الأسبوع الثالث من الصراع العسكري المستمر في السودان بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” شبه العسكرية المدعومة من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، إذ لا تزال المعارك مستمرة في العاصمة السودانية الخرطوم والعديد من المناطق الأخرى، الأمر الذي ينذر بدخول السودان في نفق مظلم.

العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، بدأت جهود حثيثة سعيا منها لفرض هدنة على الأراضي السودانية ودعوة الأطراف المتصارعة إلى طاولة الحوار، في ظل تصاعد أعداد الضحايا واتساع دائرة الحرب في البلاد، ما يطرح التساؤلات حول قدرة هذه الأطراف على الوصول إلى صيغة تفاهم من أجل التهدئة.

الصراع الذي تشهده السودان وتصاعدت حدته خلال الأسابيع الأخيرة، ما هو إلا انعكاس للخلافات والصراعات التاريخية التي شهدتها البلاد، من مرحلة انقلابات عسكرية وثورات شعبية، فشلت جميعها في الوصول إلى حكم مدني يرضي السودانيين، في حين أن السودان تشهد منذ نحو أربع سنوات صراع عسكري.

هدنة بتدخل دولي

بالعودة إلى جهود التهدئة في السودان، فقد بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الياباني يوشيماسا هاياشي، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري في السودان وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين، وتهدئة التوترات المتصاعدة في عدد من المواقع الحيوية داخل السودان.

قبل السعودية واليابان، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن وساطة لوقف إطلاق النار وتسهيل الجهود الإنسانية في السودان وذلك عبر هدنة لمدة 72 ساعة، وقد أعلن الجيش السوداني موافقته على الهدنة المؤقتة بدءا من ليلة الثلاثاء، كما أكدت “قوات الدعم السريع” كذلك موافقتها على الهدنة.

الهدنة السارية الآن جاءت عبر وساطة أميركية، حيث أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أن وقف إطلاق النار وموافقة الأطراف السودانية جاءت عقب مفاوضات مكثفة، حيث تعمل واشنطن مع شركاء لتشكيل لجنة للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار في السودان، لكن يبقى التساؤل عن مصير الصراع السوداني بعد انتهاء مدة الهدنة.

 أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بمركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور محمد اليمني، رأى أن نجاح التهدئة في السودان مرتبط بمدى استعداد الطرفين المتصارعين للجلوس على طاولة حوار واحدة، مشيرا إلى أن الطرفين لهما علاقات إقليمية ودولية جيدة، ما يعني أن الأطراف الدولية قادرة على الضغط عليهما من أجل التوصل إلى آلية لحل الخلافات وإنهاء الصراع في أقرب فرصة.

شروط استمرار الهدنة

اليمني قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “هناك عدد من الأمور التي يمكن للسودانيين فعلها من أجل تحقيق شروط الهدنة والاستقرار والوصول إلى نقطة سلمية، أولها الدخول في الحوار والتفاوض، حيث يجب أن يكون الجانبان مستعدين للحديث مع بعضهما للوصول إلى تهدئة حقيقية وتسوية، والنقطة الثانية العمل على بناء الثقة بين الجانبين وبشكل رئيسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حتى يشعر الطرفان بالأمان خلال عمليات التفاوض”.

كذلك فإن استمرار الهدنة في السودان يحتاج إلى بيئة مواتية للسلام تشمل معالجة الأسباب الجذرية للصراع، مثل الفقر وعدم المساواة وانعدام الفرص كما تتضمن توفير الأمن والاستقرار حتى يشعر الطرفان المتصارعان بالأمن أثناء عمليات التفاوض.

اليمني أضاف على ما سبق كشروط للتهدئة، “السعي للحصول على دعم دولي، حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورا في دعم جهود السلام في السودان، وهذا يشمل تقديم المساعدة المالية والخبرة الفنية والضغط الدبلوماسي، لأن التوصل إلى اتفاق سلمي لن يكون سهلا لكنه ممكن”.

بالعودة إلى الوساطة الأميركية والسعودية، فإن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح بورهان، وقائد “قوات الدعم السريع” حميدتي، يملكان علاقات جيدة مع واشنطن والرياض، وهنا رأى اليمني أن “ذلك يعني أن أميركا والسعودية  قادرتان على الضغط على الأطراف المتنازعة في السودان لوقف إطلاق النار، فكما نعلم أن الطرفين يريدان الوصول إلى حل”.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

حول ذلك أضاف اليمني، “أنا أرى بأن كل طرف سواء كان حميدتي أو حتى البرهان تربطه علاقات خارجية وعلاقات إقليمية ودولية في هذا التوقيت، وهذه العلاقات أو هذه الدول قادرة على وقف إطلاق النار أو حتى التسوية أو التقاء بعض الآراء والجلوس على الطاولة، ولكن كما يوجد متضررون من هذه الحرب توجد دول أخرى منتفعة، وهذه جزئية مهمة”.

سيناريوهات متوقعة

حول السيناريوهات المتوقعة، فإن المخاوف تتمحور في فشل التوصل إلى هدنة دائمة في السودان، ودخول البلاد في صراع عسكري دائم، خاصة وأنه يوجد توازن في القوى العسكرية إلى حدّ ما بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، أو تبدأ عمليات الاغتيال بين الطرفين المتصارعين.

عن ذلك توقّع اليمني أحد السيناريوهات المحتملة بعد فشل الهدنة، وهي دخول بعض الحركات المسلحة على خط الصراع، وهي حركات يمكن أن تتمكن من السيطرة على العديد من المناطق السودانية، ليتم حكمها بشكل مستقل، “ما يعني دخول البلاد في احتمالية اندلاع حرب أهلية”.

أما أقرب السيناريوهات وأفضلها للسودانيين، فهي نجاح الجهود العربية والدولية بالسيطرة على الموقف الراهن، وفرض هدنة دائمة، تمهيدا لعملية حوار بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى أفضل صيغة لحل الخلافات العالقة بشكل سلمي بعيدا عن السلاح.

المعارك التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم وفي مناطق أخرى من البلاد، منذ نحو 15 يوما، هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

على الرغم من اصطفاهما بخندق واحد أمام نظام البشير، إلا أن الخلافات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” التي تشكلت عام 2013، وانبثقت عن ميليشيا “الجنجويد” التي اعتمد عليها البشير، في قمع التمرد في إقليم دارفور، بدأت تتصاعد تدريجيا منذ العام الماضي.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه حميدتي؛ هي الخلاف حول خطة ضم قوات “الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

على إثر ذلك تصاعدت حدة الخلاف حتى وصلت العلاقة بين جناحي المكون العسكري في السودان المتمثلين بالجيش، و”الدعم السريع” إلى مستوى غير مسبوق من التوتر وهو الذي تجلى في المعارك الدائرة الآن بين الطرفين، وبدأت القصة من تحذير الجيش من انتشار قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية في الخرطوم ومدن رئيسية.

في تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” الصيف الماضي عن “حميدتي”، كمستفيد رئيسي من الدعم الروسي. كشفت كيفية استغلال روسيا، من خلال علاقتها مع دقلو والجنرال عبد الفتاح البرهان الحاكم العسكري للبلاد موارد السودان الذهبية في دعم التمويل الروسي ضد العقوبات الغربية ولتمويل حربها في أوكرانيا. كما تلقت قوات دقلو تدريبات عسكرية روسية أيضا.

مجموعة من الوثائق التي راجعتها “سي إن إن”، إلى جانب مقابلات متعددة مع مسؤولين سودانيين وأميركيين رفيعي المستوى، رسمت صورة لمخطط روسي مفصّل لنهب ثروات السودان، كما أظهر التحقيق أيضا كيف تواطأ دقلو والبرهان مع موسكو في العملية، مما حرم السودان أحد أفقر دول العالم على الرغم من كونه أحد أكبر منتجي الذهب في العالم من المورد الثمين. وفق ما نقله موقع “أخبار الآن”.

أنشطة التعدين التي تقوم بها مرتزقة “فاغنر” في السودان ساعدت في تكوين احتياطيات من الذهب في “البنك المركزي” الروسي، والتي كانت ضرورية لموسكو في أعقاب غزوها لأوكرانيا، حيث أفادت شبكة “سي إن إن” أن ما لا يقل عن 16 رحلة روسية هرّبت الذهب من السودان إلى روسيا على مدى عام واحد.

يبدو أن السودانيين الآن يترقبون بحذر نتائج الجهود الإقليمية والدولية، من أجل نجاح هذه الأطراف بإقناع الجهات المتصارعة في السودان الاستمرار بالهدنة ووقف إطلاق النار، لأن انتهاء مدة الـ72 ساعة وعودة الاشتباكات، قد تعني مستقبل مجهول للسودانيين، الذين يرزحون منذ عشرات السنين تحت حكم عسكري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات