رغم الرفض الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تصر العديد من الدول العربية على المُضي قُدما في إعادة علاقاتها مع الحكومة السورية، حتى وصل الأمر إلى مناقشة عودة مقعد سوريا إلى “جامعة الدول العربية”، إذ تحاول هذه الدول الدخول من بوابة مساعي دعم الحل السياسي في البلاد.

تنفيذ القرارات الأممية ومحاولة تحجيم النفوذ الإيراني، هي ما تسعى إليه الدول العربية من خلال إعادة علاقاتها مع دمشق، إذ يبدو أن العرب وصلوا إلى قناعة لأن إقصاء الحكومة السورية من الجامعة العربية، فشل في تحقيق أي تغيير في سوريا من جانب السلطة الحاكمة، لذلك فهناك اعتقاد أن التقارب من دمشق، يمكن أن يجبرها على تقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بتطبيق القرارات الأممية، والنفوذ الإيراني.

لكن المساعي العربية تواجه بالدرجة الأولى عقبة أساسية، وهي مدى استعداد دمشق تقديم تنازلات فيما يتعلق بالحل السياسي وتطبيق القرارات الأممية، خاصة وأن الأخيرة كانت السبب الأبرز في عرقلة كل الجهود الدولية سابقا، فضلا عن مدى قدرتها في التأثير في حجم نفوذ طهران على الأراضي السورية.

جهود عربية للحل السياسي؟

قبل أيام دعا مجلس التعاون الخليجي لاجتماع من أجل تبادل وجهات النظر حول عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية”، وقد جرى الاجتماع في المملكة العربية السعودية، وشدد وزراء دول الخليج والأردن ومصر والعراق على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، مؤكدين أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.

حتى الآن لم يتحدث المسؤولون العرب بوضوح عن آلية عربية، من شأنها ضمان موافقة دمشق على المُضي قُدما في العملية السياسية، وهي التي بقيت لسنوات طويلة بعيدة عن المشهد السياسي في سوريا، ذلك في وقت عرقلت الحكومة السورية جميع الجهود الدولية، بما فيها “اللجنة الدستورية” السورية للتقدم في العملية السياسية من أجل الحل.

الاجتماع الذي جرى الجمعة في مدينة جدة السعودية، لم يقدم أي جديد في سبيل تنفيذ القرارات الأممية في سوريا، فقد أكد على أهمية حلّ الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ مزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع بكامل الأراضي السورية.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، استبعد حتى الآن أن يكون هنالك مبادرة عربية متكاملة لدعم الحل السياسي في سوريا، إنما هناك محاولات تطبيع وإعادة دمشق للدائرة العربية وهي جهود فشلت سابقا، مشيرا إلى أن دمشق تسعى كذلك للتقارب مع العرب لأنها بحاجة إلى هذا التقارب لكسر العزلة.

أدوات عربية مفقودة

كوش قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا أعتقد أن هناك مبادرة عربية متكاملة لحل سياسي في سوريا، الحقيقة هناك جهود لتطبيع العلاقات أو محاولات ومساعي للتطبيع بين معظم الأنظمة العربية والنظام السوري، وكانت هناك محاولات فاشلة لإعادته للدائرة العربية التي قادتها السعودية وقبلها الإمارات والأردن، وطبعا لبنان والجزائر والعراق”.

الدول العربية غابت لسنوات عن المشهد السياسي في سوريا، فقد انقطعت الجهود العربية منذ العام 2012، وعادت قبل نحو 4 سنوات من بوابة إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، وكانت الأردن والإمارات من أوائل الدول التي طرحت مبادرات من أجل التقارب مع دمشق، طبعا الأردن مدفوعة بتحجيم النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية ومنع تهريب المخدرات، لكن دمشق لم تستطع تقديم أي شيء بهذا الصدد.

كوش رأى أن الدول العربي لا تملك الأدوات لدعم الحل السياسي في سوريا، أو إجبار السلطة على تقديم تنازلات بهذا الشأن وأضاف، الحل السياسي الذي يرونه هو حل إنقاذ الأسد وليس الشعب السوري، وبالتالي لا يملكون أي أدوات ضغط على النظام بل بالعكس النظام هو من سيستفيد من التطبيع ويركز على العلاقات الثنائية بينه وبين كل نظام عربي علها تأتي ببعض المنافع الاقتصادية”.

فالحكومة السورية، تحتاج بشدة حاليا إلى الدور العربي، من أجل إخراجها من العزلة الدولية، وإعادة تأهيلها، ورغم العديد من التصريحات العربية بشأن دعم الحل السياسي للأزمة السورية عبر التقارب مع دمشق، إلا أن هذا الحديث لم يستند حتى الآن إلى القرارات الشرعية والدولية، التي رفضت دمشق تطبيق بنودها خلال السنوات الماضية.

كوش أوضح أنه “إذا كان العرب يريدون حلّا سياسيا عليهم على الأقل أن يضغطوا على النظام من أجل العودة إلى تطبيق القرارات الدولية وخاصة 2254، لكن المحاولات ليست متكاملة، ومواقف الدول العربية متناقضة ومتباينة، فالموقف القطري ما زال يصر على أن هذا النظام لا يمكن تأهيله لأنه لم يقم بأي خطوة تجاه تخفيف معاناة السوريين، الكويت أيضا اشترطت خطوات لبناء ثقة متل إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن المفقودين وتسهيل إعادة اللاجئين واستئناف أعمال اللجنة الدستورية، لكن النظام لا يقيم أي وزن لأي مسعى سياسي”.

دمشق لا تملك ما تقدمه؟

على الجانب المقابل لا يبدو أن القيادة السورية، لديها الإمكانيات لتقديم ما يتطلع إليه العرب، فقد فشلت جميع الجهود الدولية سابقا، بإقناعها بتقديم أي تنازلات فيما يتعلق بالحل السياسي، وقد أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا مؤخرا بشكل مباشر فشل جهود “اللجنة الدستورية” السورية، التي تم إنشاؤها للمضي قدما في العملية السياسية في سوريا.

أما فيما يتعلق بالجانب الإيراني، فقد فشل العرب نفسهم قبل سنوات في الحصول على أية وعود من دمشق تتعلق بوقف تمدّد النفوذ الإيراني مقابل تحقيق التقارب، هذا فضلا عن أن قرارا من هذا النوع لا يمكن له أن يُصدر من دمشق بإرادة قياداتها.

العرب يعرفون جيدا مدى تغلغل النفوذ الإيراني في سوريا، وبالتالي فإن دمشق لا تملك السيادة بما يكفي لفرض شكل تحركات الميليشيات الإيرانية وأماكن تمركزها على أراضيها، كذلك فإن دمشق اختبرت مرات عدة فيما يتعلق بمحادثات الحل السياسي في سوريا، بالتالي فإن كل ما يجري الحديث عنه حول أن الهدف من التقارب مع دمشق هو دعم الحل السياسي، يمكن اعتباره مضيعة للوقت.

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات التطبيع لا يمكن القول إنها تمت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

هناك تردد واضح من قبل العديد من الدول العربية من الانخراط في عملية التطبيع، فالمتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، أكد قبل أيام أن الموقف القطري لم يتغير إزاء عودة سوريا إلى الجامعة، حيث أن “أي تغيير في الوضع القائم من سوريا مرتبط بالإجماع العربي وتغير ميداني يحقق تطلعات الشعب السوري”.

هذه الجهود تأتي تزامنا مع استمرار الرفض الأميركي لعمليات تطبيع الدول العربية مع دمشق، وقد كانت هناك ردة فعل أميركية حازمة، عندما بدأت الدول العربية ترسل مسؤوليها إلى دمشق في أعقاب كارثة الزلزال، وصلت إلى حدّ التهديد بعقوبات وفق قانون “قيصر”.

يبدو واضحا أن الجهود العربية ستستمر من قبل العديد من الدول العربية للتقارب مع دمشق، وهناك احتمال أن تكون هذه الدول قد وضعت “الحل السياسي” مبررا من أجل فتح الطريق إلى دمشق، لكن مع مرور الوقت وظهور فشل هذه المساعي، ستكون الدول العربية على موعد من الاصطدام مع الموقف الغربي الرافض لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تحقيق ما سبق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات