وسط المشهد المضطرب للصراع السوري، حرّكت المحادثات الأخيرة بين وزيري خارجية سوريا وإيران، فضول وقلق المراقبين العالميين، حيث أثارت المناقشات بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تساؤلات حول خطوات إيران التالية في سوريا وتداعياتها المحتملة على المنطقة.

الاتصالات بين المسؤولَين دارت حول تنفيذ الاتفاقات التي سبق بحثها والموقّعة خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا، حيث تم توقيع اتفاقية “تعاون شامل واستراتيجي وطويل الأمد” بين الحكومة السورية وإيران، مما عزز تحالفهما، وكان مؤشرا على تعميق العلاقات.

كانت أهداف إيران في سوريا متعددة الأوجه، أحد الأهداف الرئيسية هو ممارسة الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا مع السعي أيضا للتأثير على اختيار الرئيس المقبل للبنان، لكن ما يثير التساؤل هو كيف ترتبط المناقشات الأخيرة مع سوريا باستراتيجية إيران المتوسعة ونفوذها في المنطقة، بما في ذلك علاقاتها مع روسيا، وهل هناك مؤشرات على تغير موقف روسيا في سوريا، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على أنشطة إيران في المنطقة، وما الآثار المحتملة لتدخل إيران المستمر في سوريا على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

اتصال هاتفي

بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية وكذلك في وكالة الأنباء السورية “سانا”، فقد تحدث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد، السبت الفائت عن آخر التطورات الإقليمية والتعاون بين طهران ودمشق.

الرئيس السوري بشار الأسد يستقبل نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي - إنترنت
الرئيس السوري بشار الأسد يستقبل نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي – إنترنت

الوزيران ناقشا الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني إلى سوريا، مؤكدين عزم البلدين على تنفيذ التوافقات التي حصلت خلال الزيارة، حيث وقّعت 8 اتفاقيات تعاون ومذكرة للتعاون الاستراتيجي طويل الأمد، فيما تطرق المقداد إلى الانفتاح الذي طرأ على العلاقات بين دمشق والدول العربية ومشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماع زعماء الدول الأعضاء في “الجامعة” العربية.

حديث المقداد ووزير الخارجية الإيراني، أتى في وقت تبنت فيه دمشق رواية أن قرار مجلس الأمن 2254، في حكم المنتهي لأن الدولة السورية طبّقته بحذافيره وقد أجرت انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية وانخرطت في الحوار الوطني من خلال مسار “جنيف” و”أستانا” و”سوتشي” و”اللجنة الدستورية”، وهي الآن تعلن استعدادها لاستقبال اللاجئين بعد صدور عدة مراسيم عفو وانطلاق مسار المصالحات وآخرها مصالحة درعا.

الاتصال أيضا جاء بعد أيام من صدور بيان مجلس “دول التعاون الخليجي” ووزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، والذي نص على التزامهم بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبشكل “خطوة مقابل خطوة”، على النحو المتفق عليه خلال اجتماع عمان التشاوري لفريق الاتصال الوزاري العربي المعني بسوريا، وهو المبدأ الذي نفاه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في تصريحات إعلامية بعد عقد “القمة العربية” التي حضرها الأسد في 29 أيار/مايو الفائت.

استراتيجية إيران في سوريا وانعكاساتها على ديناميكيات القوة الإقليمية ليست جديدة، فتذكير عبد اللهيان للمقداد بضرورة تنفيذ الاتفاقيات التي وقّعت بين الأسد ورئيسي، أجبر وزير الخارجية السوري، أمس الأحد، على حضور الدورة العاشرة لـ “مؤتمر رجال الأعمال العرب”، في الرياض والمشاركة في الاجتماع الوزاري الثاني للدول العربية مع مجموعة دول جزر الباسيفيك،  والتعجيل بفتح السفارة السورية في السعودية، حيث أشرف شخصيا على جهوزية البناء والتحضيرات لإعادة افتتاحها واستئناف تقديم الخدمات القنصلية.

خطوات إيران التالية في سوريا

إيران من خلال اتفاقياتها في سوريا تريد الضغط على الولايات المتحدة ولعب دور في لبنان، فمن المعلوم أن الرئيس الفرنسي تحدث أيضا مع الرئيس الإيراني يوم السبت الفائت، وأن فرنسا سترسل مبعوثا رئاسيا جديدا إلى لبنان. وفي الوقت نفسه، من المعروف أيضا أن هناك ضغطا على سوريا للحد من تجارة المخدرات غير المشروعة التي تستفيد منها دمشق وسط العقوبات.

توقيع الاتفاقيات بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي - إنترنت
توقيع الاتفاقيات بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي – إنترنت

لذا، يبدو أن اتصال عبد اللهيان مع المقداد ركز على دور إيران المستمر في سوريا وكذلك الموقف الروسي المتغير في سوريا، حيث تسعى إيران إلى استخدام الانشغال الروسي عن في دمشق لجلب نفوذها، بما في ذلك نقل الميليشيات إلى سوريا واستخدام البلاد كقاعدة لأسلحة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ.

الخبير في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط، أكبر أحمد، أوضح لـ”الحل نت”، أن أهداف إيران الرئيسية في سوريا تتمحور حول الضغط على الولايات المتحدة لسحب وجودها من البلاد والتأثير على اختيار رئيس لبنان المقبل. فمن خلال تأسيس موطئ قدم قوي في سوريا، تهدف إيران إلى توسيع قوتها الإقليمية ومواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة.

تسريبات أميركية حكومية، نقلتها صحيفة “واشنطن بوست”، مطلع حزيران/يونيو الجاري، أفادت بأن إيران تسلّح مقاتلين في سوريا لبدء مرحلة جديدة من الهجمات المميتة ضد القوات الأميركية في سوريا. حيث تخطط إيران لتصعيد الهجمات ضد القوات الأميركية هناك، وتعمل مع روسيا على استراتيجية أوسع لطرد الأميركيين من المنطقة، وفق التسريبات.

الصحيفة ذكرت أيضا أن إيران وحلفاءها يعملون على بناء وتدريب قوات لاستخدام قنابل أكثر قوة خارقة للدروع على جوانب الطرق، وتهدف تحديدا إلى استهداف المركبات العسكرية الأميركية، وقتل الأفراد الأميركيين.

المناقشات الأخيرة بين إيران وسوريا طبقا لحديث أحمد، هي جزء من استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة، فهذه المحادثات تسلط الضوء على التزام إيران بتعزيز العلاقات مع حلفائها وتنفيذ الاتفاقات الموقّعة سابقا خلال زيارة الرئيس الإيراني رئيسي، إلى سوريا. وهنا تسعى إيران إلى الاستفادة لتقوية نفوذها، باستخدام وسائل مختلفة مثل التعاون الاقتصادي، والدعم العسكري، والمناورات السياسية.

على صعيد آخر، رغم أن روسيا تلعب حاليا دورا محوريا في دعم الحكومة السورية، وبصفتها الداعم الرئيسي لدمشق، تقدم روسيا المساعدة العسكرية والدعم السياسي للرئيس بشار الأسد؛ ومع ذلك فإن أنشطة إيران في سوريا، بما في ذلك دورها المتزايد وطموحاتها، قد تُدخل تعقيدات في العلاقة الروسية الإيرانية. ففي حين أن كلا البلدين لديهما مصالح مشتركة في دعم الحكومة السورية، يمكن أن تنشأ توترات ومنافسة مع سعي إيران لتأكيد نفوذها وتعزيز وجودها.

العسكرة والحرب بالوكالة

لتوسيع نفوذها في سوريا، قامت إيران بنشر الميليشيات واستخدام البلاد كقاعدة للأسلحة المتطورة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ، أيضا سمح دعم إيران لمختلف الجماعات شبه العسكرية بما في ذلك “حزب الله” اللبناني، بتأسيس شبكة من الوكلاء الذين يمكنهم تعزيز أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. ومن خلال توسيع قدراتها العسكرية ووجودها في سوريا، تهدف إيران إلى تعزيز موقعها الإقليمي واستعراض قوتها خارج حدودها.

عناصر من الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا - إنترنت
عناصر من الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا – إنترنت

حديث عبد اللهيان وانخراط سوريا مع الدول العربية، يؤكد خوف إيران من أنشطة روسيا مؤخرا، فبحسب أحمد كانت هناك مؤشرات على تغيير موقف روسيا، حيث أبدت موسكو من حين لآخر استعدادها للانخراط مع لاعبين إقليميين آخرين بما فيهم الدول العربية وتركيا لإيجاد حل سياسي للصراع السوري؛ ويمكن أن يؤثر هذا الموقف المتطور من قبل روسيا على أنشطة إيران، مما قد يؤدي إلى إعادة تقويم أدوار كل منهما وعلاقاته داخل سوريا.

وفقا لرؤية أحمد فإنه يمكن أن يكون لتدخل إيران المستمر في سوريا تداعيات كبيرة على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، لأنها تغذي الخصومات الإقليمية، لا سيما مع دول مثل السعودية وإسرائيل، وتساهم في عدم الاستقرار المستمر في المنطقة. 

سيؤدي توسع نفوذ إيران بعد التأكيد على تنفيذها للاتفاقيات الجديدة الموقّعة مع دمشق، إلى جانب دعمها للجماعات المسلحة، إلى تصعيد التوترات وتصعيد خطر نشوب صراع. علاوة على ذلك، فهو تحدى لميزان القوى الإقليمي، مما قد يؤدي إلى جذب أطراف إقليمية ودولية أخرى إلى الصراع ويزيد من تعقيد جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

من الأهمية إدراك أن المناقشات بين سوريا وإيران دارت حول تنفيذ الاتفاقات الموقّعة سابقا، بهدف تعزيز تحالفهما وتعميق علاقاتهما الثنائية. حيث تشمل أهداف إيران في سوريا مجموعة من المصالح، بما في ذلك الضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد وممارسة نفوذها في المشهد السياسي اللبناني. هذه الأهداف رغم أهميتها، يجب تحليلها ضمن سياق ديناميكيات القوة الإقليمية والمنافسات الجيوسياسية.

إيران وضمن كل الدول التي تدخلت فيها، تسعى لتطبيق النظرية غير الأخلاقية “مؤامرة العنف الكاذب”، عبر وضع خطة لاستخدام العنف ومهاجمة أهدافها والادعاء أن كل تلك الأفعال تحدث من قبل الأميركيين والإسرائيليين لإعلان حرب فعلية ضدهم، ويأتي ذلك كرد فعل على العرض الدراماتيكي التي مارسته دول الخليج للضغط الدبلوماسي على الولايات المتحدة مستخدمة القضية المثيرة للجدل المتمثلة في “التطبيع” مع سوريا كورقة مساومة لها، والتي باتت بعد زيارة بلينكن شأنا ثانويا بالنظر للاتفاقيات الموقّعة حديثا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة