على الرغم من أن تونس كانت من أوائل الدول العربية التي شهدت احتجاجات أطاحت بنظام الحكم السابق بقيادة زين العابدين بن علي، وكانت تتمتع بقدر عالي من أجواء الديمقراطية خلال السنوات التي تلت حكم بن علي، إلا أن البلاد تشهد منذ أشهر حالة من التوترات والصراعات السياسية التي دخلت منذ بداية العام الجاري منعرجا قد تفضي بالبلاد إلى مستقبل مجهول.

منذ تصاعد وتيرة الخلاف السياسي بين المعارضة والسلطة أواخر العام الماضي، اتخذت السلطة بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيّد الطريق الأمني لحل الخلافات، فبدأت باعتقال أبرز الشخصيات المعارضة، إضافة إلى التضييق على الأحزاب السياسية، ما يطرح التساؤلات حول قدرة السلطة على حسم الصراع بهذه الطريقة ومصير البلاد خلال الفترة القادمة.

ومع مرور الأسابيع تواصل السلطة التصعيد ضد أحزاب المعارضة، حتى وصفت “جبهة الخلاص الوطني” التابعة للمعارضة الحال التي وصلت إليه تونس بـ”انهيار الديمقراطية”، تزامنا مع استمرار التوقيفات والمداهمات ضد شخصيات بارزة في المعارضة السياسية، الأمر الذي ينذر بتفجر الأوضاع في البلاد.

اعتقالات ومداهمات

جبهة “الخلاص الوطني”، علّقت على حملة الاعتقالات والتوقيفات في منزل رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي ومقرّ حزبه، وأمس الثلاثاء في مقر “حراك تونس الإرادة” الذي تتخذه الجبهة مقرا لأنشطتها، معتبرة أنها إجراءات تعسفية تمثل “دليلا قاطعاً آخر على انهيار حالة الحريات في البلاد جراء الانقلاب على المؤسسات والانفراد بالحكم المطلق”.

السلطات التونسية، عمدت كذلك إلى غلق الشارع المؤدي إلى مقر “حراك تونس الإرادة” ومنع الندوة الصحافية التي كانت جبهة الخلاص تنوي عقدها به. وتزامن هذا المنع مع إغلاق مقرات حركة النهضة بكامل تراب الجمهورية ومنع اجتماعات الجبهة بمنطقة تونس الكبرى، وبحسب تقارير صحفية فإن السلطات اقتادت الغنوشي إلى مقر الفرقة الخامسة لمقاومة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصال.

سياسة السلطات التونسية، سمحت مؤخرا للمعارضة بالحديث عن اضطهادها عالميا، ذلك ما قد يجعل السلطة في مواجهة مع الدول الخارجية، ويسمح للأحزاب السياسية بصرف النظر عن توجهاتها، إلى تصدير مظلوميتها للخارج، حيث فشلت السلطة في إيجاد طريقة حوار مع المعارضة، رغم أنها ترى أن احتجاجات المعارضة “غير منطقية ولا تساعد الدولة على الإصلاح”.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

الباحث في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن إجراءات السلطة قد تؤدي بالبلاد إلى مزيد من التصعيد، وذلك رغم أحقية السلطة في بعض الأمور، لكن الأسلوب الذي تتعامل به، سيجعل من المعارضة الضحية وبالتالي مزيدا من التصعيد بمخلف الاحتمالات، مستبعدا نجاح الرئيس قيس سعيّد بإسكات المعارضة عبر الحل الأمني والعسكري.

فشل السلطة في تونس؟

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تونس تعيش الآن حالة من الصراع السياسي، ومنذ بداية العام تستمر الدولة بما تسميها الحرب الوطنية، للتخلص من أبواق تعيق عمل الدولة، الإجراءات التعسفية واعتقال راشد الغنوشي وتوقيف اجتماعات جبهة الخلاص الوطني وحزب النهضة، يبدو أنها الورقة الأخيرة بيد الحكومة التي ما زالت ترى أن المعارضة تنتهج نهج غير شريف وأن حركة الإخوان وما يمثلها من أحزاب دينية لم تستقيم مع جهود الإصلاح من وجهة نظر الحكومة”

السلطة التونسية، ترى من جانبها أنها تستهدف الأشخاص والأحزاب التي تعيق عمل الدولة، وتبرر لنفسها الإجراءات التعسفية وحملات الاعتقالات وإسكات المعارضة، أن ذلك لمصلحة تونس ومواطنيها ولمصلحة جهود الإصلاح، التي لم يرَ منها التونسيون شيئا منذ أشهر، بل على العكس فإن سياسات الرئيس التونسي وحكومته ساهمت بزيادة معاناة المواطنين على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

زهدي رأى أن السلطة التونسية لا تستطيع إنهاء حركات الاحتجاج السياسي بالإجراءات التعسفية والاعتقالات، وأضاف” لا أفترض أنه الرئيس سينجح، لأن الأمور بحاجة لمواجهة فكرية وحلول جذرية وتوافقات نهائية في الخلافات، لأنه إذا أوقفت حزب ما، سيخرج حزب آخر، وإذا اعتقلت أحد سيخرج آخر. الاحتجاجات المستمر ستجعل أطراف خارجية تتخذ مراكز لها في تونس، حيث ستجد أحزاب المعارضة سببا للحصول على الدعم الخارجي بسبب اضطهاد السلطة، وهذا ليس بمصلحة الحكومة ولا من مصلحة تونس”.

عملية الاستهداف من وجهة نظر الحكومة منطقية لأنها لا تفترض أن هذه الأحزاب سوف تستقيم مع جهود الإصلاح الدائرة الآن التي لم تؤتي ثمارها لأن تونس تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية، وبعد أن كانت تونس أحد أهم معاقل الديمقراطية في منطقة شمال إفريقيا، تعاني من حروب داخلية بين المعارضة والسلطة.

خيارات المعارضة

المعارضة التونسية يمكن لها من وجهة نظر زهدي، مواجهة حملات الاعتقالات التي تنفذها السلطة عبر طريقتين، الأولى هي طريق السياسية وإثارة الأمر بشكل عالمي، وهو ما سيؤثر على تونس في تعاملاتها مع العالم الخارجي، إذ إن المعارضة في أي دولة غالبا ما تنجح بلفت الانتباه في حال تعرّضها للاضطهاد أو قمع السلطة.

حول الطريقة الثانية أردف زهدي قائلا، “الطريق الثانية هي طريقة غير شريفة، عبر تطور الأمر إلى صراعات وانفجارات وعمليات إرهابية إما بشكل منظم من قبل بعض الجماعات أو بشكل فردي انتقامي، في النهاية السيطرة الأمنية لم تكن مئة بالمئة، فالأوضاع في تونس صعبة سياسيا وحجم الانشقاقات كبير، ما يجعل العملية الديمقراطية مهددة”.

الحراك السياسي في تونس منذ أشهر، يتركز بشكل أساسي على رفض سياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية، كما يتناول قضية الحريات والمعتقلين السياسيين، وما يعتبرونه المعارضة “عبث الرئيس بالدولة ومؤسساتها وهياكلها في مختلف المجالات”.

الاحتجاج الشعبي ضد السلطة التونسية لا يقتصر فقط على الجانب السياسي، فهناك حالة من عدم الرضا على طريقة إدارة البلاد من الناحية الاقتصادية، وقد تصاعدت حدتها منذ إعلان سعيّد عن الموازنة التونسية مطلع العام الماضي، ومحاولة سد العجز عبر فرض المزيد من الضرائب، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الأوساط التونسية.

منذ أن اتجه الرئيس للتعديلات في الدستور ومنح نفسه صلاحيات غير محدودة وسحب الصلاحيات من البرلمان، “كان واضحا أنه يريد حكم البلاد بالطريقة الأمنية بعيدا عن الديمقراطية، فأصبح الرئيس وحده يختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وهذا يرسّخ الحكم باتجاه واحد بعيدا عن الديمقراطية والتعددية، حيث أن التونسيين فقدوا الثقة بالسلطة” بحسب معارضين تونسيين.

مع ازدياد وتيرة الأزمة السياسية، بدأت تونس تفقد هامش الديمقراطية التي كانت تتمتع به منذ سنوات، وهو ما يميزها عن جيرانها شمالي إفريقيا، إذ إن هناك هامش من حرية التعبير كانت تتحرك به أحزاب المعارضة، إلا أن التعديلات الدستورية تهدد ما تبقى من الديمقراطية في البلاد.

الأوضاع في تونس لا توحي بأي تهدئة محتملة خلال الفترة القادمة، في ظل مخاوف عن تأثّر الوضع الأمني بالتوتر السياسي، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ذلك ما يمكن أن يجعل المواطن لا يشعر بأي تحرك من قبل الحكومة حتى ولو كان تحرك إيجابي، وبالتالي يفقد المواطن الثقة بالحكومة وأدواتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات