تثير التفاعلات الراهنة في الأزمة الليبية سواء من قِبل الأطراف الخارجية الوازنة في المشهد أو من خلال أصحاب المصالح في الداخل، عديد السيناريوهات المتعلقة بفرض الاستقرار وبسط مظاهره وآلياته خاصة مع تكرار مشاهد الانفلات الأمني والاحتراب بين الفصائل والتنظيمات المسلحة في غرب ليبيا، وتوظيف تيارات الإسلام السياسي لتلك البيئة المضّطربة لخلق مناخ يسمح لهم بديمومة النفوذ والحضور الميداني، من خلال كافة الصلات العضوية مع تلك التنظيمات المسلحة.

هذا فضلا عن ما يتلقّوه من دعم إقليمي، لوجستي وسياسي، الأمر الذي يجعل القدرة على تشكيل حكومة موحّدة تضطلع بإجراءات تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية خاصة على منصب الرئيس، وذلك بعد إقرار “مجلس النواب الليبي” مؤخرا القوانين الانتخابية مجرد حركة في فضاء الخيال.

نحو تشكيل حكومة ليبية؟

إلى ذلك أدرك رئيس “المجلس الأعلى للدولة” محمد تكالة، جدّية الضغوط التي تعرّض لها مؤخرا بضرورة التوافق مع “مجلس النواب” حول القوانين الانتخابية والتقى المستشار عقيلة صالح في القاهرة يوم الأربعاء، الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري بعدما أنهى زيارته لتركيا ومقابلته الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

المستشار عقيلة صالح في زيارة سابقة لمصر- “وكالات”

مصادر مطلعة أشارت إلى أن اللقاء جاء استجابة لحديث مباشر من المبعوث الأميركي الخاص بليبيا ريتشارد نورلاند، لتكالة، الذي أخبره أن لا بديل عن مسار التوافق سوى إطلاق يد “مجلس النواب” في تشكيل حكومة تتولى تنفيذ الاستحقاق الانتخابي.

أضافت المصادر الخاصة ذاتها في سياق حديثها لـ “الحل نت” أن اللقاء ناقش إعادة تفعيل “اللجنة المشتركة 6+6” وصياغة مقاربة حول القوانين الانتخابية تسمح للتوافق وتفعيل الشروط اللازمة والضرورية لتنحية بعض الشخصيات من العملية الانتخابية على منصب الرئيس، خاصة ما يتصل بسيف الإسلام القذافي. وأن المؤسسات الدولية ستتكفل بتوفير السياق الأممي والتشريعي لذلك على خلفية اتهامه بعدة جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال اندلاع أحداث السابع عشر من شباط/ فبراير العام 2011.

تابعت المصادر أن فرص التوافق فيما بين المستشار عقيلة صالح ومحمد تكالة، ليست يسيرة ولكنها غير مستحيلة، خاصة مع تحرّك عددٍ من القوى الفاعلة والوازنة، نحو أهمية بسط الاستقرار وتجاوز بواعث التوتر في ليبيا وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال وقت منظور من العام القادم.

الإسلام السياسي العقبة الأكبر

في سياق متّصل، يقف تيار الإسلام السياسي بتشكيلاته المختلفة وتوازناته المتباينة في غرب ليبيا وكذا تحالفاته مع التنظيمات المسلحة ضد كل فرص الاستقرار، إذ يتحرك نحو توظيف كل التناقضات والارتباكات التي تحيط بالمشهد الداخلي في البلاد نحو تقويض كل احتمالات الاستقرار وإرباك المجال العام لمصالحهم الذاتية ووكلائهم إقليميا ودوليا، وهو الأمر الذي يتبدى أكثر من مرة عندما تنفلت فيها الأوضاع الميدانية في جغرافيا الغرب الساخنة.

نحو ذلك يمكن فهم ما جرى في مدينة غريان جنوب غرب طرابلس خلال الأيام الأخيرة من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على ذات النحو من سعي تكتل التنظيمات المسلحة وتيارات الإسلام السياسي نحو توظيف كافة عوامل التوتر في البيئة المحلية، مما يؤدي غير مرة نحو توتر الأوضاع واستخدام الأسلحة بكافة تشكيلاتها وسط المدن وبين الأهالي، خصوصا وأن الحضور المؤسسي في العاصمة طرابلس تخضع لسيطرة حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها والمدعومة من عدة ميليشيات مسلحة على غرار “جهاز دعم الاستقرار” و”قوات الردع”، وهما من أقوى التنظيمات المسلحة في الغرب الليبي.

بالتالي، هذا الأمر يدفع رئيس الحكومة نحو التحرك بسرعة وبأقصى ما يمتلك من قوة وعنفوان حتى يدفع عن شخصه وحكومته شبهة عدم السيطرة على العاصمة وضواحيها ومدنها المتاخمة، وكذا يؤكد امتلاكه الآليات التي تحفظ الأمن وتبسط الهدوء على الأماكن الخاضعة له.

إلى ذاك عاشت مدينة غريان الاستراتيجية عدة أيام على وقع اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة وسط شوارعها وأحيائها بين قوة مسلحة يقودها القيادي العسكري، عادل دعاب، وكتائب أخرى في مدينة غريان قبل أن تُعلن الأولى حسم الأمر لصالحها باديء الأمر.

غير أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية بصفته وزيرا للدفاع في حكومته قرر تشكيل فرقة مسلحة برئاسة عبدالسلام زوبي، رفقة عددٍ من الألوية والكتائب بالتوجه نحو المدينة ودعم الطيران المسيّر التركي  لردع ذلك الهجوم وتأمين كافة مناطق الجنوب الغربي.

طرف الصراع المسلح الذي جرى في مدينة غريان من قبل التنظيمات المسلحة بغرب ليبيا، التي أمر بتشكيلها عبدالحميد الدبيبة كان في مواجهة عادل دعاب.

الباحث الليبي محمد عادل امطيريد لـ”الحل نت”

من الصعوبة بمكان فصل عمل وتوجهات تلك التشكيلات المسلحة مع أزمة المسار السياسي في ليبيا، إذ تتداخل الآليات وتتشابك المصالح فيما بينهما بشكل كبير وهو الأمر الذي يبدو واضحا مع تزامن اللقاءات والاجتماعات التي جرت لمعالجة أوضاع المدينة، حيث اجتمع المقدم عبدالسلام زوبي، المكلف من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بحماية المنطقة الغربية مع العقيد محمود حمزة والعقيد عبدالله الطرابلسي والملقب بـ”الحاج” غنيوة الككلي والقائد الميداني معاد المنفوخ، وعدد من قيادات المجموعات المسلحة لمتابعة الأوضاع الأمنية في مدينة غريان، ونشر الطمأنينة بين سكانها بينما عقد رئيس “المجلس الرئاسي” محمد المنفي، اجتماعا أمنيا موسعا لبحث الوضع الأمني بالمنطقة الغربية ومدينة غريان خاصة.

وحضر الاجتماع عضو المجلس عبدالله اللافي وعبدالحميد الدبيبة ورئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس جهاز الأمن الداخلي بحسب بيان “المجلس الرئاسي”. وأكد الاجتماع ضرورة التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية للحفاظ على أمن واستقرار وسلامة المواطنين.

في هذا السياق يشير الباحث الليبي محمد عادل امطيريد، إلى أن طرف الصراع المسلح الذي جرى في مدينة غريان من قبل التنظيمات المسلحة في غرب ليبيا، التي أمر بتشكيلها عبدالحميد الدبيبة كان في مواجهة عادل دعاب، الذي كان في العام 2019 أحد معارضي حكومة فايز السراج، وسعى خلال فترة هروبه من المدينة أن يتملق قيادة الجيش والمشير خليفة حفتر ويتقرب منهم، غير أنه دخل المدينة بناء على توافقات مع عدد من قيادات المدينة وأعضاء لجنة المصالحة.

يستطرد امطيريد بقوله لموقع “الحل نت”، إن دعاب بعد دخوله المدينة بثّ بعض الفيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي عبّر من خلالها نحو دعمه وتأييده للسيد محمد المنفي لرئيس المجلس الرئاسي وكذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.

ويتابع الباحث الليبي تصريحاته، بربط لحظة إعلان دخول عادل دعاب المدينة باندلاع المواجهات المسلحة داخل المدينة، الأمر الذي دفعه للاحتماء ببعض أقاربه في المدينة وكذا الكتيبة /111/ خاصة مع بدء موجات القصف بالطيران التركي المسيّر عبر “قاعدة الوطية”.

صراع النفوذ

امطيريد يقول إن سياق دخول دعاب المدينة بعد هذه السنوات التي أمضاها متنقلا بين أماكن عديدة في داخل ليبيا وخارجها جاء من خلال مساعدة رئيس الأركان السابق بقوات الجيش التابعة لغرب ليبيا وحكومة الوحدة الوطنية، أسامة جويلي، الذي يصطف حاليا ضد عبدالحميد الدبيبة.

بالتالي نستطيع القول إن جويلي هو مَن مهّد الطريق ويسرّ له الدخول للمدينة عبر بوابة قرية المزدة، لتأليب الأوضاع ضد الدبيبة وتثوير الرأي العام ضده وإبراز حالة عدم الاستقرار في غرب البلاد، وذلك على خلفية الصِدام المسلح بين الميليشيات، مما يشي بعدم قدرته على ضبط الأمور الأمنية في العاصمة وضواحيها، طبقا لحديث الباحث السياسي امطيريد لموقع “الحل نت”.

إلى ذلك يفسر امطيريد شراسة الهجمات التي ضربت بها المدينة واستخدام كافة أنواع الأسلحة الثقيلة بالإضافة للطيران المسيّر التركي على خلفية عدة اعتبارات من ضمنها طبيعة المدينة من الناحية الاستراتيجية، فهي تبعد 100 كيلو متر جنوب غرب طرابلس، وكانت سابقا مقرّ غرفة العمليات الرئيسية للقيادة العامة.

الميليشيات المسلحة في ليبيا- “رويترز”

فضلا عن كون المدينة تقع داخل بؤرة اهتمام الحكومة و”المجلس الرئاسي” وكافة الميليشيات المسلحة التابعة لهم، والتي تأتمر أيضا بقرارات وتوجهات “دار الإفتاء” والمفتي المعزول الصادق الغرياني، وهو ما يكشف شراسة الاقتتال الدائر رغم عدم وجود أي دلائل على نيّة عادل دعاب للصراع المسلح في المدينة، وفقا لمطيريد.

وخلُص الباحث الليبي محمد عادل امطيريد حديثه بالقول، إن دعاب خرج أيضا من المدينة مصابا إثر الاشتباكات والضربات العنيفة التي تلقاها بمساعدة رئيس الأركان السابق أسامة جويلي، إلى قرية مزدة وذلك للعلاج والاستشفاء في مستشفى المزدة للعلاج.

ما هدف تركيا الممثلة بالتيار الإسلاموي؟

ثمة هدف دقيق ينبغي أن يقع من خلاله تتبع ما جرى من مناوشات عسكرية مسلحة داخل مدينة غريان خلال نهاية الشهر الماضي حيث مجابهة إحداث أي تغيير في مراكز النفوذ داخل المدينة مما يفسر سرعة الرّد وعنفه من قِبل حكومة طرابلس واستجابة التنظيمات المسلحة لذات المقاربة التي تحقق لهم ديمومة النفوذ وتدفّق المصالح.

على خلفية ذلك كان “جهاز دعم الاستقرار” الذي  يترأسه عبدالغني كيكلي في طرابلس، والذي يُعتبر أحد القادة البارزين لقادة الميليشيات في العاصمة طرابلس وحاليا في حالة وفاق وانسجام تام مع سلطة عبدالحميد الدبيبة، هم من تم تكليفهم لردّ الهجوم واستعادة السيطرة والنفوذ على المدينة.

قامت المسيّرات التركية بقصف قوات عادل دعاب في مدينة غريان وأسفر عن إصابة أحد أبرز مرافقيه، فضلا عن سقوط قتلى وجرحى.

مصادر خاصة لـ”الحل نت”

في الجهة المقابلة كانت القوة التي دخلت مدينة غريان، يترأسها عادل دعاب، والذي  كان يتزعم ميليشيا داخل المدينة ويسيطر عليها بالكامل، فضلا عن أن هذه المدينة تعتبر جغرافيا استراتيجية، نظرا لأنها تقع في منتصف الجبل الغربي.

خلال عام 2014 عندما حدث انقلاب “فجر ليبيا” ضد الانتخابات البرلمانية، وقف الأخير مع الانقلاب وكان أحد أبرز قادة الميليشيات الموالين لتيار المفتي وتيار الانقلاب و”الإخوان المسلمين”. وأصبح على هذا الموقف حتى أتت “حرب أربعة أربعة” عندما تقدم الجيش إلى طرابلس واستعاد المدينة حينها، مهّد عادل دعاب دخول الجيش، نظرا لحالة النفور الذي تعرّض له أو عدم الاهتمام والتقدير، وبالتالي وجد إمكانية صياغة التحالف مع الجيش لكي يعيد مظاهر قوته داخل المدينة  بحيث أن يتجنب مسألة الصِدام أو  يعرّض نفسه إلى المحاسبة والسجن.

في هذا الصدد، نوّهت مصادر خاصة تحدثت إلى “الحل نت” إلى أن دعاب كان يقيم داخل مدينة بنغازي بعد إصابته أثناء انسحاب الجيش من مدينة غريان، إذ جاءت إصابته في ساقه وتم علاجه في مستشفى الهرم داخل مدينة بنغازي وبعد ذلك تعافى وأصبح يتنقل ما بين بنغازي وتونس ومالطا.

من اشتباكات غريان بليبيا- “مقطع متداول”

تتابع المصادر الخاصة حديثها قائلة، إن دعاب كان يعِد في العِدة منذ مدة طويلة تصل إلى ما يقارب من ستة أشهر، وكان يتردد على “قاعدة الجفرة” ويقوم بإعداد قوات لكي يعود إلى مدينة غريان ويسيطر عليها ويعود مرة جديدة للعبة التحالفات والتوازنات في غرب ليبيا وخط الاتصالات بين الغرب والشرق.

تمضي المصادر في اعتقادها بأن الجيش الليبي لم يكن لديه أي اعتراض أو احتراز من تلك الخطوة، وأن دعاب أتى للقوات المسلحة وأبلغهم بأنه “أجرى مصالحة مع سكان المدينة ومع القيادات الاجتماعية في المدينة وأنه يريد العودة إلى مدينة غريان ولكن تحت مظلة سلطة رئيس الحكومة في العاصمة طرابلس”، وفقا للمصادر.

تاليا؛ سارت الأمور وفتحت له الطرق وحسب التنسيقات التي قام بها مع رئيس الأركان السابق، أسامة الجويلي ورئيس المجلس العسكري لثوار الزنتان حاليا، ذلك لأن المناطق المحاذية للشويرف والتي هي من الجفرة إلى غريان المحاذية تسيطر عليه قوات موالية لـ أسامة الجويلي الذي يجابه سلطات عبدالحميد الدبيبة.

هدف انخراط تركيا فيما حدث داخل غريان، واضح ومحدد وهو نحو ما تراه يحقق دعم ومساندة لسلطة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، وبالتالي ترفض تواجد أي قوى غير مرغوب فيها تحلحل مراكز النفوذ داخل المدينة وبالتالي مواقع السلطة في الغرب عموما.

مصدر خاص لـ”الحل نت”

وهنا كشفت المصادر الخاصة لـ”الحل نت”، أن دعاب ورفاقه وصلوا إلى المدينة وقاموا بالسيطرة عليها بشكل تام وانسحبت القوات التي كانت موجودة بالمدينة حينذاك، وهي قوة غير مسنودة وضعيفة الإمكانيات ولكن لم يتم استيعاب فكرة عودته بهذه الطريقة، مما دفع عبدالحميد الدبيبة إلى أن يتخذ قرارا بتعزيز موقف قوة “دعم الاستقرار” وكونها أكثر ثقة وتدخلت تلك الميليشيات وطائرات مسيّرة من خلال أوامر “القاعدة التركية”، وبالتالي قامت المسيّرات التركية بقصف قوات دعاب وإصابة أحد أبرز مرافقيه، فضلا عن سقوط قتلى وجرحى وهذا ما أكدته بيانات محلية أيضا.

المصادر كشفت في حديثها عن هدف انخراط تركيا فيما حدث داخل مدينة غريان، وهو هدف واضح ومحدد نحو ما تراه يحقق دعم ومساندة لسلطة حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، وبالتالي ترفض تواجد أي قوى غير مرغوب فيها تحلحل مراكز النفوذ داخل المدينة وبالتالي مواقع السلطة في الغرب عموما.

تؤكد المصادر في ختام حديثها وتصريحاتها إلى “الحل نت”، أن تيار “دار الإفتاء” وممثله الصادق الغرياني في العاصمة طرابلس، وهو يصطف مع سلطة الدبيبة وتوجهات أنقرة، كان داعما لكل القرارات التي تمت بشأن أحداث غريان وبالتالي كل التحركات التي جرت في هذا السياق  كانت نحو ذلك ومن أجل تعزيز سلطة حكومة الوحدة الوطنية والتشكيلات التابعة لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات