجلس الأمن الدولي”، عن إمكانية عقد اجتماع مباشر بين القادة الليبيين، مشيرا إلى أنه يعمل مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي من أجل هذا الاجتماع، مؤكدا على أهمية اللقاء للتفاوض وحل الخلافات والاتفاق على المسائل الرئيسية للانتخابات، وتفادي الخطوات الأحادية، مشددا على ضرورة أن يكون المشهد الانتخابي القادم في ليبيا متساويا أمام جميع المرشحين

من جانبه، يرى أحميد أنه بعد عقد الاجتماع الثلاثي الهام الذي جرى بين قائدا القوات المسلحة خليفة حفتر، والمنفي ورئيس “مجلس النواب الليبي” عقيلة صالح، وتشديدهم على أن الحل يجب أن يكون ليبياً ليبياً، وأن تتم اللقاءات والحوارات داخل ليبيا ودون تدخلات خارجية، بل وطالبوا المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي بدعم هذه الرؤية، وأيضا التأسيس على مخرجات لجنة الانتخابات “6+6” من مجلسي “النواب والأعلى للدولة”.

كما أن ثمة أمر مهم أيضا، بعد اطلاع المبعوث الدولي، على أن هناك موافقة من “مجلس الأمن”، وهذا جاء على لسان باتيلي أنه يجب تشكيل حكومة مؤقتة للإشراف على التحضير للانتخابات، وهذا الأمر رفضه الدبيبة الذي قال إنه لن يسلّم السلطة إلا لحكومة منتخبة، وجاء هذا الرد بعد أنباء عن سعي مجلسي “النواب والأعلى للدولة” لتشكيل حكومة مؤقتة.، وفق أحميد.

لذلك يرى أحميد أنه ما لم يتم تدارك أخطاء الأحزاب السابقة في تشكيل أي حكومة جدية فإنها لن تنجح في مهمتها ولن تساهم في إجراء الانتخابات الليبية، أي أن تكون حكومة مصغرة يقتصر عملها على الإعداد للانتخابات فقط ولا شيء أكثر من ذلك.

كما أن الحديث عن تشكيل حكومة مؤقتة جديدة يقلل من فرص الدبيبة في احتكار السلطة وتحقيق ما يطمح إليه، وتشير الاشتباكات الأخيرة بين “الردع” و”اللواء 444″ المنضوية تحت حكومته إلى أن المجتمع الدولي بات يدرك أن الدبيبة ومن خلفه أصبح مصدرا لزعزعة استقرار البلاد وتدهور الأوضاع في البلاد، خاصة في ظل عدم قدرته على السيطرة الكاملة على هذه الفصائل العسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى إزاحته من المشهد السياسي، وتشكيل حكومة مؤقتة جديدة تقود إلى إجراء الانتخابات.

هذا وثمة تقارير غير مؤكدة تشير إلى أن الحكومات والمنظمات الدولية، بقيادة “الأمم المتحدة”، تستعد للاجتماع في باريس قريبا لإجراء مناقشات حول كيفية المضي قدما لحل الأزمة الليبية، بجانب التحدث عن بارقة أمل يمكن اعتباره نموذجا يحتذى بالنسبة للمؤسسات الليبية الأخرى، وهو إعلان إعادة توحيد “البنك المركزي الليبي”.

لكي تؤدي أي خريطة طريق فعليا إلى انتخابات، شدد الخبير الأميركي على ضرورة إقرار “الأمم المتحدة” والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية والقادة السياسيين الليبيين بعدم وجود بدائل قابلة للتطبيق. ومن هذا المنطلق استعرض أربعة خيارات أمام طرابلس، أولا، تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية ثالثة جديدة يختارها مجلسي “النواب والأعلى للدولة”، أو الإبقاء على الوضع الراهن حيث الانقسام الحكومي، أي في ظل سيطرة الدبيبة في الغرب وحفتر في الشرق.

أما السيناريو الثالث فيكمن في المزيد من الفوضى والعنف كلما انهارت الترتيبات القائمة، أو اللجوء إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في وقت قريب، رغم أن هذا الخيار هو السيناريو الأقل احتمالية. لكن بالنظر إلى مجمل التطورات السياسية والاشتباكات العسكرية التي تشهدها ليبيا، يتجلى ذلك في ضعف الوصول إلى مرحلة الاستحقاق الانتخابي في المستقبل المنظور، إضافة إلى احتمالية تعقيد وزيادة حجم الخلافات وتشرذم الأحزاب السياسية فيما بينها أكثر فأكثر، وبالتالي بقاء البلاد في هذه الحالة المتأزمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات