رغم الاتفاق على عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، لم يكن بالإمكان اعتبار هذا الاتفاق بمثابة امتصاص لمشاريع إيران التوسعية في المنطقة، وعلى رأسها المشروع النووي، حيث ما زالت دول المنطقة ومن بينها الدول الخليجية تعمل على مواجهة المشروع النووي الإيراني، خاصة مع استمرار إيران في محاولاتها لتخصيب اليورانيوم وصولا إلى نسب تسمح لها بإنتاج القنبلة النووية.

الاتفاق السعودي وغيرها من الجهود، ما زالت في اتجاه فتح قنوات دبلوماسية لحل الخلافات والصراعات مع إيران في الشرق الأوسط، رغم أن إيران حاولت على مدى السنوات الماضية، استغلال جميع الاتفاقات النووية لصالح مشاريعها، دون التخلي عن البرنامج النووي، بل إن كل ما قدمته في هذا الإطار هو المزيد من المماطلة والتأجيل فقط.

فتوقف المفاوضات في الربع الأخير من العام الماضي، جاء بعد تعمّد إيران عرقلة المفاوضات، إضافة إلى محاولات إخفاء المعلومات النووية عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى تعليق المفاوضات نتيجة عدم تحقيق أي نتائج سلبية، ما يطرح التساؤلات عن الأدوات التي تملكها دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة المشاريع الإيرانية.

تحذيرات خليجية

“مجلس التعاون الخليجي” أكد قبل أيام، أهمية التزام إيران بعدم تجاوز تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، مع ضرورة التزام إيران بالتعاون الكامل مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، في وقت أكد فيه المجلس على أهمية مشاركته بجميع المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، فيما يبدو أنه حرصٌ من المجلس على مواجهة المشروع النووي الإيراني في الشرق الأوسط.

لا يبدو حتى الآن أن دول المنطقة بما فيها الدول الخليجية، لديها خطة واضحة من شأنها منع إيران من التقدم أكثر في مجال تخصيب اليورانيوم، سوى بعض التحذيرات التي أطلقتها خلال الأشهر الماضية، أو من خلال اتفاق السعودية، الأمر الذي يثير المخاوف حول استغلال إيران لهذا الفراغ للمضي قدما في مشاريعها العدائية المختلفة.

الباحث في الشأن الإيراني إسلام المنسي، رأى أن دول “مجلس التعاون الخليجي”، تمتلك العديد من الأدوات لمواجهة مشاريع إيران في الشرق الأوسط وفي مقدمتها المشروع النووي، مشيرا إلى أن طهران دائما ما سعت للمراوغة من أجل كسب المزيد من الوقت والتقدم في برنامجها النووي، بالتالي فإنها ستواصل تخصيب اليورانيوم.

المنسي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بالتأكيد الدول الخليجية لديها أدوات ضغط لمواجهة المشروع النووي الإيراني، بدليل أن العقوبات الأميركية على إيران التي فرضت عام 2018 لم تكن لتتم بهذا الشكل وهذه الفعالية، لولا اتفاق واشنطن حينها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لتعويض خروج إيران من السوق النفطية العالمية”.

قد يهمك: بعد محادثات وزراء الخارجية.. ما خطوات إيران التالية في سوريا؟

بالتالي فإن دول الخليج لا سيما السعودية، تمتلك أدوات ضغط، وبشكل خاص على المستوى الاقتصادي، كذلك فإن علاقاتها مع الغرب تساعدها على مواجهة المشاريع الإيرانية، لكن المنسي طرح تساؤلا هنا، عما إذا كانت القوى الدولية والإقليمية، لديها القدرة على إجبار إيران للتخلي عن المشروع الإيراني، متوقعا ألا تنصاع إيران لهذه التحذيرات الخليجية.

حول ذلك أضاف “إيران ستتجه ربما لتتراجع بشكل تكتيكي تحت هذه الضغوط عندما يتم تكثيفها، وذلك على غرار ما حصل عام 2015، النظام الإيراني يرى أن المشروع النووي لا رجعة عنه وكذلك المشروع الإقليمي، وهذه الضغوط الدولية والإقليمية تحاول إيران الانحناء أمامها لكي تَعبر بعض العواصف وبعض الموجات القوية، لكنها تضع خطة استراتيجية المشروع النووي كأولوية وربما توافق على بعض التقييد لبعض الوقت لكنها لم تتخلَ عن المشروع النووي يوما”.

إيران لن تتوقف

لا يبدو أن إيران ستوقف محاولات تخصيب اليورانيوم إلى نسب عالية بعد التحذيرات الخليجية، خاصة وأن طهران تجاهلت تحذيرات غربية مماثلة عديدة خلال السنوات القليلة الماضية، وقد فشلت جميع الطرق الدبلوماسية في الحد من مخاطر مشاريع إيران العدائية في منطقة الشرق الأوسط.

المنسي أوضح كذلك أن إيران لديها العديد من الأهداف من وراء المشروع، حيث أن “الأهداف البعيدة تتمثل بامتلاك القنبلة النووية، وامتلاك الردع النووي ودخول النادي النووي بشكل لا يمكن حذف إيران منه بعد ذلك، وهناك هدف مرحلي يتمثل في توفير مظلة من الحماية عبر الترتيبات التي تتم مع الغرب لتقييد وتأخير المشروع النووي”.

أما عن تأثير عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة السعودية، فقد أفضت إلى حد ما في تحجيم الخلافات والتوترات في المنطقة بين الرياض وطهران خلال الفترة الماضية، لكن المنسي أكد كذلك أن “الاتفاق ليس شهادة وفاة للمشروع الإيراني في المنطقة، لكنها ربما تتضمن إدخال الوسيلة الدبلوماسية عوضا عن انتهاج سياسة المواجهة المباشرة بالتحديد، أعتقد أن هذا قد يؤدي إلى تهدئة النزاعات والخلافات والتوترات في المنطقة خلال الفترة المقبلة”.

رغم أن الدول الخليجية لا تزال ترى أن الطرق الدبلوماسية هي الأنسب لتحجيم المشاريع الإيرانية في المنطقة، إلا أنه ونتيجة التجارب الطويلة مع إيران، ترى إسرائيل على الطرف المقابل، أنه لا فائدة من الدبلوماسية مع النظام الإيراني.

منذ أشهر تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى إقناع الولايات المتحدة الأميركية، بالتوقف عن إحياء عمليات التفاوض مع إيران بشأن مشاريعها العِدائية في الشرق الأوسط وفي مقدمتها الملف النووي، الأمر الذي يطرح كذلك التساؤلات حول الخيارات التي تسعى إليها إسرائيل لمواجهة الملف الإيراني.

تقرير لقناة “كان” الإسرائيلية، ذكر أن حكومة بنيامين نتنياهو، تمارس ضغوطا على إدارة بايدن لإقناعها بعقد اجتماع لمنتدى “ليشن” الاستراتيجي المشترك، والذي يبحث سبل مواجهة التهديدات التي مصدرها إيران، بهدف التعرف على توجهات الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

إيران واللعب على الوقت

الحكومة الإسرائيلية ترى أن إيران تسعى من خلال استئناف المفاوضات، إلى اللعب على عامل الوقت، وذلك بما يسمح لها الاقتراب أكثر من صنع القنبلة النووية وتشكيل أكبر تهديد ممكن على إسرائيل وعموم الشرق الأوسط، لذلك فإن تل أبيب ترى أن المواجهة العسكرية أو التهديد بها هي اللغة التي تفهم بها الحكومة الإيرانية.

فيما يبدو محاولة لإثبات عدم جدوى الدبلوماسية مع إيران، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أيام إن إيران” مستمرة في الكذب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن انصياع الوكالة للضغط الإيراني يمثل وصمة سوداء على سلوك الوكالة”.

لكن عدم تمكّن إسرائيل حتى الآن على الأقل، من حشد اللاعبينَ الرئيسيين في الشرق الأوسط ضد إيران، يجعل تحركها منفردة أمرا غاية في الصعوبة، بدون مساعدة الولايات المتحدة، فهل يكون تسريع إيران لتطوير برنامجها النووي، سببا في توجيه ضربة عسكرية مفاجئة من قبل القوات الإسرائيلية ضد إيران.

إسرائيل ترى أن التفاوض والاتفاقات تم تجريبها خلال عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد استغلته ايران لتعزيز قدراتها العسكرية وهيمنتها في المنطقة، بل وتوسعت قدراتها وباتت أقرب وأكثر تأثيراً على حدودها، ولهذا ترفض التفاوض، وتسعى جاهدة لأخذ الإدارة الأميركية نحو توجيه ضربة عسكرية لإيران تعيد برنامجها لعشرات السنوات للوراء.

الطرق الدبلوماسية التي تصرّ عليها الدول الخليجية، ستكون ربما في مرحلة الاختبار خلال الفترة القادمة، حيث سيبقى البحث جاريا على سؤال هل تستطيع الدول الخليجية امتصاص الخطر الإيراني عبر الحوار والدبلوماسية مع طهران، أم أننا سنرى ربما اتفاقا جديدا بين الخليج وإسرائيل على مواجهة إيران باستراتيجية التهديد والمواجهة العسكرية المباشرة، وبالتأكيد هذا سيتوقف على مدى التعاون الإيراني مع جهود نشر السلام والاستقرار في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات