لم تنجح القمة المناخية في شرم الشيخ “كوب 27”، في الخروج بخارطة طريق واضحة من شأنها حل قضايا التغيرات المناخية، وتخفيف الانبعاثات الكربونية، وهي المسبب الرئيسي لظاهرة “الاحتباس الحراري“، فيما أرجأت البتّ في قضايا ملحّة لنسخته المقبِلة في الإمارات.

نسخة الإمارات “كوب 28” تنتظر العديد من التحديات الكبيرة، وذلك في ظل عدم التزام كثير من الدول الكبيرة في التزاماتها تجاه التغيرات المناخية، التي بدأت تشكّل خطرا على كوكب الأرض وتحتاج إلى خطوات عملية وحقيقية للوقوف بوجه هذا التحول.

الجهات المعنية تراهن على الإمارات لأخذ دورٍ مهم، من شأنه إنجاح القمة المقبِلة، لا سيما وأن الإمارات هي في طليعة الدول التي أطلقت مشاريع التوجه نحو الطاقة البديلة، لكن هل تستطيع فعليا المساهمة في التخلي عن الوقود الأحفوري والوصول إلى “العدالة المناخية”.

دور إماراتي في كوب 28؟

المبعوث الأميركي الخاص للمناخ جون كيري، أشاد بقرار عقد “كوب 28″ في الإمارات، وقال إنه ينبغي تشجيع اقتصادات الوقود الأحفوري على قيادة التحول إلى الطاقة النظيفة.

وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي، أوضحت في تصريحات نقلها موقع “سكاي نيوز عربية”، أن القمة القادمة يجب أن تناقش عملية تحول “منصفة وعادلة” للطاقة، مشيرة إلى أن بلادها “تسعى لاستضافة مؤتمر يكون ذا مغزى وتأثير، ويتم خلاله طرح أفكار متنوعة ومختلفة من جميع أنحاء العالم وعلى وجه الخصوص دول جنوب الكرة الأرضية“.

الخبير في اقتصادات الطاقة نهاد إسماعيل، رأى أن أبرز تحديات المؤتمر القادم في الإمارات، هي متابعة تنفيذ التعهدات التي قدمتها الدول في شرم الشيخ خلال “كوب 27”، مشيرا إلى أن المؤتمر السابق انتهى دون المستوى المتوقع.

إسماعيل قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “تحدثوا في كوب 27 عن استثمار 2 تريليون دولار سنويا حتى عام 2030، في برامج حماية البيئة وتحقيق ارتفاع درجة حرارة الكوكب بما لا يزيد عن درجة واحدة ونصف بنهاية القرن، والتحدي هنا عن القدرة في تأمين هذه الالتزامات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية“.

التحدي الآخر يتمثل في تحقيق التوازن والاتفاق على الأهداف، لا سيما في ظل الصراع بين اللوبي الأوروبي الذي يطالب بتحديد سقف الدرجة والنصف، ولوبي الطاقة الأحفورية والصين، الذي يطالب بتمديد الفترة والاعفاءات وتمييع الالتزامات، “ولهذا انتهى كوب 27 دون المستوى المتوقع ووضع مصر في موقف حرج“.

قد يهمك: زخم غير مسبوق على الطاقة النظيفة.. الأزمة العالمية حافز للتوجه نحو البدائل؟

برأي إسماعيل، فإن المجتمع الدولي فشل في تطبيق مخرجات “كوب 15” في باريس، ولم ينجح تماما في “كوب 27″، لكنه اعتقد كذلك أن الأمر الإيجابي يتلخص في أن “الإمارات، لديها مشاريع طاقة نظيفة وستلعب دور هام في تحريك المجتمع الدولي للبدء بالتنفيذ في تطبيق سياسات حماية المناخ والبيئة، والمطلوب إرادة سياسية من مجموعة العشرين للتقدم وتحقيق المزيد“.

العديد من الخبراء الذي تابعوا مخرجات “كوب 27” في القاهرة، وصفوا ما حصل بأنه “إيجابي لكنه غير كاف للتخفيف من أسباب التغيرات المناخية، والحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية“.

دول لا تلتزم

الخبير البيئي البروفيسور أحمد جبر، قال في حديث خاص مع “الحل نت” إن الدول الكبيرة لا تقوم بواجباتها كما يجب، للمساهمة في خفض الانبعاثات، مشيرا إلى عدم التزامها كذلك بالمقررات المالية تطبيقا لنظرية “الملوّثْ يدفع“.

جبر أضاف في حديثه، “ينتظر المؤتمر القادم عمل كبير في التحولات الطاقوية، الأمر يحتاج إلى برامج وخرائط طرق واضحة للعمل البيئي والوصول إلى الالتزام بخفض انبعاثات الكربون“.

القمة المناخية الأخيرة، خرجت بإقرار تقديم تمويلات مناخية جديدة للمرة الأولى، بما في ذلك صندوق “الخسائر والأضرار” لمساعدة البلدان النامية على معالجة آثار التغيرات المناخية.

كذلك طرحت في إطار حلول مواجهة التغير المناخي، الحلول الطبيعية المتمثلة في زرع الأشجار والحفاظ على الغابات وحمايتها، وقد طرحت المملكة العربية السعودية مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” لزراعة مليار شجرة في الشرق الأوسط، في إطار مكافحة انبعاثات الكربون.

لكن قمة شرم الشيخ لم تتمكن في المقابل، من الاتفاق على التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري بما في ذلك النفط والغاز، ما يُعد إهمالا لمعالجة المسبّبات الأساسية وراء آثار التغيرات المناخية.

كذلك فشلت في تحديد المسارات والخطط لتحقيق هدف الإبقاء على درجة حرارة الأرض بحدود 1.5 درجة مئوية.

التغير المناخي يمثل واحدا من أبرز التحديات أمام سكان كوكب الأرض، بعدما حذّر علماء المناخ من تجاوز هدف الـ 1.5 درجة مئوية، لوقف تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض.

علماء المناخ أكدوا أنه خلال عقدٍ من الزمن، من المتوقع أن تؤدي انبعاثات الوقود الأحفوري المتراكمة في الغلاف الجوي واحتباس المزيد من طاقة الشمس، إلى تجاوز حرارة الكوكب لهذا الحد البالغ 1.5 درجة مئوية.

كيف يمكن خفض الحرارة؟

هنالك العديد من الآليات الحديثة التي تسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، ليتم تخزينه تحت الأرض، لكن تتمثل صعوبة استخدام هذه الآلات في كلفتها المرتفعة جدا، لذا ما تزال الآليات الطبيعية لإزالة الكربون هي الأكثر وفرة.

بالطبع فإن الآلية الطبيعية والرخيصة لخفض درجات الحرارة، تتمثل في الحفاظ على سلامة غابات الكوكب المتبقية والنّظم الطبيعية الأخرى، لأنها تمتص بشكل طبيعي ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، مما يساعد على منع ارتفاع درجة الحرارة.

لكن حتى الآن لا ترى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، أن هناك آليات مُجدية وموثوقة للوصول إلى معدل درجات حرارة يتناسب مع الهدف المنشود، وذلك بعد انعقاد مؤتمر قمة المناخ في شرم الشيخ.

خلال الفترة الماضية ارتفعت وتيرة التحذيرات من تبعات التغيرات المناخية على كوكب الأرض، وذلك نتيجة كثافة انبعاثات الكربون الناتج بالدرجة الأولى عن زيادة استخدام الوقود الأحفوري، فضلا عن أسباب أخرى، كذلك موجات الجفاف والتصحر التي ضربت عدة مواقع في أنحاء العالم.

“منظمة العفو الدولية” دعت في آخر تقاريرها حول التغيرات المناخية، جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلى تحديث أهداف الانبعاثات لعام 2030، لضمان مواءمتها مع الحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية.

تقرير “المنظمة“، ركز كذلك على ضرورة التخلص التدريجي من استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري من دون الاعتماد على “طرق مختصرة” ضارة وغير مثبتة مثل آليات إزالة الكربون؛ وإنشاء صندوق للخسائر والأضرار لتوفير سُبل الانتصاف للأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم، بسبب أزمة المناخ.

بعض الحكومات حول العالم تواجه اتهامات، تتعلق بعدم مساهمتها في مواجهة التغيرات المناخية على كوكب الأرض، وهي التي آثرت بحسب “العفو الدولية“، على تبنّيها المدمر لقطاع الوقود الأحفوري، وتقديم أهداف انبعاثات غير كافية تماما، ثم التقاعس عن الوفاء بها

هذه التحذيرات جاءت عقِب انتهاء فصل الصيف الذي وصفته الأمينة العامة لـ “منظمة العفو الدولية” أنياس كالامار بـ“المروّع“، بعد موجات الحر الشديدة التي اجتاحت أوروبا، وفيضانات غمرت مساحات شاسعة من باكستان وأستراليا.

كالامار، قالت في تصريحات نقله تقرير “المنظمة” قبل أسابيع، “هذا التقاعس يعني أننا نتجه حاليا إلى الاحترار العالمي الذي يتجاوز 2.5 درجة مئوية، وهو سيناريو من شأنه أن يشهد المجاعة والتشرد والمرض والنزوح على نطاق لا يمكن استيعابه تقريبا. وهذه الانتهاكات تحدث بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم“.

رغم جدوى مشاريع الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة في مواجهة التغير المناخي، إلا أن تحذيرات المنظمات المعنية، توحي بأننا بحاجة إلى جهود أكبر بمواجهة هذه التغيرات، وذلك لخفض انبعاثات الكربون من الأرض، ما يوحي بعمل وجهد كبيرين ينتظران الجهات المعنية بـ“كوب 28” في الإمارات العام المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.